معنى: قول أمير المؤمنين ع: هم "إخواننا بغوا علينا"؟
السؤال: روى الحميريُّ في كتابه (قرب الإسناد) عن جعفر بن محمد أنَّه قال: "إن علياً لم يكن ينسب أحداً من حربه إلى الشرك أو النفاق، بل كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا "، فهل هذا الحديث يشير إلى أن أمر المؤمنين (ع) قد اعتبر مقاتليه مؤمنين لقوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الْحُجُرَات: 10]؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث رواه الشيخ الحميريُّ عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان الكلبيّ، عن الإمام عن جعفر بن محمد، عن أبيه الإمام الباقر (ع) أنه قال: «إنّ عليّاً لم يكن ينسب أحداً من حربه إلى الشرك أو النفاق، بل كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا» [قرب الاسناد ص٩٤].
ويقع الكلام في هذا الحديث عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: إسناد الحديث:
إنّ راوي هذا الحديث هو الحسين بن علوان الكلبيّ، وهو ليس من الشيعة، وقد وقع كلامٌ في وثاقته؛ وذلك لأنّ الشيخ النجاشيّ ترجمه بقوله: (الحسين بن علوان الكلبيّ: مولاهم، كوفيٌّ، عاميٌّ، أخوه الحسن يُكنّى أبا محمّد، ثقة، رويا عن أبي عبد الله (ع)، وليس للحسن كتاب، والحسنُ أخصّ بنا وأولى) [رجال النجاشي ص52]، واختُلف في أنّ التوثيق يرجع إلى الحسين بن علوان أو إلى أخيه الحسن.
وقد قال الشيخ المفيد: (هذا خبر شاذّ، لم يأتِ به التواتر من الأخبار، ولا أجمع على صحّته رواة الآثار) [الإفصاح ص125].
الحاصل: راوي الخبر عاميٌّ لم تثبت وثاقته بشكلٍ واضح.
الأمر الثاني: الحديث له معنىً صحيح:
لو سلّمنا كون الحديث معتبر الإسناد، فهناك معنىً صحيحٌ للحديث، بيان ذلك:
إنّ المذكور في الرواية: « هم إخواننا بغوا علينا »، والأخوّة على قسمين: أخوّة في الدين وأخوّة في العشيرة، ويمكن حمل معنى الأخوّة على الأخوّة في العشيرة.
وقد ورد في الأخبار أنّ الإمام زين العابدين (ع) فسَّر الأخوّة في الحديث المنسوب لجدّه أمير المؤمنين (ع) بالأخوّة في العشيرة، واستشهد على ذلك بشواهد قرآنيّة..
روى الشيخ العياشيّ: « أنّه جاء رجلٌ من أهل الشام إلى عليّ بن الحسين (ع)، فقال: أنت عليّ بن الحسين؟ قال: نعم، قال: أبوك الذي قتل المؤمنين، فقال علي بن الحسين (ع): ويلك، كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟ قال: قوله: «إخواننا قد بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم»، فقال: ويلك، أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: فقد قال الله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}، فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟ قال له الرجل: لا، بل في عشيرتهم، قال: فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم، وليسوا إخوانهم في دينهم » [تفسير العياشيّ ج2 ص23].
وروى الشيخ الطبرسيّ: « أن رجلاً من أهل البصرة جاء إلى عليّ بن الحسين (ع)، فقال: يا عليّ بن الحسين، إنّ جدّك عليَّ بن أبي طالب قتل المؤمنين، فهملت عينا عليّ بن الحسين دموعاً حتّى امتلأت كفّه منها، ثمّ ضرب بها على الحصى، ثمّ قال: يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل عليٌّ مؤمناً، ولا قتل مسلماً، وما أسلم القوم ولكن استسلموا، وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلمّا وجدوا على الكفر أعواناً أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد (ص) أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبيّ الأميّ وقد خاب مَن افترى.
فقال شيخٌ من أهل الكوفة: يا عليّ بن الحسين، إنّ جدّك كان يقول: «إخواننا بغوا علينا»، فقال عليّ بن الحسين (ع): أما تقرأ كتاب الله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً}؟ فهم مثلهم أنجى الله عزّ وجلّ هوداً والذين معه وأهلك عاداً بالريح العقيم » [الاحتجاج ج2 ص40].
الأمر الثالث: الحديث معارَضٌ بأحاديث أقوى منه:
لو سلّمنا ما سبق، فهو حديث معارض بالأصحّ منه، ونكتفي في المقام بما ذكره الشيخ المفيد: (هذا خبر شاذّ، لم يأتِ به التواترُ من الأخبار، ولا أجمع على صحته رواة الآثار. وقد قابله ما هو أشهرُ منه عن أمير المؤمنين (ع)، وأكثر نقلة، وأوضح طريقاً في الإسناد، وهو أنّ رجلاً سأل أميرَ المؤمنين (ع) بالبصرة، والناس مصطفّون للحرب، فقال له: علامَ نقاتل هؤلاء القوم - يا أمير المؤمنين - ونستحلّ دماءهم وهم يشهدون شهادتنا، ويصلّون إلى قبلتنا؟ فتلا (ع) هذه الآية - رافعاً بها صوته -: {وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}، فقال الرجل حين سمع ذلك: كفّار، وربّ الكعبة، وكسر جفن سيفه ولم يزل يقاتل حتّى قُتل) [الإفصاح ص125].
فلو فرض صدوره فهو صادر على وجه التقيّة، كما صرّح الحرّ العامليّ بقوله: (أقول: هذا محمولٌ على التقيّة) [وسائل الشيعة ج15 ص83]، ومن مؤيّدات صدوره تقيّة: ما ذكرناه في الأمر الأوّل من أنّ راوي الحديث عن الإمام الصادق (ع) هو الحسين بن علوان وهو من رجال العامّة لا الشيعة.
نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً
اترك تعليق