هل كتاب (شرح نـهج البلاغة) موثوق به؟
السؤال: هل كتاب (شرح نـهج البلاغة) لابن أبي الحديد المعتزليّ موثوق به؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية لابدَّ من تحديد المراد من معنى(الوثوق) في سؤال الأخ الكريم، فإذا كان المقصود منه هو صحَّة انتساب الكتاب إلى المؤلِّف، فهذا أمرٌ ثابت بلا شكّ ولا ريب، لما صرَّح به الكثير من الأعلام، منهم: الزركليّ في الأعلام، ونصُّه: (عبد الحميد بن هبة الله بن محمَّد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو حامد، عزُّ الدين، عالم بالأدب، من أعيان المعتزلة، له شعر جيِّد، واطِّلاع واسع على التاريخ، ولد في المدائن، وانتقل إلى بغداد، وخدم في الدواوين السلطانية، وبرع في الإنشاء، وكان حظيَّاً عند الوزير ابن العلقميّ، له شرح نهج البلاغة) [الأعلام ج ٣ ص ٢٨٩].
ولكن الظاهر من (الوثوق) في سؤال الأخ السائل هو صحَّة ما يراه الشارح، أو صحَّة ما جاء فيه من روايات وأحداث، وهذا أمرٌ غير مسلَّم، وذلك لعدم اعتقادنا بكلِّ ما يراه أو يعتقده، ولا بكلِّ ما ينقله من روايات وأحداث، من ذلك مثلاً: اعتقاده بصحَّة بيعة القوم في يوم السقيفة، وأنّه جرى لأجل مصالح الإسلام، وخوف الفتنة!
فقال بعد شرح الخطبة الشقشقيّة: أليس كلامه (عليه السلام) يدلُّ (على تظليم القوم ونسبتهم إلى اغتصاب الأمر، فما قولكم في ذلك؟ إنْ حكمتم عليهم بذلك فقد طعنتم فيهم، وإنْ لم تحكموا عليهم بذلك، فقد طعنتم في المتظلِّم المتكلِّم عليهم!
قيل: أمَّا الإماميّة من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها، وتذهب إلى أنَّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نصَّ على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّه غُصب حقُّه. وأمَّا أصحابنا (رحمهم الله)، فلهم أنْ يقولوا: إنّه لما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الأفضل والأحقّ، وعُدل عنه إلى من لا يساويه في فضل، ولا يوازيه في جهاد وعلم، ولا يماثله في سؤدد وشرف، ساغ إطلاق هذه الألفاظ، وإنْ كان من وسم بالخلافة قبله عدلاً تقيّاً، وكانت بيعته بيعة صحيحة، ألا ترى أنَّ البلد قد يكون فيه فقيهان، أحدهما أعلم من الآخر بطبقاتٍ كثيرة، فيجعل السلطان الأنقص علماً منهما قاضياً، فيتوجَّد الأعلم ويتألَّم، وينفث أحياناً بالشكوى، ولا يكون ذلك طعناً في القاضي ولا تفسيقاً له، ولا حكماً منه بأنّه غير صالح، بل للعدول عن الأحقّ والأولى، وهذا أمرٌ مركوز في طباع البشر، ومجبولٌ في أصل الغريزة والفطرة، فأصحابنا (رحمهم الله)، لمّا أحسنوا الظنَّ بالصحابة، وحملوا ما وقع منهم على وجه الصواب، وأنّهم نظروا إلى مصلحة الإسلام، وخافوا فتنة لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط، بل وتفضي إلى ذهاب النبوَّة والملَّة، فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحقّ إلى فاضل آخر دونه، فعقدوا له، واحتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ الصادرة عمَّن يعتقدونه في الجلالة والرفعة قريباً من منزلة النبوَّة، فتأوَّلوها بهذا التأويل، وحملوها على التألُّم، للعدول عن الأولى) [يُنظر: شرح النهج ج1ص156].
وكذلك كلامه في إيمان أبي طالب (عليه السلام)، إذْ صرَّح بأنّه من المتوقِّفين في الحكم عليه! [يُنظر: شرح النهج ج14ص84]، مع ظهور الأدلَّة الكثيرة في إسلامه وإيمانه، كما فُصِّل في محلِّه، ولعلَّ من أجل ذلك ـ وغيره ـ ردَّ عليه جملة من أعلام الإماميّة، منهم: الفقيه الشيخ يوسف البحرانيّ (طاب ثراه) في كتابه الموسوم بـ(سلاسل الحديد، في تقييد ابن أبي الحديد) والمطبوع في مجلَّدين، وغيره من الأعلام، كما لا يخفى على المطالِع.
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الوثوق في هذا الكتاب من حيث الانتساب فقط، وليس من حيث المحتوى والمضمون، بل يُعامل كسائر الكتب التي تحتوي على الغثِّ والسمين.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق