لماذا لم يقتصّ أمير المؤمنين (ع) من أصحاب الجمل؟
السؤال: لماذا عفا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عن أصحاب الجمل بعد انْ أمكنه الله تعالى منهم ولم يقتصّ منهم بسبب الدماء التي أراقوها ظلماً؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم - أيدك الله - أنَّ من سجايا أمير المؤمنين (عليه السلام) الحميدة أنَّه لم يقتل مهزوماً أو يجهز على جريح، وقد منح الأمان لأهل الجمل بعد أنْ وضعت الحرب أوزارها بانتصارٍ ساحقٍ قائلاً: «من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن» [تحف العقول ص٤٧٧]، كما قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة، رغم معاداتها له أكتفى بالتأنيب لها قائلاً: «يا حميراء، هل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمركِ بهذا الخروج عليَّ؟ ألم يأمركِ أن تقرّي في بيتك؟ والله ما أنصفكِ الذين أخرجوك من بيتكِ، إذ صانوا حلائلهم وأبرزوكِ» .
ثمّ إنّه (عليه السلام) أمر أخاها محمّداً أن ينزلها في دار آمنة بنت الحارث، فرُفع الهودج، وجعل يضرب الجمل بسيفه [وقعة الجمل لأبن شدقم ص146].
أما الأسباب الداعية إلى عدم اقتصاص أمير المؤمنين (عليه السلام) من المهزومين بعد معركة الجمل، فهناك علّتان نذكرهما:
أحدهما: ما رواه الشيخ الصدوق عن عبد الله ابن سليمان قال: «قلت لأبي عبد الله: إنَّ الناس يروون أنَّ عليا (ع) قتل أهل البصرة وترك أموالهم!
فقال: إنَّ دار الشرك يحلُّ ما فيها، ودار الاسلام لا يحلُّ ما فيها.
فقال: إن َّعليا (ع) إنّما منَّ عليهم كما منَّ رسول الله (ص) على أهل مكة، وإنّما ترك عليٌّ (ع) أموالهم لأنَّه كان يعلم أنّه سيكون له شيعة وأنَّ دولة الباطل ستظهر عليهم فأراد أنْ يقتدى به في شيعته وقد رأيتم آثار ذلك هو ذا يسار في الناس بسيرة عليٍّ (عليه السلام) ولو قتل عليٌّ (ع) أهل البصرة جميعا وأخذ أموالهم لكان ذلك له حلالاً، لكنه منَّ عليهم ليمنَّ على شيعته من بعده» [علل الشرائع ج1 ص154].
والآخر: ما رواه ابن شعبة الحرانيُّ أنه سُئل الإمام العسكريّ (عليه السلام) عن الفارق بين أهل الجمل وبين أهل صفين حيثُ إنَّه (عليه السلام) قتل أهل الصفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم، وإنه يوم الجمل لم يتبع موليَّاً، ولم يجز على جريحٍ، ومن ألقى سلاحه آمنه، ومن دخل داره آمنه؟ فكان جواب الإمام (عليه السلام): «فإنَّ أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئةٌ يرجعون إليها، وإنَّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، رضوا بالكفّ عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكفّ عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعوانا.
وأهل صفّين كانوا يرجعون إلى فئةٍ مستعدةٍ، وإمامٍ يجمع لهم السلاح الدروع والرماح والسيوف، ويسني لهم العطاء، يهيئ لهم الانزال، ويعود مريضهم، ويجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسوا حاسرهم، ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم يساوِ بين الفريقين في الحكم» [تحف العقول ص٤٧٧].
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أولاً وآخراً.
اترك تعليق