هل فكرة المهدي مقتصرة على الشيعة أم تشمل المسلمين جميعاً؟

السؤال: هل فكرة المهديّ موجودة عند الشيعة فقط، كما قال عبد الرحمن محمّد عثمان في تعليقه على كتاب (تحفة الأحوذيّ) في باب (ما جاء في الخلفاء): يرى كثيرٌ من العلماء الثقات الأثبات أنَّ ما ورد من أحاديث خاصّة حول المهديّ ليست إلَّا من وضع الباطنيّة، والشيعة، وأضرابهم، وأنَّه لا تصحّ نسبتها الى الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله)؟

: الشيخ إبراهيم البصري

الجواب:

أنَّ فكرة المهديّ أو المنقذ ليست منحصرةً في الدّيانة الإسلاميّة فقط، بل ذكرتها الأديان التوحيديّة جميعاً، كما ورد في الكتاب المقدّس (العهد القديم)، في سفر زكريّا، الإصحاح التاسع، الصفحة التاسعة: (ابتهجي جدّاً يا ابنة صهيون، واهتفي يا ابنة أورشليم؛ لأنَّ مَلِكَكِ مُقبلٌ اليك، وهو عادلٌ ظافرٌ، ولكنّه وديع، وهو سيدخل القدس وهو راكب الحمار رمزاً للسلام، وليس حصاناً رمزاً للحرب، وأنَّ نفوذه سيمتدّ من البحر، ومن نهر الفرات الى نهاية الأرض).

وهكذا في (العهد الجديد)، في أنجيل متَّى، الإصحاح الرابع والأربعون، الصفحة الرابعة والعشرون: (فكونوا إذن على استعداد؛ لأنَّ ابن الانسان يجيء في ساعة لا تنتظرونها)، وغيرهما من النصوص الأُخر، وأمّا ما يتعلّق ببقيّة المسلمين من غير الشيعة، فقد صنّف علماء المسلمين كتباً وأبحاثاً كثيرةً في المهديّ، منها:

1: أحاديث المهدي من مسند أحمد بن حنبل (ت 241هـ).

2: البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجيّ الشافعيّ (ت 658هـ).

3: العرف الوردي في أحاديث المهديّ، الشيخ جلال الدين السيوطيّ (ت 911هـ).

4: القول المختصر في علامات المهديّ المنتظر، الشيخ أحمد بن حجر الهيثميّ المكّيّ (ت 974هـ).

5: فرائد فوائد الفِكَرْ في الإمام المهديّ المنتظر، الشيخ مرعيّ بن يوسف المقدسيّ الحنبليّ (ت 1033هـ).

6: سلُّ الهِنْدِيِّ على تَعَسُّفِ مَنْ ضَعَّفَ أحَادِيثَ المَهْدِيِّ الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين.

7: المهديّ المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة، الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستويّ.

تناولت هذه الكتب الأحاديث الخاصّة بالإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام)، وذكرت اسمه، ونسبه، وصفاته، ودولته، وعلامات ظهوره، والأمور المتعلّقة به.

وقد أفرد بعض العلماء باباً خاصّاً من مُصنفاتِهم ومؤلّفاتهم في الإمام المهديّ، منها:

1: صحيح البخاريّ، الجزء الرابع، كتاب بدء الخلق، باب نزول عيسى بن مريم (عليه السلام).

2: صحيح مسلم، الجزء الرابع، كتاب الفتن وأشراط الساعة.

3: سنن الترمذيّ، الجزء الرابع، الباب الثاني والخمسون، ما جاء في المهديّ.

4: سنن أبي داوود، الجزء الرابع، كتاب المهديّ.

5: سنن ابن ماجه، الجزء الثاني، كتاب الفتن، باب خروج المهديّ.

6: تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزيّ (ت 654هـ)، فصلٌ في ذكر المهديّ.

7: الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمّة، ابن صبّاغ المالكيّ (ت 855هـ)، الفصل الثاني عشر، في ذكر أبي القاسم محمّد الحجّة الخلف الصالح.

وتناول بعضٌ من علماء المسلمين الأحاديث المهدويّة وأثبتوها في كتبهم، منهم:

1: نعيم بن حمّاد المروزيّ في ملاحمه، إذْ من جملة الأحاديث التي أوردها في هذا الباب ما ذكره عن كعب الأحبار أنّ كان يقول: (إنّي أجد المهديّ مكتوباً في أسفار الأنبياء، ما في عمله ظلم ولا عيب).

2: عبد الرزّاق الصنعانيّ في مصنّفه، عن النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله): ((ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلَّا جاش منها جانب، حتّى ينادي منادٍ من السماء: أميركم فلان))، والمراد به المهديّ.

3: الشيخ سلام إبراهيم الحمويّ (ت 732هـ) في فرائد السمطين (...الى أنَّ منكري المهديّ كفروا بما أُنزل على محمّد).

4: ابن تيميّة (ت 728هـ) في منهاج السنّة: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً)، وهو صحيحٌ عنده.

5: ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) - تلميذ ابن تيمية – يشير الى أن الأحاديث الواردة بخصوص المهدي وأنَّه من ولد الامام الحسن، يقوم بالخلافة المتضمنة للعدل الإلهي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وقد صحّحه في كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف)، ويضعّف رواية ابن ماجه ((لا مهدي إلّا عيسى بن مريم))، ويصفها بالمعارضة لأقوال النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) من أنَّه من ولد فاطمة.

وقد صحّح الألبانيّ مجموعةً من الأحاديث المهدويّة في (الصحيح الجامع)، منها: ما رواه الترمذيّ، وأحمد، وأبو داود، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ((ولا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي)).

ومنها: ما رواه أبو داود، عن أبي سعيد الخدريّ، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ((المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين))، وأيضاً ما رواه أبو داود، وابن ماجه: عن أمّ سلمة، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ((المهديّ من عترتي من ولد فاطمة))، وكذلك ما رواه البخاريّ، ومسلم، عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): ((كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم))؟.

وأمّا المصادر الشيعيّة فلا يمكن حصرها، أو ذكرها جميعاً، ولكن سنكتفي بذكر بضع شواهد، منها: فرج المهموم لابن طاووس، وإثبات الهداة للحرّ العامليّ، وله أيضاً أمل الآمل، وحلية الابرار لهاشم البحرانيّ، وبحث حول المهديّ للسيّد محمّد باقر الصدر، والموسوعة المهدويّة للسيّد محمّد صادق الصدر، ومعجم أحاديث الظهور للشيخ الكورانيّ، رحمهم الله جميعاً.

وعليه، تكون دعوى ابن عثمان مجانبة للصواب، بعد كلّ هذه الأحاديث، والروايات، التي تشير الى مسألة ضرورة الايمان بالإمام المهديّ المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

والحمد لله ربّ العالمين.