كيف تسرَّب ابن سبأ إلى روايات الشيعة؟
ذكرتْ كثير من الروايات الشيعية عبدالله بن سبأ، ونسبتْ له غلواً بالإمام عليٍّ، وبعض العقائد الفاسدة. بينما يتجه الشيعة الأواخر لنفي وجوده! كيف تسرَّب ابن سبأ إلى رواياتنا بهذه الكثرة؟ وتجاهُل الروايات سيؤدي إلى زوال الثقة بالموروث الروائي كله!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}
السائل المحترم / سلام عليكم
[أولاً] دعوى "أن كثيراً من الروايات الشيعية ذكرتْ عبدالله بن سبأ" تحتاج لإثبات بالأرقام، لأن الواقع الروائي يعاكسها، فذِكر ابن سبأ في رواياتنا قليل ومحدود جداً.
وكذلك دعوى "تسرُّب ابن سبأ إلى رواياتنا بكثرة" هي أيضاً تحتاج لدليل واضح، ولا يكفي مجرَّد الادِّعاء لإثباتها.
فإن رواياتنا الشريفة في مصادرنا المعتبرة، التي ذكرت ابن سبأ باسمه، ما تتجاوز أصابع اليدين، وعامتها ذامَّة له، وما توجد ولا رواية واحدة تستنِد إليه وتعتمِد عليه.
[ثانياً] أكثر علمائنا يثبتون وجود ابن سبأ، ويصرِّحون بذلك في مؤلفاتهم، ودائماً يقرنون اسمه بالجرح له، والقدح فيه، والبراءة منه، واللعنة عليه!
ولا بأس بتعداد بعض أسمائهم وكلماتهم:
١- الشيخ سعد الأشعري ترجمَه في المقالات والفِرق: ت٥٦ ص١٩، وذكر بعض سخافاته وتفاهاته.
٢- الشيخ الحسن النوبختي ترجمَه في فرق الشيعة: ص٤٢، وذكر بعض خزعبلاته وخرافاته.
٣- الشيخ الكشي ترجمَه في رجاله: ج١ ص١٠٦، وأخرج بعض الروايات الشريفة الذامَّة له، وفيها الصِّحاح.
٤- الشيخ الطوسي ترجمَه في رجاله: ت٧١٨-٨٠ ص٧٥، وقال: «عبدالله بن سبأ: الذي رجع إلى الكفر، وأظهر الغلوَّ».
٥- الشيخ ابن داود الحلي ترجمَه في قسم الضعفاء برجاله: ت٢٦٧ ص٤٦٩، وقال: «عبدالله بن سبأ: رجع إلى الكفر، وأظهر الغلوَّ. كان يدَّعي النبوة، وأن عليّاً (ع) هو الله! فاستتابه (ع) ثلاثة أيام، فلم يرجع! فأحرقه في النار، في جملة سبعين رجلاً ادَّعوا فيه ذلك!».
٦- العلاَّمة الحلي ترجمَه في قسم الضعفاء بخلاصة الأقوال: ت١٤٧٢-١٩ ص٣٧٢، وقال: «عبدالله بن سبأ: غالٍ، ملعونٌ، حرَّقه أمير المؤمنين (ع) بالنار. كان يزعم أن عليّاً (ع) إلهٌ، وأنه نبيٌّ (لعنه الله)».
٧- الشيخ القهبائي ترجَمه في مجمع الرجال: ج٣ ص٢٨٤.
٨- الشيخ الجزائري ترجمَه في قسم الضعفاء بحاوي الأقوال: ج٤ ت١٧٧٥ ص٨٥.
٩- الميرزا الاسترابادي ترجمَه في منهج المقال: ج٧ ت٣٤٠٢ ص٤.
١٠- التقي المجلسي قال في روضة المتقين: ج٢ ص٣٧٠ ح٩٥٥، «عبدالله بن سبأ: الذي رُوِيَ أنه قال بألوهية أمير المؤمنين (ع)، فاستتابه، فلم يتُب، فأحرقه بالنار».
١١- الباقر المجلسي ترجَمه في الوجيزة: ص١٠٧ ت١٠٨١، وقال: «عبدالله بن سبأ: ضعيف». وقال في ملاذ الأخيار: ج٤ ص٤٨٦ ح١٧١، «وابن سبأ: هو عبدالله، الذي كان يدَّعي ربوبية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وأنه نبيٌّ مِن قِبَله. فاستتابه (ع) ثلاثة أيام، فلمَّا لم يتُب أحرقه بالنار والدخان».
١٢- أبو علي الحائري ترجمَه في منتهى المقال: ج٤ ص١٨٦ ت١٧٢٦، وقال: «عبد اللّٰه بن سبأ: ألعنُ مِن أن يُذكر».
١٣- الملاَّ العلياري ترجمَه في بهجة الآمال: ج٥ ص٢٣٢، ونقَل عن السيد البروجردي صاحب (زبدة المقال) قوله نظماً: «وابنُ سبأ الملعونُ (لي) قد أحرَقهْ … بالنار لمَّا بالغلوِّ حقَّقهْ».
١٤- الشيخ المامقاني ترجمَه بتنقيح المقال: ج٢ ص١٨٣ ت٦٨٧٢، ثم قال في نتائج التنقيح: ج١ ص٨٩ ت٦٨٧٢، «عبدالله بن سبأ: ملعونٌ، حرَّقه عليٌّ (ع)».
١٥- الشيخ النمازي ترجمَه في مستدركات الرجال: ج٥ ت٨٣٢٨ ص٢١، وقال: «عبدالله بن سبأ: كان يهوديّاً فأسلم زمن عثمان، وله مبتدعات ومختلقات. وبالجملة: هو ملعون كاذب، ادَّعى لنفسه النبوة، و لأمير المؤمنين (ع) الألوهية، فاستتابه عليٌّ (ع) ثلاثة أيام، فلم يتُب، فأحرقه بالنار. روى ذلك الكشي، مع ذمومٍ أُخَر بأسانيد صحيحة بالاتفاق. فلا وجه لإنكار وجوده رأساً، كما عن بعضٍ من الأعلام!».
١٦- السيد الخوئي ترجمَه في المعجم: ج١١ ت٦٨٨٩ ص٢٠٧، وقال: «وأما عبدالله بن سبأ: فعلى فرض وجوده، فهذه الروايات تدل على أنه كفَر، وادَّعى الألوهية في عليٍّ (ع)، لا أنه قائلٌ بفرضِ إمامته (ع)».
١٧- الشيخ التستري ترجمَه في القاموس: ج٦ ت٤٣٣٠ ص٣٧٤، وقال: «فإن عبدالله بن سبأ، إنما كان إسلامه في زمان أمير المؤمنين (ع)، وكان قائلاً بإلهيته، وكان جميع فرق المسلمين قائلين بكُفره، واستحقاقه القتل والإحراق».
نعم، أحد علمائنا ـ وهو السيد العسكري، في كتابَيْه: (عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى)، و (خمسون ومائة صحابي مختلَق) ـ بحث ودرس الروايات التاريخية، التي تروي قصة ابن سبأ، واستنتج منها: أنه شخصية وهمية!
ولكن هذا الرأي ناقشه بعض علمائنا، منهم:
(أ) الشيخ النمازي، في عبارته المتقدمة برقم [١٥].
(ب) الشيخ محمد علي المعلم، في كتابه (عبدالله بن سبأ الحقيقة المجهولة).
(ج) الشيخ علي آل محسن، في كتابَيْه: (عبدالله بن سبأ دراسة وتحليل)، و (عبدالله بن سبأ حقيقة أم خرافة؟).
فمن الخطأ الفاحش، قول القائل: "بينما يتجه الشيعة الأواخر لنفي وجوده" .. لأن رأي عالِم واحد كيف يصح نسبته إلى جمهور العلماء؟ وأكثرهم يخالفونه!
[ثالثاً] الإشكالية العلمية ليست في إثبات وجود أو عدم عبدالله بن سبأ، بقدر ما هي في نسبة أحداث تاريخية مهمة ـ في صدر الإسلام ـ لهذه الشخصية الجدلية. وفي نسبة مذهب التشيُّع ـ الذي هو قرآني نبوي بامتياز ـ إلى هذا الرجل ممثل الدور التاريخي المَلحمي!
• قال الشيخ كاشف الغطاء في أصل الشيعة: ص١١٥، «أما عبدالله بن سبأ: الذي يُلصقونه بالشيعة، أو يُلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تُعلِن بلعنه والبراءة منه! وأخفُّ كلمة تقولها كتب الشيعة في حقه، ويكتفون بها عن ترجمة حاله ـ عند ذكره في العين ـ هكذا: (عبدالله بن سبأ: ألعنُ مِن أن يُذكر)، انظر رجال أبي علي وغيره. على أنه ليس من البعيد رأي القائل: إن عبدالله بن سبأ، ومجنون بني عامر، وأبا هلال، وأمثال هؤلاء من الرجال أو الأبطال، كلها أحاديث خرافة، وضَعها القصاصون، وأرباب السَّمر والمُجون!».
• وقال السيد الخوئي في المعجم: ج١١ ت٦٨٨٩ ص٢٠٧، «إن أسطورة عبدالله بن سبأ، وقصص مشاغباته الهائلة، موضوعة مختلقة، اختلقها سيف بن عمر الوضاع الكذاب!».
• وقال الشيخ التستري في القاموس: ج٦ ت٤٣٣٠ ص٣٧٠-٣٧٤، كلاماً مهماً في فضح كذبة انتساب مذهب التشيُّع لعبدالله بن سبأ، فليراجَع.
[رابعاً] فيما يلي سَردُ بعض الروايات الشريفة الصحيحة الصريحة، التي تصوِّر بوضوح موقف أهل البيت (ع) من شخصية عبدالله بن سبأ. وهذا الموقف اتخذه شيعتُهم الأبرار الأخيار دِيناً يتعبَّدون الله به، غير مكترثين ولا آبهين بالأكاذيب والألاعيب التي تُحاك ضدَّهم بأنواع الأساليب.
(١) رَوَى الكشي في رجاله: ج١ ص١٠٦ ح١٧٠، بسنده عن الإمام الباقر (ع)، قال: «إن عبدالله بن سبأ كان يدَّعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين (ع) هو الله (تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً)! فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع)، فدعاهُ، وسأله؟ فأقرَّ بذلك، وقال: نعم، أنت هو! وقد كان ألقي في روعي: أنك أنت الله، وأني نبيٌّ! فقال له أمير المؤمنين (ع): ويلك، قد سخِر منك الشيطان، فارجع عن هذا (ثكلتك أمك) وتُب! فأبى. فحبَسه واستتابه ثلاثة أيام، فلم يتُب. فأحرقه بالنار! وقال: إن الشيطان استهواهُ، فكان يأتيه، ويلقي في روعه ذلك!».
(٢) رَوَى الكشي في رجاله: ج١ ص١٠٧ ح١٧١، بسنده عن هشام بن سالم، قال: «سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: ـ وهو يحدِّث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ، وما ادَّعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ـ فقال: إنه لمَّا ادَّعى ذلك فيه، استتابه أمير المؤمنين (ع)، فأبى أن يتوب، فأحرقه بالنار».
(٣) رَوَى الكشي في رجاله: ج١ ص١٠٧ ح١٧٢، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «لعن الله عبدالله بن سبأ، إنه ادَّعى الربوبية في أمير المؤمنين (ع)! وكان والله أمير المؤمنين (ع) عبداً لله طائعاً. الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم!».
(٤) رَوَى الكشي في رجاله: ج١ ص١٠٧ ح١٧٣، بسنده عن الإمام السجاد (ع)، قال: «لعن الله من كذب علينا، إني ذكرتُ عبدالله بن سبأ، فقامتْ كلُّ شعرة في جسدي! لقد ادَّعى أمراً عظيماً! ما له؟ لعنه الله! كان عليٌّ (ع) والله عبداً لله صالحاً، أخا رسول الله (ص)، ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسولُ الله (ص) الكرامة من الله إلا بطاعته لله».
(٥) رَوَى الكشي في رجاله: ج١ ص١٠٨ ح١٧٤، بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: «إنا أهلُ بيتٍ صدِّيقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويُسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس! كان رسول الله (ص) أصدق الناس لهجة، وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه. وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ الله بعد رسول الله (ص)، وكان الذي يكذب عليه، ويعمل في تكذيب صدقه، ويفتري على الله الكذب، عبدالله بن سبأ».
اترك تعليق