هل تبرأ الأئمة (ع) من الشيعة؟

ذكر البعض: أن الإمام الكاظم (ع) كان سيِّئ الرأي في شيعته، استناداً لرواية وردت في الكافي، جاء فيها: «عن موسى بن بكر الواسطي، قال: قال لي أبو الحسن (ع): لو ميَّزتُ شيعتي لم أجدهم إلا واصِفة، ولو امتحنتُهم لما وجدتُهم إلا مرتدِّين، ولو تمحَّصتُهم لما خلُص من الألف واحد، ولو غربلتُهم غربلة لم يبقَ منهم إلا ما كان لي، إنهم طالما اتكوا على الأرائك فقالوا: نحن شيعة عليٍّ (ع)، إنما شيعة عليٍّ (ع) من صدَّق قولَه فعلُه!»، روضة الكافي: ٢٢٨.

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

السائل المحترم / سلام عليكم

[أولاً] هذه الرواية الشريفة أخرجها الكليني في الكافي: ج٨ ص٢٢٨ ح٢٩٠، باللفظ المذكور في السؤال، وهذا إسنادها:

قال: «وبهذا الإسناد، عن محمد بن سليمان، عن إبراهيم بن عبد الله الصوفي، قال: حدثني موسى بن بكر الواسطي، قال: قال لي أبو الحسن (ع) .. إلخ».

أقول: عبارة «وبهذا الإسناد»، تعني: أن هذا الإسناد معلَّق على سابقه، والسابق عليه هو هكذا «الحسين بن محمد الأشعري، عن علي بن محمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم ابن أبي سلمة».

قال المجلسي في المرآة: ج٢٦ ص١٦١ ح٢٩٠، «ضعيف»، وهو كما قال، وسنوضح هذا باختصار ..

١- علي بن محمد بن سعيد: أو «سعد» بدل «سعيد»، كما في بعض النسخ. فالأول: مجهول العين لا يُعرف، لم يروِ عنه بهذا العنوان إلا الحسين بن محمد الأشعري. والثاني: هو علي بن محمد بن علي بن سعد الأشعري، مترجَم في الرجال، إلا أنه مجهول الحال. الموسوعة الرجالية: ص٣٢٨ ت٤١٦١.

٢- محمد بن مسلم ابن أبي سلمة: أو «سالم» بدل «مسلم»، كما في بعض النسخ. فالأول: مجهول العين لا يُعرف، لم يروِ عنه بهذا العنوان إلا علي بن محمد بن سعيد. والثاني: هو محمد بن سالم بن أبي سلمة الكِندي السجستاني، قال ابن الغضائري: «لا يُعرف .. في حديثه ضعف»، الموسوعة الرجالية: ص٤١٨ ت٥٣٥٠.

٣- محمد بن سليمان: لعلَّه هو نفسه ابن أبي سلمة، لكنه تحرَّف من «مسلم» أو «سالم» إلى «سليمان»، كما في بعض النسخ. فالأول: مجهول العين لا يُعرف، لم يروِ عنه بهذا العنوان إلا علي بن محمد بن سعيد. والثاني والثالث: تقدَّم الكلام عنهما أعلاه في رقم [٢].

٤- إبراهيم بن عبد الله الصوفي: مجهول العين لا يُعرف، لم يروِ عنه بهذا العنوان إلا محمد بن سليمان، أو «ابن مسلم»، أو «ابن سالم»، وقد تقدَّم الكلام فيه. الموسوعة الرجالية: ص٢٨ ت١٣٢.

النتيجة: بهذا الإسناد ثلاثة رواة ـ على الأقل ـ مجاهيل، فهو ضعيف، كما حَكم عليه المجلسي. ولكن متنها مقبول، ولا مشكلة علمية فيه، كما سيأتي بيانه.

[ثانياً] ليس المراد من هذه الرواية "أن الإمام الكاظم (ع) كان سيِّئ الرأي في شيعته" كما حَكى السائل عن البعض!

بل المراد منها: وضعُ ضابطةٍ يُعرف بها الشيعي الحقيقي الذي ينتسِب لأهل البيت (ع) واقعاً، من الشيعي المزيَّف الذي ينتسِب لأهل البيت (ع) بالزعم.

هذه الضابطة بيَّنها الإمام (ع) وهي «إنما شيعة عليٍّ (ع) من صدَّق قولَه فعلُه»، أي: أن ادِّعاء التشيُّع ما يكفي للحُكم بالتشيُّع، ولابد من فعل جادٍّ يصدِّق هذا القول.

لأن التشيُّع لأهل البيت (ع) ليس مجرَّد شعارات ولا أمنيات، بل التشيُّع لهم (ع) مشروط بعِلم معه عمَل.

وهذه الرواية شرحها علماؤنا بالتفصيل، منهم: المازندراني في شرح الكافي: ج١٢ ص٣٠٥ ح٢٩٠، والمجلسي في مرآة العقول: ج٢٦ ص١٦١ ح٢٩٠.

[ثالثاً] محتوى هذه الرواية الشريفة مبثوث في كثير من روايات أهل البيت (ع)، قد رواها علماؤنا في مصنفاتهم، وجمَع الصدوق كمِّية منها في كتابه (صفات الشيعة).

ولا بأس أن نتبرَّك بسَرد بعضها:

١- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص١٠، بسنده عن السِّندي بن محمد، قال: «تبِع قومٌ أميرَ المؤمنين (ع)، فالتفتَ إليهم، قال: ما أنتم عليه؟ قالوا: شيعتك يا أمير المؤمنين! قال: ما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟! قالوا: وما سيماء الشيعة؟ قال: صُفر الوجوه من السَّهر، خُمْص البطون من الصِّيام، ذُبْل الشفاه من الدُّعاء، عليهم غبَرة الخاشعين!».

٢- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص٢٨، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «كان علي بن الحسين (ع) قاعداً في بيته، إذ قرَع قومٌ عليه الباب، قال: يا جارية، انظري من بالباب. فقالوا: قوم من شيعتك. فوثبَ عجلان، كادَ أن يقَع! فلمَّا فتح الباب، ونظر إليهم، رجَع! وقال: كذبوا، فأين السَّمْت في الوجوه؟ أين أثر العبادة؟ أين سيماء السجود؟ إنما شيعتنا يُعرفون بعبادتهم وشَعَثِهم. قد قرَّحَت العبادة منهم الآناف، ودثَّرَت الجباهَ والمساجدَ. خُمْص البطون، ذُبْل الشفاه، قد هَبَجَت العبادةُ وجوهَهم، وأخلَق سهرُ الليالي وقَطْعُ الهواجِر جُثَثهم. المسبِّحون إذا سكتَ الناس، والمصلُّون إذا نام الناس، والمحزونون إذا فرح الناس. يُعرفون بالزهد، كلامهم الرحمة، وتشاغُلهم بالجنة!».

٣- رَوَى الكليني في الكافي: ج٢ ص٧٣ ح١، بسنده عن الإمام الباقر (ع)، قال: «لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله (عز وجل)».

٤- رَوَى الكليني في الكافي: ج٢ ص٧٤ ح٣، والصدوق في صفات الشيعة: ص١١، بسندهما عن جابر الجعفي، أن الإمام الباقر (ع)، قال له: «يا جابر، أيكتفي من ينتحِل التشيُّع، أن يقول بحبِّنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتُنا إلا من اتقى الله وأطاعه! وما كانوا يُعرفون ـ يا جابر ـ إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرِّ بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفِّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلتُ: يا ابن رسول الله، ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة! فقال: يا جابر، لا تذهبنَّ بك المذاهب، حَسِبَ الرجلُ أن يقول: أحبُّ عليّاً وأتولاَّه، ثم لا يكون مع ذلك فعَّالاً؟! فلو قال: إني أحبُّ رسولَ الله ـ ورسولُ الله (ص) خيرٌ من عليٍّ (ع) ـ ثم لا يتَّبع سيرته، ولا يعمل بسُنته، ما نفعه حبُّه إياه شيئاً! فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة. أحَبُّ العباد إلى الله (عز وجل) وأكرمهم عليه، أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر، والله ما يتقرَّب إلى الله (تبارك وتعالى) إلا بالطاعة، وما معَنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حُجة. من كان لله مطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوٌّ، وما تُنال ولايتُنا إلا بالعمل والورَع».

٥- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص١٠، بسنده عن الإمام الباقر (ع)، قال: «إنما شيعة عليٍّ (صلوات الله عليه) الشاحبون الناحلون الذابلون. ذابلة شفاههم من القيام، خميصَة بطونهم، مصفرَّة ألوانهم، متغيِّرة وجوههم. إذا جنَّهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوها بجباههم. باكية عيونهم، كثيرة دموعهم، صلاتهم كثيرة، ودعاؤهم كثير، تلاوتهم كتاب الله، يُفرحون الناس وهُم يَحزنون».

٦- رَوَى الكليني في الكافي: ج٢ ص٦٣٦ ح٥، بسنده عن زيد الشحام، قال: «قال لي أبو عبد الله (ع): اقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام! وأوصيكم: بتقوى الله (عز وجل)، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)! أدُّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط. صِلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدُّوا حقوقهم. فإن الرجل منكم إذا وَرع في دينه، وصدق الحديث، وأدَّى الأمانة، وحسَّن خُلقه مع الناس، قيل: هذا جعفريٌّ! فيسرُّني ذلك، ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر! وإذا كان على غير ذلك، دخل عليَّ بلاؤه وعارُه، وقيل: هذا أدب جعفر! فوالله لحدَّثني أبي (ع): أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعه عليٍّ (ع)، فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث. إليه وصاياهم وودائعهم، تُسأل العشيرةُ عنه؟ فتقول: مَن مِثل فلان! إنه لآدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث!».

٧- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص٢٨، بسنده عن عبد الله بن زياد، قال: «سلَّمنا على أبي عبد الله (ع) بمِنى، ثم قلتُ: يا بن رسول الله، إنا قوم مجتازون، لسنا نُطيق هذا المجلس منك كلما أردناه، فأوصِنا. قال (ع): عليكم بتقوى الله، وصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وحُسن الصحبة لمن صحبكم، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام. صلُّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واتَّبِعوا جنائزهم. فإن أبي (ع) حدثني: أن شيعتنا أهل البيت (ع) كانوا خيار مَن كانوا منهم. إن كان فقيه كان منهم، وإن كان مؤذن كان منهم، وإن كان إمام كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم! وكذلك كونوا، حبِّبونا إلى الناس، ولا تبغِّضونا إليهم».

٨- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص٢، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «شيعتنا أهل الورَع والاجتهاد، وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة. أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكُّون أموالهم، ويحجُّون البيت، ويجتنبون كلَّ محرَّم».

٩- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص٧، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «والله ما شيعة عليٍّ (صلوات الله عليه) إلا مَن عَفَّ بطنَه وفرجَه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه».

١٠- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص٨، بسنده عن محمد بن عجلان، قال: «كنتُ مع أبي عبد الله (ع) فدخل رجُل، فسلَّم. فسأله (ع): كيف خلَّفتَ من إخوانك؟ فأحسَن الثناء، وزكَّى وأطرى! قال له: كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم؟ قال: قليلة! قال: كيف مواصلة أغنيائهم لفقرائهم، ذات أيديهم؟ فقال: إنك تذكر أخلاقاً ما هي فيمن عندنا! قال (ع): فكيف يزعم هؤلاء أنهم لنا شيعة؟!».

١١- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص٩، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إن شيعة عليٍّ (صلوات الله عليه) كانوا خُمْصَ البطون، ذُبْلَ الشفاه، وأهل رأفة وعِلم وحِلم، يُعرفون بالرهبانية. فأعينوا على ما أنتم عليه بالورَع والاجتهاد».

١٢- رَوَى الصدوق في صفات الشيعة: ص١١، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إنما شيعة جعفر: مَن عَفَّ بطنَه وفرجَه، واشتدَّ جهادُه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه. فإذا رأيتَ أولئك، فأولئك شيعة جعفر!»