هل تزوج الإمام علي (ع) بعد الزهراء (ع) بتسع ليال؟

يروي الشيعة ان الامام علي حزن كثيراً عند وفاة السيدة الزهراء، لكن يخفون انه تزوج بعد موتها بعد مضي ٩ ليال فقط؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً: شدّة حزن أمير المؤمنين (ع) ثابت:

  من العجيب أن يُصاغ السؤال بهذه الصياغة التي تستبطن إنكاراً لشدّة حزن أمير المؤمنين (عليه السلام) على شهادة الصديقة الكبرى (عليها السلام)!! وهذا ما لا ينبغي أن يصدر من عاقل؛ إذ إنّ الزهراء (عليها السلام) زوجته وخليلته وقد كانت له خير زوجة ومعين، وهي أمّ أولاده، وهل يشكّك عاقل يحترم عقله في حزن الرجل على زوجته المرضيّة؟! 

  وكيف تصدر مثل هذه العبارة من مسلم يحترم دينه؛ فإنّ الزهراء (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبضعته وفلذة كبده، وهي سيّدة نساء العالمين وخير الخلق أجمعين بعد أبيها وبعلها، فكيف لا يحزن عليها أعرف الخلق بها وبمقامها بشدّة حتّى يُشكّك في شدّة حزنه عليها؟!! 

  هذا ما لا ينبغي أن يصدر من عاقل يحترم عقله، فضلاً عن مسلم يحترم دينه، فإنّ المسلم لا يلمز بأهل بيت النبوّة (عليهم السلام) بمثل ذلك. 

  ثمّ إنّ الروايات كثيرة في شدّة حزن الإمام (عليه السلام)، ونكتفي في المقام بذكر كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في زيارته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند دفنه للزهراء (عليها السلام)، وهي معروفة مشهورة.. 

  رُوي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: « لمّا قُبضت فاطمة - عليها السلام - دفنها أمير المؤمنين سرّاً، وعفا على موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وآله -، فقال: 

  السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلَّ - يا رسول الله - عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلّا أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسدّتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون. 

  قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله. أمّا حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، وهمّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيّح، وهمّ مهيج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى الله أشكو. وستنبئك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فأحفّها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليلٍ معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين. 

  سلام مودع لا قالٍ ولا سئم، فإنْ أنصرف فلا عن ملالةٍ، وإنْ أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزيّة، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان ».

ينظر: الكافي ج1 ص458، الأمالي للمفيد ص281، نهج البلاغة ج2 ص182، الأمالي للطوسي ص109، دلائل الإمامة ص137، بشارة المصطفى ص396، روضة الواعظين ص152، مناقب آل أبي طالب ج3 ص139، كشف الغمة ج2 ص127. 

ثانياً: خبر الزواج غير ثابت: 

  إنّ خبر زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد شهادة السيّدة الزهراء (عليها السلام) بتسع ليال، ليس معتبراً، ولا صالحاً للاستدلال به، بيان ذلك: 

  إنّ المصدر الأساس لهذا الخبر هو كتاب [قوت القلوب ج2 ص412]، لأبي طالب محمّد بن عليّ بن عطيّة الحارثيّ المكّيّ [ت 386 هـ] – وهو من مشايخ الصوفيّة –؛ إذ ورد فيه: (ويُقال: إنّه تزوّج بعد وفاة فاطمة – صلوات الله عليها وعلى أبيها – بتسع ليالٍ). ونقله عنه: ابن شهر آشوب في [مناقب آل أبي طالب ج3 ص305]. 

  وهذا الخبر لا يمكن الاعتماد عليه ولا الاستدلال به؛ لوجود إشكالات عديدة عليه:

1ـ الخبر مرسل ضعيف؛ إذ لم ينقله بإسناد ليُرى إنْ كان رجاله ثقات أم لا، بل ذكره بصيغة تمريضيّة فعبّر عنه بـ: (يُقال)، وهو يفيد جهالة القائل. ومثل هذا الخبر لا يمكن أن يكون معتمداً ولا صالحاً للاستدلال كما هو واضح.

2ـ أبو طالب المكّيّ – مصنّف الكتاب – ليس من الشيعة الإماميّة، ولا كتابه معتبر عندهم، بل هو من مشايخ الصوفيّة، وكتابه في التصوّف، ومثل هذا لا يمكن الاحتجاج به على الشيعة؛ إذ كيف يمكن الاستدلال على الشيعة بكتابٍ غير معتبر عندهم، وبمؤلّف غير ثقة عندهم؟! 

3ـ قد وردت في أبي طالب المكيّ ذموم في كلمات علماء المخالفين، منها: قوله بحليّة الغناء، واستدلّ لذلك في كتابه هذا، ونقله عنه ابن الجوزيّ في [المنتظم لابن الجوزي ج14 ص385]، ومنها: قوله بأشياء شنيعة في الصفات، كما ذكره الخطيب البغداديّ في [تاريخ بغداد ج3 ص303]، وقال أيضاً: (وقدم بغداد، فاجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ، فخلط في كلامه، وحُفظ عنه أنّه قال: ليس على المخلوقين أضرّ من الخالق. فبدعه الناس وهجروه). 

4ـ الصوفيّة معروفون بإيرادهم كلّ خبر بلا تفريقٍ بين غثّها وسمينها، حتّى طفحت تصانيفهم بالأخبار الضعيفة والموضوعة، وأبو طالب المكيّ ليس بدعاً عن مسلك المتصوّفة في ذلك، وقد صرّح بعض علماء المخالفين بتضمّن كتابه أحاديث ضعيفة بل وموضوعة ولا أصل لها، قال ابن تيميّة في [الفتاوى الكبرى ج5 ص86]– بعد ترجيح كتابه على كتاب الإحياء للغزاليّ –: (مع أنّ في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء مردودة كثيرة)، والعتيقيّ – كما في [المنتظم ج14 ص385] – فإنّه قال: (صنّف كتاباً سمّاه « قوت القلوب »، وذكر فيه أحاديث لا أصل لها ») 

  إذن: الخبر ليس شيعيّاً، بل صوفيّاً، وإسناده مرسل مجهول، وحاكيه صوفيّ مذموم، وعليه بأيّ وجهٍ يُتّهم الشيعة بأنّهم (يخفون انه تزوج بعد موتها بعد مضي ٩ ليال فقط)!! فهذا كذب واضح.

ثالثاً: لا منافاة بين الحزن والزواج: 

لو تنزّلنا وسلّمنا بكون الخبر معتبراً – مع أنّا لا نسلّم بذلك -، فنقول: 

  إنّ الزواج هو عبارة عن العقد الشرعيّ، والعقد الشرعي هو إنشاء الزوجين لصيغة الزواج بأن تقول المرأة: (زوجتك نفسي على المهر المعلوم)، ويقول الرجل: (قبلت)، وبذلك يحصل الزواج الشرعي بينهما. والعقد الشرعي بما هو ليس مظهراً للفرح والسرور حتّى ينافي الحزن، بل الذي ينافي الحزن هو ما يقترن بالزواج عادةً من إقامة الاحتفال والتزيّن ونحو ذلك، فإنّ هذه من مظاهر الفرح وهي لا تجامع الحزن. 

  وإقامة الاحتفال هي مراسيم الزواج عند العرف، وتُقام عادةً لا دائماً؛ إذ ظروف الناس تختلف من وقت إلى وقت، وقد يقيم الناس مراسم الفرح كما هو الغالب وقد لا يقيمونها لأسباب مختلفة. 

  وزواج أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد الصديقة الكبرى (عليها السلام) بتسع ليال – لو سلّمنا صحّة الرواية – هو العقد الشرعيّ، وليس فيه إقامة المراسم العرفية للزواج من الاحتفال والفرح ونحو ذلك.

رابعاً: المبرّر العقلائيّ ينفي الحزازة العرفيّة: 

  لو سلّمنا ما سبق وقلنا بوجود حزازة عرفيّة في الزواج فترة الحزن، فنقول: إنّ هذه الحزازة العرفيّة تنتفي مع وجود مبرّر عقلائيّ عرفيّ للزواج، ويوجد في مثل حال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد شهادة الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) أمران ينبغي ملاحظتهما: 

1ـ الأولاد الصغار: 

لا يخفى أنّه كان عمر أولاد السيّدة الزهراء (عليها السلام) حين شهادتها دون العشر سنوات، فأكبرهم الإمام الحسن (عليه السلام) كان عمرُه ثماني سنوات، وكان عمر الإمام الحسين (عليه السلام) سبع سنوات، وعمر السيّدتين زينب وأمّ كلثوم (عليهما السلام) أصغر من ذلك كما هو المعروف. 

هؤلاء هم ذريّة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وليس على ظهر الأرض غيرهم أولاداً للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، وعن قريب استشهد جدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعدها بفترة وجيزة استشهدت أمّهم الصدّيقة الكبرى (عليها السلام)، وهم لا يزالون في سنّ الطفولة، فيحتاجون لمَن يقوم لهم بما تقوم به الأمّ من الاهتمام والرعاية.

2ـ الوصيّة الفاطميّة: 

وقد جاءت في روايات عديدة: أنّ الصدّيقة الكبرى (عليها السلام) أوصتْ أمير المؤمنين (عليه السلام) بجملةٍ من الوصايا، من جملتها: أن لا يصلّي عليها الشيخان، ولا يحضرا جنازتها ودفنها، وغير ذلك، ومن جملتها أيضاً: أن يتزوّج بعدها بـ(أمامة بنت أبي العاص) وهي ابنة أخت السيدة الزهراء (عليها السلام) من أختها زينب؛ لحبّها لأولادها، ولعنايتها بهم. نذكر بعض الروايات في ذلك: 

  منها: ما نقله العلّامة المجلسيّ في [بحار الأنوار ج43 ص192 عن روضة الواعظين]: « قالَت: جزاكَ اللهُ عنّي خيرَ الجزاء يا ابنَ عمِّ رسولِ الله، أوصيكَ أوّلاً أن تتزوّجَ بعدي بابنةِ أختي أمامة، فإنّها تكونُ لولدي مثلي، فإنَّ الرجالَ لا بدّ لهُم منَ النساء. قالَ: فمِن أجلِ ذلكَ قالَ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام): أربعٌ ليسَ لي إلى فراقِه سبيل، بنتُ أبي العاصِ أمامة، أوصَتني بها فاطمةُ بنتُ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) .. الخبر».

  ومنها: ما نقله المجلسيّ أيضاً في [بحارِ الأنوار ج43 ص217 عن مصباحِ الأنوار]: « عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قال: .. وأوصَته أن يتزوّجَ أمامةَ بنتَ أبي العاص، وقالَت: بنتُ أختي، وتحننُ على ولدي ». 

  ومنها: ما نقله ابنُ شهر آشوب في [مناقبِ آلِ أبي طالب ج3 ص137]: « وأوصَت إلى عليٍّ بثلاث: أن يتزوّجَ بابنةِ أختِها أمامة لحبِّها لأولادِها.. ». 

  والمُستفادُ مِن هذهِ النصوصِ أنَّ الزهراءَ (عليها السلام) أوصَت أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) أن يتزوّجَ بعدَها بابنةِ أختِها أمامة، كي تهتمَّ بالأولادِ وترعاهُم وتتحننَ عليهم، وأمير المؤمنين (عليه السلام). 

أقول: وهذان مبرّران عقلائيّان ينفيان الحزازة العرفيّة لو سلّمنا وجودها، كما هو واضح. 

ثمّ لو كان في ذلك أيّ منافاة أو حزازة لتمسّك بذلك النواصب للطعن بأمير المؤمنين والصدّيقة الكبرى (عليهما السلام)، ولصدّعوا رؤوس شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بذلك، في حين لا نجد أيّ خبر لذلك في كتب الفريقين ولو على لسان النواصب، وعدم وجود شيء من ذلك يكشف عن عدم وجود منافاة وحزازة في ذلك الحال؛ لأنّ النواصب يتمسّكون بأيّة قشّة للمز والطعن بأهل بيت النبوّة (عليهم السلام).