معاني ودلالات تسمية الزهراء (عليها السلام) باسم فاطمة..!.

السؤال: ((ما هي دلالات تسمية الزهراء(ع) باسم (فاطمة) ..؟ ، وهل هنالك حكمة تقف وراء تلك التسمية..؟!.))

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد.. اعلم أخي السائل الكريم أنّ تسمية مولاتنا الزهراء(عليها السلام) باسم ( فاطمة ) تحمل في طيّاتها الكثير من الدلالات الفريدة وروائع المعاني التي تستدعي الوقوف عليها ولو بنحو من الإجمال من خلال عقد الكلام في ثلاث جهات:

الجهة الأولى: في بيان المعنى اللغوي لهذا الاسم المقدس، فقد ذكر اللغويّون: أنّ "فاطمة": مشتق من "فَطَمَ" يقال: فطم العود فطماً، أي قطعه، وهو يرد على نحوين:

1- فتارة يأتي على هيئة اسم الفاعل، فتقول: فَطَمَتْ المرأةُ الرضيعَ: فَصَلَتْهُ عَن الرِّضَاع، وقَطَعَتْهُ عَن اللَّبَنِ، فالفطم والفطام: القطع والفصل.

2- وأخرى على هيئة اسم المفعول، قال ابن الأعرابي:" فإِذَا فُطِمَتْ فَهِيَ فَاطِمٌ ومَفْطُومَةٌ وفَطِيمٌ " [ينظر عن الجميع: لسان العرب ج12ص454، القاموس المحيط ج4 ص160، تاج العرس ج17 ص539]. ومن موارد مجيئه بمعنى اسم المفعول قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله):« ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فَنِعمَت المرضعة، وبِئسَت الفاطمة » أي: المفطومة [ينظر: صحيح البخاري ج8ص106].

الجهة الثانية: في الوقوف على المعاني الجليلة لهذا الاسم المقدّس، والملاحظ هو أنّ الأحاديث الشريفة الواردة في تلك المعاني قد أفادت ارتباطه بأربعة أطراف: 

الطرف الأوّل: هو خصوص شخص الزهراء(عليها السلام)، حيث وردت جملة من الأخبار الشريفة التي تربط الاسم المقدّس بذات مولاتنا الزهراء (عليها السلام) وهي جميعاً جاء الاسم فيها بمعنى المفعول، ونحن نوردها من دون شرح وتعليق؛ لوضوح أكثرها، وكذلك رعاية لضيق المقام:     

1- عن الباقر (عليه السلام): « لمّا وُلِدَتْ فاطمة (عليها السلام) أوحى الله عزّ وجلّ إلى مَلَك فانطلق به لسان محمد (صلّى الله

عليه وآله وسلّم) فسمّاها فاطمة، ثمّ قال: إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث..!. ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) :واللهِ لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق »[علل الشرايع ج1ص179]. ومعنى فطمها بالعلم: أي قطعه عن غيرها قطعاً وجمعه لها جمعاً. [ينظر: الخصال ص136].

2- عن يونس بن ضبيان عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «... أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة (عليها السلام) ؟ قلت : أخبرني يا سيّدي، قال: فُطمت من الشرّ »[الخصال ص414].هذه بعض معاني الاسم الشريف المتربطة حصراً بشخصها "عليها السلام".

الطرف الثاني: شيعة فاطمة (عليها السلام) ومحبيها حيث وردت بعض الأخبار التي تفيد ارتباط الاسم الشريف بهم، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يتّضح بالبيان التالي:

1- أنّ ولاية ومحبّة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) في دار الدنيا هي العلّة والسبب المُحقِّق لطهارة الإنسان الباطنية والنفسية ، فكما أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) ميزاناً لمعرفة المنافق من المؤمن، بنصّ الأحاديث الصحيحة عند الفريقين عنه (صلّى الله عليه وآله) حيث قال:« لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الّا منافق »[معاني الأخبار ص60، الإرشاد للمفيد ج1ص40، مسند أحمد ج1 ص128، سنن الترمذي ج5 ص306]، فإنّه كذلك بولاية ومحبة مولاتنا الزهراء (عليها السلام) تكون طهارة النفس البشرية، ومن دونها تخبث وتنجس، وبهذا صرّحت زياراتها (عليها السلام)، كقول الزائر:«... فاشهدي أنّي طاهر بولايتِك وولايةِ آل بيتك صلوات الله عليهم أجمعين »[جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس ص39] وأيضاً قوله:«... فإنّا نسألكِ إن كنّا صَدَقناكِ [صدَّقناكِ] إلّا ألحقتِنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بأنّا قد طهُرنا بولايتكِ »[مصباح المتهجد ص711].

2- تؤتي هذه المحبة والولاية ثمارَها يوم القيامة في نجاة أولئك الذين طهُرت أنفسهم بمحبتها وولايتها؛ حيث تظهر أمارات وعلامات على وجوههم؛ فإنّ امتياز المؤمن عن غيره هناك إنّما يكون من خلال ولايتهم ومحبّتهم، وبهذا نطقت الروايات عند الفريقين، فقد روى الصدوق عن الباقر (عليه السلام) قال:« لِفاطمة "عليها السلام" وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كُتب بين عيني كلِّ رجل مؤمن أو كافر، فيُؤمر بمحبٍّ قد كثرت ذنوبُه إلى النار، فتقرأُ فاطمةُ بين عينيه محبَّاً، فتقول: إلهي وسيدي سمّيتني فاطمةَ، وفطمت بي من تولّاني وتولّى ذريتي من النار ووعدُك الحقُّ وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عزَّ وجلَّ : صدقت يا فاطمة..!، إنّي سمّيتك فاطمة وفطمتُ بك مَن أحبَّكِ وتولّاكِ وأحبَّ ذريَّتَكِ وتولّاهُم مِن النّار ووعدي الحقُّ وأَنا لا أُخلف الميعاد، وإنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار؛ لتشفعي فيه فأُشَفِّعَكِ ، ولِيَتَبَيَّنَ لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفُكِ مني ومكانَتُكِ عندي..، فمَن قرأتِ بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة »[علل الشرايع ج1 ص304]. وبهذا المعنى ما جاء من طرق العامّة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال:« ابنتي فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث، وإنّما سمّاها اللهُ فاطمةَ ؛ لأنّ الله تعالى فطمها ومحبّيها من النار»[كنز العمال ج12 ص109، الصواعق المحرقة ص454 نقله عن سنن النسائي وأنت اليوم لا تجد الحديث في سننه..!].

الطرف الثالث: هو أعداء العترة الطاهرة، حيث صرّحت بعض الروايات الشريفة بأنّ الحقَّ سبحانه وتعالى قد جعل من فاطمة (عليها آلاف التحيّة والسلام) حصناً حصيناً تُصان به رسالة السماء من كيدهم، ويُحفظ به كيان الإسلام المحمدي الأصيل من مؤامراتهم.

     ويتّضح ذلك من خلال استلال نور الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) من مولاتنا الزهراء (صلوات الله عليها) دون غيرها من نساء الأمّة. فقد سبق في علمه تعالى أنّ الأمة ستنقلب على أعقابها طمعاً في الإمارة والسلطنة والحكم -كما تقدم أعلاه في الحديث النبوي الذي رواه البخاري -.

     من ناحية أخرى فإنّ هنالك من يتربّص بهذا الدين لتفريغه من محتواه وتجريده من جوهره وروحه وحقيقته حتّى يُصبح في معرض الزوال[يُلاحظ: تفسير الميزان ج6 ص46-47]، وبالتالي فلو تُركت الأمّة وذلك، لكان على الإسلام السلام ، وهذا ما يشهد به قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: 67] فإنّه ومن دون إعلان الإمامة والولاية فكأنّ الرسالة لم تُبلّغ وستذهب أدراج الرياح[ينظر تقريب القرآن إلى الأذهان ج1 ص668] ؛

     ومن هنا فقد سمّاها الله تعالى (فاطمة) ليفطم بها - أي يقطع - طمع أولئك المنقلبين، وبالتالي يحفظ للمسلمين دينهم الذي

ارتضى لهم، بل وللناس جميعاً ؛ إذ سيأتي اليوم الذي يظهر الله تعالى دين الإسلام على سائر الأديان السماويّة والارضية ولو كره المشركون، فينتفع بنور هديه جميع الناس.

     ومجيء اسم فاطمة بهذا المعنى يؤكّده لنا حديث الإمام زين العابدين (عليه السلام) مع عبد الله المحض بن الحسن المثنى، قال

عبد الله: « قال لي أبو الحسن (عليه السلام): لِمَ سُمِّيَتْ فاطمةُ "فاطمةَ"..؟!، قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء..!، قال: إنّ ذلك لَمِن الأسماء ،ولكن الاسم الذي سُمِّيَتْ به ، أنّ الله تبارك وتعالى عَلِمَ ما كان قبل كونه ، فعَلِمَ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتزوج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قِبَلِه ، فلما وُلِدت فاطمةُ سَمّاها الله تبارك وتعالى "فاطمة" لِما أخرج منها وجعل في ولدها ، ففطمهم عمّا طمعوا ، فبهذا سميت فاطمةُ "فاطمةَ" ؛ لأنّها فطمت طمعهم ، ومعنى فَطَمَت: قَطَعَت»[علل الشرائع:ج1 ص178].

الطرف الرابع والأخير: هو الخلائق كافّة ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال: «...وإنّما سُمِّيت فاطمةَ لأنّ الخلقَ فُطِمُوا عن معرفتها »[تفسير فرات الكوفي ص581] ، ومن الواضح أنّ مفردة الخلق لها نطاق وأُفقٍ أوسع ممّا لمفردة الناس؛ لشمولها الإنس والجنّ والملائكة أيضاً، فيكون هؤلاء جميعاً قد عجزوا عن معرفتها (صلوات الله وسلامه عليها)، ولا يختصّ العجز حينئذٍ بالأمم والأجيال والقرون الأولى.

     وكان من المفترض أن نذكر هنا طرفاً خامساً وهو مدى ارتباط اسم فاطمة بالذات الإلهيّة المقدّسة، ولكن لضيق المقام سيتم بإذنه تعالى ذكر ذلك في جواب مستقل على مواقع مركزنا تحت عنوان: (اشتقاق اسم " فاطمة "(عليها السلام) من "فاطر السماوات والأرض" ودلالات ذلك).

الجهة الثالثة: ما تكشف عنه المعاني المتقدّمة لهذا الاسم الشريف من أمور مهمة للغاية وهي ثلاثة:     

الأمر الأول: اندراج جميع تلك المعاني تحت عنوان الحكمة؛ حيث تمثل تلك المعاني عللاً غائية تقف وراء تسميتها "عليها السلام" بهذا الاسم، ومن الواضح أنّه لا إشكال في تعدد العلّة الغائية، قال تعالى:( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (*) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى}[طـــه:17 ـــــ 18].

الأمر الثاني: أنّ عموم تلك المعاني - كما هو واضح - تمثّل نوعاً من التنزيه والتقديس لها (عليها السلام)، وتجسّد حائلاً بينها وبين كافّة النقائص التي لا تليق بساحتها، الأمر الذي يكشف عن قربها (صلوات الله عليها) من الحقّ سبحانه وتعالى من جهة، ويدلّ أيضاً على وجوب تعظيم الأمة لها (عليها السلام) من الجهة الأخرى.

الأمر الثالث: أنّ المعاني المتقدّمة وإن كان كلّ معنى منها يمثّل في نفسه غاية من وراء التسمية بهذا الاسم الشريف، إلّا أنّها في الجملة تشترك في الإفصاح عن كونه تعالى إنّما نزّهها عن تلك النقائص تأهيلاً لشخصيّتها المقدّسة نحو مقامات أسمى وأعظم، فمنها – مثلاً - مقام اقتران الرضا والغضب بينه تعالى وبينها (عليها السلام)، فقد روى الضحّاك والطبراني وغيرهما من علماء العامّة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنّه قال لها (عليها السلام): « إنّ الله يغضبُ لغضبكِ ويرضى لرضاكِ »[ المعاني والآحاد ج5ص364، المعجم الكبير ج1ص108، المستدرك ج3ص154، وقال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه]، أو مقام شفاعتها العظمى(عليها السلام) كما هو واضح في ما تقدّم معنا من رواية الشيخ الصدوق عن الباقر (عليه السلام) ، وكذلك مقام دخولها الجنّة قبل جميع الخلق حتّى الأنبياء والمرسلين وأنّها (عليها السلام) ستكون سيّدة نسائها كما جاء في الأحاديث الشريفة التي صحّحها الحاكم وغيره ، منها ما عن حذيفة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال:« نزل من السماء ملك فاستأذن الله أن يسلّم عَليَّ لم ينزل قبلها..!، فبشرني أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة »، وكذا ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام قال:« أخبرني رسول الله "صلّى الله عليه وآله" أن أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلت: يا رسول الله..! فمحبونا..؟، قال: مِن ورائكم » [ينظر: المستدرك ج3ص151، وقد قال الحاكم عن الحديثين أنّهما صحيحا الإسناد ولم يخرجهما الشيخان..!].

      وكيفما كان فإنّ هذه المقامات السامية ونظائرها لا ينالها إلّا مَن تفرّد بإعداد ربّانيّ خاصّ وحظي بعناية وتربية إلهيّة فريدة وكان في رتبة عالية جدّاً من الطهارة والقداسة والمعرفة وكمال الانقطاع إلى الله تعالى، وهذا ما  كشفت عنه معاني الاسم الشريف في القسم المختصّ بشخص الزهراء (عليها السلام) كما هو واضح.

      هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر خصائصها ومعاني اسمها (عليها السلام) وما خفي كان أعظم، اللّهم صلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر والمستودع فيها عدد ما أحصاه كتابك وأحاط به علمك وارزقنا جميعاً زيارتها في الدنيا وشفاعتها في الآخرة ورضِّها عنا يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.