تقرير الاستدلال بخبر الطائر على الإمامة
السؤال: كيف يمكن أنْ نستدلَّ بخبر الطائر المشوي على الإمامة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –أيدك الله– أنَّ الحديث المعروف بـ «الطائر المشوي» هو من الأحاديث المشهورة التي نالت عناية المحدّثين؛ إذ ورد من طرقٍ كثيرةٍ جداً عن جمعٍٍ من الصحابة من جملتهم: أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسفينة مولى النبيّ، وأنس بن مالك، وهو المشهور به؛ حيث تزيد طرق الحديث عنه على التسعين طريقاً.
وقد أفرد المحدّثون والعلماء مصنّفاتٍ خاصّةً لجمع طرقه، كالطبريّ وابن عقدة والحاكم وغيرهم. وله طرقٌ معتبرةٌ منها: طريق السديّ عن أنس، وطريق ابن أبي نعم عن سفينة، وصحّح الحديث جمعٌ من النقّاد والمحدّثين كالطبريّ والحاكم والعسقلانيّ وغيرهم، كما ذكرنا ذلك مفصّلاً في جوابٍ آخر بعنوان: (صحة حديث الطائر)، فليراجع.
ثـمّ إنَّ متكلّمي الإماميّة اعتنوا بهذا الحديث الشريف لِـما فيه من الدلالة على أفضليّة أمير المؤمنين (عليه السلام) على سائر الخلق أجمعين؛ وذلك لقوله (صلى الله عليه وآله): «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء عليّ بن أبي طالب فأكل معه»، فإنّ لفظ (الخلق) مطلقٌ يعمّ سائر الخلق سوى الخاتم، فيدلُّ على أفضليته على جميع الخلق، والأفضلية تستلزم الإمامة.
ولتوضيح الاستدلال بالحديث على الإمامة لا بُدَّ من بيان مقدمتين:
المقدّمة الأولى: الأحبيَّة تستلزم الأفضليَّة:
اعلم أنَّ من كان أحبَّ الخلق إلى الله ورسوله مطلقاً كان أفضل من جميع الخلائق عند الله ورسوله؛ وذلك لأنَّ المقصود بعبارة «أحبّ خلقك إليك» ليس هو الانفعال النفسي الذي يُعرفه الناس بالحبّ، إذ إنَّ الله تعالى منزَّهٌ عن الانفعالات والتغيرات، بل المراد هو أقربّ خلقك إليك بعد نبيِّك منزلةً وأكثرهم ثوابا.
قال القاضي عياض :(وأصل المحبَّة الميل إلى ما يوافق المُحبّ، ولكن هذا في حقّ من يصح الميل منه والانتفاع بالوفق، وهي درجة المخلوق. فأما الخالق (جلَّ جلاله) فمنزَّهٌ عن الأعراض، فمحبَّته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئة باب القرب وإفاضة رحمته عليه) [الشفا ج1 ص214].
وقال الشيخ المفيد: (وقد ثبت أنّ أحبَّ الخلق إلى الله سبحانه وتعالى أعظمهم ثواباً عند الله، وأنّ أعظم الناس ثواباً لا يكون إلَّا لأَّنه أشرفهم أعمالاً وأكثرهم عبادة لله تعالى، كما قال أيضاً: وفي ذلك برهانٌ على فضل أمير المؤمنين على الخلق كلّهم سوى النبيّ (صلّی الله عليه وآله)) [الفصول المختارة ص96].
المقدمة الثانية: الأفضليَّة تستلزم الإمامة:
اعلم أنّ الأفضل هو الأحقّ بمنصب الإمامة والخلافة؛ إذ يقبح تقديم المفضول على الفاضل. قال الشيخ المفيد: (وقد ثبت أنّ أحبَّ الخلق إلى الله تعالى أفضلهم عنده، إذ كانت محبَّته منبئةً عن الثواب دون الهوى وميل الطباع، وإذا صح أنَّه أفضل خلق الله تعالى ثبت أنَّه كان الإمام، لفساد تقدّم المفضول على الفاضل في النبوَّة وخلافتها العامَّة في الأنام) [الإفصاح ص34].
وهذا المعنى عينه فهمه عمر بن الخطاب وذلك يوم السقيفة لـمّا اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأُمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيّرنا وأحبّنا إلى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله)، فبايعه عمر وبايعه الناس [صحيح البخاريّ ج3 ص1314].
فجعل الأحبيَّة إلى رسول اللَّه هي الملاك على أحقيَّته بالإمامة، فكيف بمن هو أحبّ الخلق إلى الله ورسوله، ألا يكون هو المتعيَّن للخلافة؛ لأنّه أحبّ الخلق إلى الله ورسوله؟!
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولاً وآخراً
اترك تعليق