دور البتريَّة عند ظهور الإمام المهدي؟
السؤال: ما هو دور الفرقة البتريَّة عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا ذلك في جوابٍ سابقٍ تحت عنوان (من هم البتريَّة ؟) وبيّنا أنَّ البتريَّة فرقةٌ من فرق الزيديَّة، وأنَّ لديهم ضعفاً واضحاً في جانب الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم، ولأجل ذلك ورد ذمُّهم في بعض الروايات، فراجع إنْ شئت ذلك.
هذا، والذي يظهر من بعض الروايات ـ كما سنذكر إنْ شاء الله ـ أنَّ الفكر البُتريَّ مستمرٌّ إلى ظهور صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، ومنه يُفهم بأنَّ البتريَّة منهجٌ ووصفٌ لكلِّ من خلط بين ولاية الأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) وولاية أعدائهم، وهو ما أكَّده بعض الأعلام أيضاً.
1ـ قال العلَّامة الدربنديُّ (طاب ثراه): (لا يدخل الجنَّة أحدٌ بدون تحقق المرتبتين، أي مرتبة الولاء لآل الرسول (صلَّى الله عليه وآله) ومرتبة التبرِّي من أعدائهم، فمن كان في قلبه مثقال ذرَّةٍ من محبَّة الجبت والطاغوت، ومع ذلك ادَّعى أنَّه يحبُّ الأئمَّة المعصومين المظلومين، فهو ليس من ولاية عترة الرسول الأمين (صلَّى الله عليه وآله) في شيءٍ، بل إنَّه في الحقيقة من الطائفة البتريَّة) [كسير العبادات ج1 ص169].
2ـ وقال الشيخ محمَّد السند (حفظه الله تعالى): (إنَّ ظاهرة البتريَّة ـ التي هي ظاهرة تلفيقيَّة توفيقيَّة مخلطة التقاطاً وانتقاءً ـ ظاهرة تتكرر في الأزمنة المختلفة، وهي ذات معالم ومناهج معيَّنةٍ من الخلط بين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والمدارس الأخرى، ومن الحيلولة دون التبرِّي والبراءة من تلك المدارس المناوئة لأهل البيت (عليهم السلام) وهي ظاهرةٌ تتكرر كظاهرة المقصِّرة والمارقة ... إلى قوله: وهذا التجاذب بين الظاهرتين جدلية تتكرر في الأزمنة المختلفة، وهي قائمة في الزمان الحاضر أيضاً) [الغلو والفرق الباطنية ص385].
دور البتريَّة عند الظهور:
إذا بان هذا فقد أشارت بعض الروايات الشريفة إلى الدور السلبي الذي تتخذه الفرقة البتريَّة في عصر الظهور المبارك.
1ـ فقد روى المحدِّث الطبريّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته، متى يقوم قائمكم؟ قال: يا أبا الجارود، لا تدركون ....إلى قوله (عليه السلام): ويسير إلى الكوفة، فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البتريَّة، شاكِّين في السلاح، قرَّاء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرَّحوا جباههم، وشمَّروا ثيابهم، وعمَّهم النفاق، وكلُّهم يقولون: يا بن فاطمة، ارجع لا حاجة لنا فيك. فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوت منهم رجلٌ، ولا يصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربان إلى الله) [دلائل الإمامة ص455].
وفي نقل الشيخ المفيد (طاب ثراه): (إذا قام القائم (عليه السلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يُدعون البتريَّة عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتَّى يأتي على آخرهم) [الإرشاد ج2 ص ٣٨٤، إعلام الورى ج2 ص289، كشف الغمَّة ج3 ص264، الصراط المستقيم للبياضيّ ج2 ص254، البحار ج52 ص338]، وغيرهم.
2ـ وروى قطب الدين الراونديُّ (طاب ثراه) عن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيه قوله: «يبيت القائم (عليه السلام) ليلةً يريد أنْ يخرج فيها وهو أخوف الناس، فإذا كان السَّحر نُكت في أُذنه وأُمر بالخروج ... إلى قوله (عليه السلام): ثمَّ يخرج إلى ناحية الكوفة، فيستقبل منها من القرى أربعة آلاف سيف، شعارهم: يا لثارات الأوَّل والثاني، فيقولون: يا ولد فاطمة (عليها السلام) لا نريدكم، فيضع فيهم السيف فلا يبقى منهم أحداً» [مكارم أخلاق النبيّ والأئمَّة ص387]. ولعلَّ الاختلاف والتفاوت بالعدد ناظر إلى المجموع تارةً، وإلى القادة والأمراء تارةً أُخرى، والله العالم.
فتحصَّل من جميع ذلك أنَّ التجمُّع الجغرافيّ الأساسي للفرقة البتريَّة هو بعض النواحي لمدينة الكوفة، وأنَّ أعدادهم يومذاك لا يُستهان بها، حيث يصل إلى ستة عشر ألف مقاتل أو أربعة آلاف مقاتل، وأنَّ المظهر الخارجيّ لهم هو التديُّن، والتفقُّه، وقراءة القرآن، وتقريح الجباه وتشمير الثياب، وغيرها من مظاهر الصلاح المدَّعى.
كما تبيَّن أنَّ الفرقة البتريَّة من أصناف (المنافقين) الذين يُظهرون التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) ويبطنون الخلاف لهم، بل هم ـ في حقيقة الأمر ـ من الفرق المعادية لأهل البيت (عليهم السلام) الموالية لأعدائهم، ولذلك نشاهد شعاراتهم الرافضة للإمام المهدي (عليه السلام) والمؤيِّدة لأعدائه، وأنَّ مصيرهم القتل والموت على يدي الصاحب (عليه السلام)، ومن ثمَّ الخلود في جهنَّم وبئس المصير.
هذا، وينبغي الالتفات إلى الفرق الكبير بين هؤلاء البتريَّة وبين فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) العدول، وذلك للتوهُّم الناشئ من وصف البتريَّة بالفقهاء أيضاً، كما تقدَّم، وقد أجاب مركزنا عن هذه المسألة بالتفصيل تحت عنوان (هل يقتل الإمامُ المهدي (عجَّل الله فرجه) فقهاءَ الشيعة؟) فراجع إنْ أحببت ذلك.
والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ دور الفرقة البتريَّة عند ظهور الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) هو دورٌ سلبيٌّ وغير مرضي .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق