ماذا يجب على المكلف من أعمال ليكون من المنتظرين في زمن الغيبة؟
السؤال: كيف يكون الشخص منتظراً لإمام زمانه (عجل الله فرجه)، وما هي الأعمال التي يؤديّها؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أخي السائل الكريم أنَّه قبل أن تكون منتظراً للإمام الحجّة (عج) لا بدّ من معرفته؛ لما دلّت النصوص الكثيرة على وجوب معرفته وطاعته، منها: ما ذكره أبو محمّد الحسن بن عليّ (ع) في الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: «إنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه، وإنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة، فقال: إنّ هذا حقٌّ، كما أنَّ النهار حقّ، فقيل: يا ابن رسول الله فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد، هو الإمام والحجّة بعدي، فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية» [وسائل الشيعة ج 16 ص 246]، وغيره من الأحاديث التي تؤكّد هذا المعنى، وبالتالي معرفته ضروريّة قبل نصرته وانتظاره؛ فما نلاحظه من حركات منحرفة ظهرت على مرّ العصور والى عصرنا الراهن ادَّعت المهدويّة أو النيابة الخاصّة، ونحوها من الحركات المنحرفة إنَّما تولّدت بسبب الجهل بإمام الزمان (عج)، ولأجل أن يكون المؤمن من الممهّدين والمنتظرين للإمام المهديّ (عج)، لا بدَّ أن يفعل ما يلي:
1- التيقّن بأنَّه حجّة الله على خلقه، وأنَّه غاب عن شيعته، وانتهت السفارة بموت السفير الرابع وهو الذي أعلن فيه الإمام المهديّ (عج) انتهاء السفارة بموت هذا السفير، وبدأ عصر الغيبة الكبرى، فكما ورد: «ألَا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة، فهو كذاب مفتر»، [ينظر: الاحتجاج للطبرسيّ ج2 ص297]، فلا سفير خاصّ بعد السفير الرابع، وهو الشيخ الجليل أبو الحسن عليّ بن محمّد السمّريّ. [ينظر: موسوعة الإمام المهديّ (عج) ج1 ص412]، وإنّما بدأ عصر السفارة العامّة، وهم الفقهاء الاعلام، والمراجع الأفذاذ، الذين أمرنا الامام (عج) في الرجوع إليهم في المسائل، كما ورد في الخبر: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليكم» [غيبة الطوسيّ ص319].
2- معرفة حقوق الإمام (عج) علينا، وأهمّها التيقّن بأنَّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فلا بدَّ من الاجتهاد في طاعته في أوامره ونواهيه، ففي الخبر المسند الى أبي حمزة الثمالي، قال: (سألت عن الإمام الباقر (ع) ما حقّ الإمام على الناس؟ فقال (ع): «حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا»..)، [الكافي ج1 ص405].
3- الإكثار من الدعاء لمعرفته (عج) في زمن الفتن، كما هو عصرنا الراهن، ففي الخبر الوارد عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثمّ قال : يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشكّ في ولادته ، منهم من يقول : مات أبوه بلا خلف ومنهم من يقول : حمل، ومنهم من يقول : إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين ، وهو المنتظر غير أنّ الله عزّ وجلّ يحبُّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة ، قال : قلت : جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل ؟ قال : يا زرارة، إذا أدركت هذا الزمان فادعُ بهذا الدعاء: اللّهُمّ عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللّهُمّ عرّفني رسولك ، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك ، اللّهُمّ عرّفني حجّتك ، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني»، ثمّ قال: يا زرارة لا بدّ من قتل غلام بالمدينة ، قلت : (جعلت فداك أليس يقتله جيش السفيانيّ)؟ قال: لا ، ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجيئ حتّى يدخل المدينة ، فيأخذ الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون ، فعند ذلك توقّع الفرج إن شاء الله». [الكافي ج ١ ص ٣٨٥].
4- الدعاء للإمام الحجّة المهديّ (ع) بتعجيل الفرج، كما ورد في الخبر، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: «إنَّ الإمام الرضا (ع) كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا الدعاء: (اللّهُمّ ادفع عن وليّك، وخليفتك، وحجّتك على خلقك، ولسانك المعبّر عنك بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة على بريّتك، الى آخر الدعاء)، [جمال الأسبوع ص307].
5- أن يكون الشخص المؤمن مطبّقاً للأحكام الشرعيّة، منجزاً للأوامر الإلهيّة المطلوبة منه، ومتجنّباً للمعاصي من الذنوب والمعاصي، مطبّقاً لما جاء من أحكام شرعيّة أثبتها المراجع العظام في رسائلهم العمليّة، متقيّداً بفتاواهم (أيدهم الله بنصره).
6: أن يكون سلماً لمن سالم محمّد وآله (صلوات الله عليهم)، وحرباً لمن حاربهم وناوئهم، كما ورد في الزيارة الجامعة: «أُشهد الله وأشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم، وبضلالة من خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم ومعادٍ لهم، سلمٌ لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، محقّق لما حقّقتم، مبطل لما أبطلتم، مطيع لكم، عارف بحقكم، مقرٌّ بفضلكم»، ... الى آخر الفقرات [من لا يحضره الفقيه ج2 ص615]، فلا بدَّ من معرفة الحقّ ونصرته دوماً ولو بأضعف الإيمان، ولا بدَّ أيضاً من معرفة الباطل ومواجهته باليد أو باللّسان، أو بالقلب.
7: أن يكون عارفاً بعلامات الظهور المبارك، ومتتبّع لها، ولما أورده العلماء الأعلام في كتبهم من العلامات البعيدة والقريبة، وعلامات سَنَةِ الظهور المبارك، كالصيحة، واليمانيّ، والخراسانيّ، والخسف، والسفيانيّ. [ينظر: المعجم الموضوعيّ لأحاديث الإمام المهديّ (عج) ج1 ص521]، والعَلَامَة لا تغني عن صاحب العَلَامَة، وإنَّما تجعل من المؤمن متيقّناً بقرب الظهور المقدّس.
8: ألّا يكون من الموقّتين، فقد ورد تحذير أن يكون المؤمن موقّتاً، ففي الخبر المرويّ في الكافي، عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِهْزَمٌ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَنْتَظِرُ مَتَى هُوَ؟ فَقَالَ (ع): «يَا مِهْزَمُ كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، وَهَلَكَ الْمُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا الْمُسَلِّمُونَ»، [الكافي ج1 ص368]، وقد أفرد العلماء أبواباً خاصّة في مصنّفاتهم حول النهي عن التوقيت، أشاروا فيها الى الأحاديث الناهية عنها، كما في الكافي وغيره.
9: القيام ببعض الأعمال المستحبّة وإهداء ثوابها الى الإمام الحجّة المنتظر (عج)، كالصدقة، والدعاء، والزيارة، ونحوها من الأمور النافعة، فهي تنفعنا في الوقت عينه، وتقرّبنا الى الله تعالى.
ونكتفي بهذا القدر من الأمور؛ منعاً للإطالة، ويمكن للمؤمن السائل الكريم أن يطَّلع على ما كتبه علمائنا الأعلام بخصوص ذلك، والحمد لله ربّ العالمين.
اترك تعليق