هَلِ اللهُ يُحاسِبُنا على الأَخطاءِ البَسيطةِ في العِبادات؟

هَلْ يُحاسِبُنا اللهُ عَلى الأخْطاءِ البَسيطَةِ كالّتي تَحدِثُ في الوضوءِ أَوِ الصلاةِ أَوِ الصَومِ.. الخ؟؟ مَعَ ذكرِ الأَدِلةِ..

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجَواب:

يَبْدو أَنَّ السائِلَ يَقْصِدُ الأخطاءَ التي تَقَعُ سَهْواً أَوْ جَهلاً وَلا يَقصِدُ الأخْطاءَ التي يَتَعَمَدُ المُكَلّفُ إِحْداثَها؛ وذلكَ لأَنَّ كلَّ خَلَلٍ في أَيِّ جُزءٍ مِنْ أجزاءِ العِبادةِ عَمْداً مُبطِلٌ لَها بالضَرورَةِ، فَمَثَلاً مَنْ يُزيدُ أَوْ يُنقِصُ جُزءا مِنَ الصلاةِ وَشرائِطِها عَمْداً بَطُلَتْ صَلاتُهُ، وَهذا ما جاءَ فيْ جَوابِ السّيْدِ السيسْتانيِ على السُؤالِ: "هَلْ تَبْطُلُ صَلاةَ مَنْ يُخِلُّ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزائِها عامِداً؟

الجَواب: مَنْ أَخَلَّ بِشَيءٍ مِنْ أَجْزاءِ الصلاةِ وَشرائِطِها عَمْداً بَطُلَتْ صَلاتُهُ وَلَوْ كانَ بِحرفٍ أَوْ حَرَكَةٍ مِنْ القِراءَةِ أَوِ الذِكْرِ، وَكَذا مَنْ زادَ فِيْها جُزْءاً عَمْداً قَوْلاً أَوْ فِعْلاً، مِنْ غَيرِ فَرْقٍ فيْ ذلكَ كُلِّهِ بَيْنَ الرُكْنِ وَغَيْرِهِ، وَلا بَيْنَ أن يكونَ ناوياً ذلكَ في الإبْتِداءِ أَوْ في الأَثْناء"

أمّا الخَلَلُ الذي يَكونُ عَنْ جَهْلٍ أَوْ سَهْوٍ فَهُناكَ تَفْصِيلٌ بِحَسَبِ المَسائِلِ والمَوارِدِ، فَفي المَبْدَأِ يُفَرِّقُ الفُقَهاءُ بَيْنَ الخَطَأِ الذي يَحْدِثُ سَهْواً وَبَيْنَ الخَطَأِ الذي يَحْدِثُ جَهْلاً، كَما يُفَرّقونّ بَيْنَ الجَهْلِ الناتِجِ عَنِ التَقْصيرِ وَالجَهْلِ الناتِجِ عَنْ قُصور، وَعَلَيْهِ يَجِبُ على المُكَلَفِ الرِجوعُ إلى فَتاويِ الفُقَهاءِ لِيَقِفَ على حُكْمِ الخَلَلِ الذي أَحْدَثَهُ.

وَمِثالٌ على ذلكَ جاءَ فِي مِنْهاجِ الصالحينَ للسَيْدِ السيستاني في مَسْأَلَةِ الجَهْرِ والإخْفاتِ في الصَلاةِ قَولُهُ: "إذا جَهَرَ في مَوضِعِ الإخْفاتِ، أَوْ أَخْفَتَ في مَوْضِعِ الجَهْرِ عَمْدا بَطُلَتْ صَلاتُهُ على الأَحْوَط، وإِذا كانَ ناسِيَاً أَوْ جاهِلاً بِالحُكْمِ مِنْ أَصْلِه أَوْ بِمَعْنى الجَهْرِ والإخْفاتِ صَحَّتْ صَلاتُه"

وَإليَكَ مِثالٌ في التَفْريقِ بَيْنَ الجاهِلِ المُقَصّرِ والجاهِلِ القاصِرِ فيْ فَتاويِ الفُقَهاء، في سُؤالٍ وُجّهَ للسيْدِ السيستاني جاءَ فيه: "ما حُكْمُ صَلاةِ مَنْ كانَ يَتْرِكُ التَسْبيحاتِ الأرْبْعِ في الرِكعَتَينِ الثالِثَةِ والرابِعَةِ في صَلاةِ الجَماعَة، مُتَصَوِّرَاً أَنّ الإمامَ يَتَحَمَلَها مِنَ المَأمومِ كَما يَتَحَمَلُ عَنْهُ قِراءةَ الحَمْدِ والسورَةِ في الرِكْعَتينِ الأَوليَتَيْن؟

الجَواب: إذا كانَ جاهِلاً قاصِراً فَلا شَيءَ عَليه ـ وإذا كانَ مُقَصِّراً لَزَمَتَهُ الإعادةُ وَمَعَ مُضّيِ الوَقْتِ يَجِبُ القَضاء"

وَقَدْ وُجّهَّ لِسماحَةِ السّيدِ السيسْتاني سُؤالٌ عَنْ الضابِطَةِ العامَةِ في هذهِ المَسائِلِ جاءَ فيهِ: "هَلْ تُوجَدُ ضابِطَةٌ كُلّيةُ يُمْكِنُ الاعْتِمادُ عَلَيْها في مَقامِ الإِخْلالِ بالواجِباتِ غَيْرِ الرُكْنِيَة ـ بِحَيْثُ يُمْكِنُنا مِنْ خِلالِ تَطْبيقِها الحُكْمُ بِصِحَةِ الصلاةِ أَوْ فَسادِها؟

الجواب: الإِخْلالُ بالشِروطِ والأَجْزاءِ غَيْرِ الرُكْنِيَةِ عَنْ عُذْرٍ ـ كَالنِسْيانِ وَالجَهْلِ القُصوري ـ لا يوجِبُ البُطْلان، بِخِلافِ غَيْرَهِ كَالجَهْلِ التَقْصيْريِ فَإنَّهُ يُوجِبُهُ. نَعَم الإخْلالُ بالجَهْرِ والإِخفاتِ (وَلَوْ عَنْ جَهْلٍ تَقْصيْري) لا يَضُرُ بالصِحَة"

أمّا الأدِلَةُ على ذلكَ فَقَدْ جاءَ في وَسائِلِ الشِيعَةِ عَنْ أَبي عَبْدِ اللهِ (عَليْهِ السلامُ) قال: قالَ رَسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): رُفِعَ عَنْ أمَّتي أَرْبَعُ خِصال: خَطَؤها وَنِسْيانُها وَما أُكرِهوا عَلَيْهِ وَما لَمْ يُطيقوا، وَذلِكَ قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَل: (رَبّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأنا رَبَنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْرا كَما حَمَلتَهُ على الذينَ مِنْ قَبْلِنا رَبّنا وَلا تُحَمّلُنا ما لا طاقةَ لَنا بهِ)

فَأَفْعالُ العِبادِ لا تَخْلو مِنْ حالَيْن: فَإمّا أنْ تَكونَ صادِرَةً عَنْ قَصْدٍ واخْتِيارٍ مِنْ المُكَلْفٍ فَيَكونُ عَمْداً يُحاسَبُ عَليهِ صاحِبُه، قالَ تَعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جِناحٌ فيما أَخْطَأتُم بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمّدَتْ قُلوبُكُم وَكانَ اللهُ غَفورا رَحِيما)

وَإمّا لا يَكونُ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتيارٍ مِثْلَ الإكراهِ وَالنِسْيانِ وَالخَطْأِ القصوري، فَإِنّ اللهَ بِكَرَمِهِ يُسامِحُ العِبادَ عَليهِ، وَهذا ما يُشِيرُ إلَيهِ حَديثُ الإِمامِ الصادقِ المُتَقَدِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الأَحاديثِ الأُخْرى.

وَفي المُحَصِلَةِ يَجِبُ الوقوفُ على حُكْمِ الخَلَلِ البَسيط، الذي يُحْدِثُهُ المُكَلْفُ في عِباداتِهِ، فَإنْ كانَ مُبْطِلاً لِلْعِبادَةِ بِحَسَبِ فَتاوى الفُقهاءِ فَهوَ مَسْؤولٌ وَمُحاسَبٌ عَلَيْهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مُبْطِلاً لِلعِبادَةِ بِحَسَبِ فَتاوى الفُقهاءِ فَهْوَ غَيْرُ مَحاسَبٍ عَلَيْه.