التوكّل طريق التفاؤل
الاعتقاداتُ الشائعة بين الناس مثل ترك المقصّ مفتوحاً فالُ شؤمٍ، او صوت القطة يشير الى رؤيتها ملك الموت، و ترك المكنسة واقفة... وغيرها من الاعتقادات هل لها صحة ؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدُ لله ربِّ العالمين
وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين
لا ريبَ أنّ للذنوب آثاراً،
وأنّ لترك المستحبَّات آثاراً،
واّنّ لفعل المكروه آثاراً أخرى، وما ذلكَ إلَّا لتداخل عالم التشريع في عالَم التكوين فيؤثّر فيه أثرَه، ومن ذلك ما رويَ عن الإمام الباقر – عليه السلام – " إذا ظهرَ الزنا من بعدي كثر موتُ الفجأة، وإذا طففت المكيال والميزان أخذهم اللهُ بالسنينِ والنقص، وإذا منعوا الزَّكاة منعت الأرضُ بركتها من الزرع والثمار والمعادنِ كلها، وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهدَ سلط الله عليهم عدوّهم، وإذا قطعوا الأرحامَ جعلت الأموال في أيدي الأشرار ...."
وفي روايةٍ عن الإمام الصادق – عليه السلام – في البسملةِ واستحبابِ ذكرها وآثار تركِ هذا الذكر : من تركها من شيعتنا امتحنهُ الله بمكروه.
والأكل والشرب على الجنابةِ يورثانِ البرصَ والجذام.
غفلةُ النَّاس عن تأثير الذنوب
ولمَّا كان كثيرٌ من النَّاس لا يدركُ هذا الارتباط بين عالمي التشريع والتكوينِ فإنَّه يحسبُ ما ليس بعلَّةٍ علَّة فيخترع من نفسهِ عوارضَ تمنعُ من التوفيق فيتشاءم منها، حتى يكون ذلك التشاؤم من ذلك العارض سنّةً سيئةً في النَّاس، ولعلَّ ذلك هو السبب في نشوء هذه العادة.
وليس ذلك ببعيد، فقد حدَّث ابـنُ الأثيـر بما يشبهُ هذا من جعل ماليس بعلَّةٍ علةً فقال:
"ولقـد جـرى ونحـن فـي الموصـل وغيرهـا مـن تلـك البلاد فـي سنـة ستمائـة وهو أنّ النـاس أصابهـم وجـعٌ كثيـرٌ فـي حلوقهـم فشاعَ أنّ امرأة من الجنّ يقالُ لها أمّ عنقود مات ابنها عنقود وكلّ من لا يعمل مأتماً أصابهُ هذا المرض فكان النساءُ وأوباشُ النـاس يلطمـونَ علـى عنقـود ويقولون :
يا أمّ عنقود اعذريــنا ****قد مات عنقود ما درينا.
لمّا درينا كلُّنا قد جِينا *****لا تغضبي منّا فتَخنقينا.
وإنّما أوردنا هذا لأنّ رعاعَ الناس إلى يومنا هذا وهو سنة سبعمائة وخمس عشرة يقولون بأمّ عنقـود وحديثهـا ليعلـم تاريـخُ هـذا الهذيان من متى كان".
وكانت العربُ تتشاءم بالغراب إذا نعب، وبالثعلب إذا تعرَّض، وبالطير إذا جاء عن يمينك ويسمّونهُ البارح، وأهلُ نجدٍ يتشاءمون منه، وإذا جاء عن يساركَ ويسمّونهُ بالسَّانح وأهل الحجاز يتشاءمونَ منه، ويتشاءمون من مكسور القرن "الأعضب" قال الكميت – رحمه الله –
ولا أنا ممّن يزجرُ الطير همه * أصاح غرابٌ أم تعرَّض ثعلبُ
ولا السانحاتُ البارحاتُ عشيةً * أمرَّ سليمُ القرن أم مرَّ أعضبُ
التشاؤم في القرآن
وفي القرآن الكريم ذكر تشاؤم المشركين من المُرسَلين الذين جاءوا لهدايتهم بسبب تعاليمهم الإلهيَّة " قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ*قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ"
فكان جوابُ الرسل الثلاثة بل تشاؤمكم معكم وهو سوء اعتقادكم وأعمالكم.
وكثيراً ما يجري التطيّرُ على لسان المشركينَ في خصوص الأنبياء – عليهم السلام – فهاهم يقولون لنبيّ الله صالح – عليه السلام – " قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ"
فيكون ردُّه – عليه السلام – كما سبقَ من ردِّ الأنبياء – عليهم السلام – "قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ"
وآل فرعون كانوا يتطيَّرون بموسى – عليه السلام " إنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ"
ويكون الردُّ نفسه "ألَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ"
التشاؤم عند الأمم
ولا يقتصرُ التشاؤمُ على العرب فقط، بل تعدَّى الأمرُ إلى أُممٍ أخرى، فالأوربيونَ يتشاءمون من الرقم 13، فلا ترى في فنادقهم غرفةً تحمل هذا الرقم، وكذلك الصينيونَ يتشاءمون من الرقم 4؛لذا ترى الرقم التالي للرقم 3 (3A) وهكذا.
رسول الله – صلى الله عليه وآله – يدعو للتفاؤل.
كان الرسولُ الأعظم – صلى الله عليه وآله – يدعو للتفاؤل قولاً وعملاً، فمن قوله: كفارةُ الطيرةِ التوكّل.
ومن عمله صلى الله عليه وآله حين جاء من تبوك وأشرفَ على المدينة أنّه غيَّر اسمها من يثرب "وهو من الثرب: الفساد" إلى طابة.
وكذلك سمَّى "شعب الضّلالة" ب "شعب الهدى" و"بني مُغوية" ب "بني رشدة"
وغيَّر أسماء بعض النساء بما يدعو للتفاؤل فغيّر اسم امرأة من "عنَبَة" إلى "عنقودة" تفاؤلاً بكثرة نسلها. وسمَّى "المضطجع" ب "المُنبعث" تفاؤلاً بحيويته وهكذا.
أهل البيت – عليهم السلام – لا يتطيرون ولا يُتطيَّر بهم.
في حديث وفاة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنه لمّا قال بعد صياح الإوز :صوارخ تتبعها نوائح.
قالت أم كلثوم :يا أباه هكذا تتطير؟!
فقال : " يا بنيّة ما منّا أهل البيت من يتطير ،ولا يتطير به " .
بعض العرب يحبّ التفاؤل.
وإذا كان من العرب من يتشاءمُ فمنهم من يتفاءل، فيُسمّي الصحراء "مفازة" قال الأصمعي : سميت بذلك تفاؤلاً بالسلامة والفوز .
التطير شرك
والتطيّرُ مرتبةٌ من مراتب الشرك؛ لأنّ المتطيّرَ يجعل لما يتطيَّر به نصيباً في التأثير، قال الميرزا الاشتياني في بحر الفرائد " ما وردَ في باب الطيرة أنها شرك، وإنما يذهبها التوكَّل من حيث إنّها مبنيّةٌ على الاعتقاد بوجود تأثير نفس التطيّر أو ما يتطيّر به وهو منافٍ لبعض مراتب التوحيد وإن لم يناف التوحيد المعتبر في الإيمان؛ لعدم الاعتقاد بتأثيرها استقلالا ًحتى ينافيه. وإذهاب التوكل لها من حيث أنّهُ بالتوكل على اللَّه تعالى يرفعُ أثرها كما هو مقتضى كثير من الأخبار"
ماذا تقولُ إذا تطيرت؟
إنّ الأسبابَ والمقدّماتِ بيد الإنسان، والنتائجَ والمُسبَّبَات بيد الله تعالى، وعلى الإنسان أن يتوكَّل على الله تعالى قبل الشروع في العمل لتكون نتائجهُ كما يحبُّ ويرضى.
فمن هذه الأعمال:
1- الصدقة، فله أن يُعالجَ نحوسةَ ما نحس من الأيّام بالصدقة، فعن الإمام الصادق – عليه السلام -: "تصدَّق واخرج في أيّ يومٍ شئت"
2- الدُّعاء، فلو عارضهُ في طريقه ما يتطيّر به الناس ، ووجدَ في نفسه من ذلك شيئاً فليقل حينئذ : " اعتصمتُ بك يا ربّ من شرّ ما أجدُ في نفسي فاعصمني "
3- قراءة سورة الشمس، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله- : « من كان قليلَ التوفيق فليدمن قراءتها ، يوفقهُ الله أينما توجّه ، وفيها منافع كثيرة ، وحفظ وقبول عند جميع الناس » .
وقال الصادق - عليه السلام - : « يستحبّ لمن يكون قليل الرزق والتوفيق كثير الخسران والحسرات أن يدمن في قراءتها ، يصيب فيها زيادة وتوفيقاً ، ومن شرب ماءها أسكنَ عنه الرّجف بإذن الله تعالى » .
4- التوكّلُ على الله تعالى والمضيّ في الأمر وعدمُ الاعتناء بالطِيَرة.
اترك تعليق