لقب أمير المؤمنين عند الشيعة
السؤال: ظهر لقب أمير المؤمنين في خلافة عمر بن الخطَّاب، وكان عمر أوَّل من لقَّب نفسه به، بينما الذي يعتقده الشيعة أنَّ هذا اللقب مختصٌّ بعلي بن أبي طالب، وقد لقَّبه به رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فهل صحَّ ذلك بسندٍ مُعتبر؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أنَّ لقب (أمير المؤمنين) من الألقاب الخاصَّة بسيِّدنا ومولانا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد سمَّاه الله تعالى ورسوله بهذا اللقب، وكلُّ من ادَّعى هذا اللقب لنفسه من بعده، فهو في الحقيقة غاصبٌ له.
وقد دلَّت على هذه الحقيقة رواياتٌ مستفيضةٌ عند العامَّة والخاصَّة، تُغني كثرتها عن ملاحظة أسانيدها؛ لكونها تُورِث الاطمئنان ـ بل الجزم ـ بالصدور. كما هو واضحٌ، نذكر جملة منها.
1ـ ما رواه التابعيُّ سُليم بن قيس، قال: (سمعتُ سلمان وأبا ذر والمقداد، وسألتُ علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن ذلك فقال: صدقوا. قالوا: دخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وعائشة قاعدة خلفه، وعليها كساءٌ والبيت غاصٌّ بأهله، فيهم الخمسة أصحاب الكتاب، والخمسة أصحاب الشورى. فلم يجد مكاناً فأشار إليه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) هاهنا، يعني خلفه. فجاء عليٌّ (عليه السلام) فقعد بين رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وبين عائشة، وأقعى كما يقعي الأعرابي. فدفعته عائشة وغضبت ... فغضب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي، فإنه أمير المؤمنين ... الرواية) [كتاب سُليم ص ٢٨٧].
2ـ وما رواه شيرويه الديلميُّ عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: «لو علم الناس متى سُمِّي عليٌّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سُمِّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 172]، قالت الملائكة: بلى، قال تبارك وتعالى: أنا ربكم ومحمَّد نبيكم وعلي أميركم» [الفردوس بمأثور الخِطاب ج3 ص354].
3ـ وما رواه الصفَّار والكلينيُّ بالإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنَّ الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق، خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً، فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً، فقال لأصحاب اليمين ـ وهم فيهم كالذر يدبُّون ـ: إلى الجنة بسلام، وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي. ثمَّ قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 172]، قال: ثمَّ أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم، ثمَّ قال: وأنَّ هذا محمَّد رسول الله، وأنَّ هذا علي أمير المؤمنين، قالوا: بلى. فثبتت لهم النبوَّة، وأخذ الميثاق على أولي العزم أني ربكم ومحمَّد رسولي وعلي أمير المؤمنين» [بصائر الدرجات ص90، الكافي ج2 ص ٨].
4ـ وما رواه ابن عقدة الكوفيّ بسنده عن أبي جعفر محمَّد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدِّه عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «لمَّا أُسري بي إلى السماء، ثمَّ من السماء إلى السماء، ثمَّ إلى سدرة المنتهى، أوقفت بين يدي ربِّي (عزَّ وجلَّ)، فقال لي: يا محمَّد، فقلت: لبيك ربِّي وسعديك. قال: قد بلوتَ خلقي، فأيُّهم وجدت أطوع لك؟ قال: قلت: ربِّ علياً. قال: صدقت يا محمَّد، فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدِّي عنك، ويعلِّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون؟ قال: قلت: اختر لي، فإنَّ خيرتك خيرٌ لي. قال: قد اخترت لك علياً، فاتَّخذه لنفسك خليفة ووصياً، فإنِّي قد نحلته علمي وحلمي، وهو أمير المؤمنين حقَّاً...» [فضائل أمير المؤمنين ص60، أمالي الطوسيّ ص343].
5ـ وما رواه العيَّاشيّ عن زيد بن الجهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعتُه يقول: «لما سلَّموا على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) للأوَّل: قمْ فسلِّم على عليٍ بإمرة المؤمنين، فقال: أمن الله ومن رسوله يا رسول الله؟ فقال: نعم من الله ومن رسوله، ثمَّ قال لصاحبه: قمْ فسلِّم على علي بإمرة المؤمنين، فقال: من الله ومن رسوله؟ قال: نعم من الله ومن رسوله، ثمَّ قال: يا مقداد، قمْ فسلِّم على علي بإمرة المؤمنين، قال: فلم يقل ما قال صاحباه، ثمَّ قال: قمْ يا باذر، فسلِّم على علي بإمرة المؤمنين، فقام وسلَّم ثمَّ قال: قمْ يا سلمان، وسلِّم على علي بإمرة المؤمنين، فقام وسلَّم، حتَّى إذا خرجا وهما يقولان: لا والله، لا نسلِّم له ما قال أبداً...الرواية» [تفسير العيَّاشي ج2 ص268، اليقين ص285].
6ـ وما رواه الكلينيُّ بسنده عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجلٌ عن القائم يسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: «لا، ذاك اسم سمَّى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يسمِّ به أحد قبله ولا يتسمَّى به بعده إلَّا كافراً، قلت جعلت فداك: كيف يسلَّم عليه؟ قال: يقولون: السلام عليك يا بقية الله ... الرواية» [الكافي ج1 ص411].
7ـ وما رواه الطبريُّ الإماميُّ بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أسكب لي وضوءاً أتوضأ، ثمَّ قام فتوضأ، ثمَّ قام فصلَّى ركعتين، ثمَّ قال: يا أنس، أوَّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجَّلين، وخاتم الوصيين، قال أنس: قلت: اللَّهم اجعله رجلاً من الأنصار وكتمتُه، إذْ جاء عليٌّ، فقال: من هذا يا أنس؟ قلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه، ثمَّ جعل يمسح عرقه بوجهه، ويسمح عرق وجهه بوجه علي، فقال علي: يا رسول الله، لقد رأيتُك صنعتَ بي شيئاً ما صنعته بي قط، قال: وما يمنعني، وأنت تؤدِّي عنِّي وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي» [المسترشد ص601، حلية الأولياء ج1 ص63، تقريب المعارف ص198].
8ـ وما رواه الصدوق بسنده عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثماليّ قال: «سألت أبا جعفر محمَّد بن علي الباقر (عليه السلام) يا بن رسول الله، لم سمِّي علي (عليه السلام) أمير المؤمنين، وهو اسم ما سُمِّي به أحد قبله ولا يحل لاحدٍ بعده؟ قال: لأنه ميرة العلم، يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره...» [علل الشرائع ج1 ص160، دلائل الإمامة ص451].
9ـ وما رواه الطبريُّ بسنده عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لأمّ سلمة: «هذا عليُّ بن أبي طالب، لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنَّه لا نبي بعدي، يا أم سلمة، هذا علي أمير المؤمنين، وسيِّد المسلمين، ووعاء علمي، وبابي الذي أؤتى منه، وأخي في الدنيا والآخرة، ومعي في السنام الأعلى، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين» [بشارة المصطفى ص263، كفاية الطالب ص167، فرائد السمطين ص150].
10ـ وما رواه الحافظ ابن مردويه ـ من العامَّة ـ بسنده عن ابن عبَّاس، قال: (كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بيته، فغدا عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) الغداة ـ وكان يحب أنْ لا يسبقه إليه أحد ـ فدخل وإذا النبي (صلَّى الله عليه وآله) في صحن الدار، وإذا رأسه في حِجر دحية بن خليفة الكلبيّ. فقال: السلام عليكِ، كيف أصبح رسول الله؟ قال: بخير يا أخا رسول الله. قال له علي: جزاك الله عنَّا أهل البيت خيراً. قال له دحية: إنِّي أُحبُّك، وإنَّ لك عندي مدحة أزفُّها إليك: أنت أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجَّلين، وسيِّد ولد آدم يوم القيامة ما خلا النبيين والمرسلين ... الرواية) [مناقب علي بن أبي طالب ص63، المناقب للخوارزمي ص322، اليقين ص162].
إلى غيرها من الروايات الكثيرة، كما لا يخفى.
على أنَّ بإمكان الراغب بالتوسُّع في هذا الأمر مراجعة ما جمعه العلَّامة الجليل السيِّد رضي الدين بن طاووس (طاب ثراه) في كتاب القيم (اليقين باختصاص مولانا علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين) ومُلحقه المسمَّى (التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين) حيث جمع فيهما العشرات من الروايات الواردة في هذا المعنى. قال (طاب ثراه): (وكان قد ضمَّنته ثلاثمائة حديثٍ وتسعة أحاديث في تسمية مولانا علي (صلوات الله عليه) أمير المؤمنين، ما يقوم به الحجَّة لرب العالمين وسيِّد المرسلين في ولايته (عليه السلام) وخلافته على كلِّ من بُعث إليه خاتم النبيين من الخلائق أجمعين) [التحصين المُلحق باليقين ص531].
والخلاصة من ذلك كلِّه أنَّ لقب (أمير المؤمنين) قد ورد في روايات كثيرة تُورث القطع بثبوته وصحَّته .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق