الحكمة من موت الإنسان

السؤال: ما الحِكمة من موت الإنسان وعدم خلوده في الدنيا؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية لابدَّ أنْ يُعلم بأنَّ من أعظم صفات الله تعالى التي يظهر أثرها في خلقه وتدبيره للكون كلِّه هي صفة الحِكمة، فالله سبحانه حكيمٌ في أفعاله، حكيمٌ في أوامره ونواهيه، لا يخلق شيئاً عبثاً، بل كلُّ ذلك نابعٌ عن حِكمة بالغة، علمنا بها أو لم نعلم، وقد دلَّت على ذلك مجموعةٌ من الآيات الكريمة، نتبرَّك بذكر جملةٍ منها.

قال الله تعالى: ﴿فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة:209]، وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء:26]، وقال تبارك وتعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام:83]، وقال جلَّ جلاله: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:1]، وقال جلَّ وعلا: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [يوسف:6]، إلى غيرها من الآيات المباركة.

وبناءً على هذا، فسواء علمنا الحِكمة من خلق (الموت) أم لم نعلمها فلابدَّ أنْ نسلِّم بأنه جُعل لحكمةٍ ومصلحةٍ معينة.

إذا بان هذا ـ عزيزنا السائل ـ فنقول:

المستفاد من بعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة مجموعة من الحِكم في موت الإنسان وعدم خلوده في دار الدنيا، نذكر بعضاً منها طلباً للاختصار:

1ـ الوصول إلى الهدف الحقيقي:

فقد شاءت حكمة الله تعالى أنْ تكون الحياة الحقيقية والهدف الأسمى والمقصد الأكمل هو دار الآخرة وليست الدنيا، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64]؛ ولذلك فلو لم يخلق الله الموت ويقضيه على الإنسان لما وجد سببٌ طبيعيٌّ للانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة، ولما تحقق الغرض المنشود، وهو الوصول إلى الآخرة والتنعُّم بنعيم الأبد، وعليه تكون الحِكمة من موت الإنسان وعدم خلوده في الدنيا هي لغرض وصوله إلى الهدف الأسمى والمقصد الأكمل الذي أراده الله تعالى له.

2ـ تحقيق العدل الإلهيّ:

فقد شاءت حكمة الله تعالى بأنْ يكون (الحساب) وتحقيق العدل الإلهيّ في العالم الآخر، كما في قوله تعالى: ﴿الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الحج: 69]، حيث يُعطى لكلِّ ذي حقٍّ حقُّه، وهذا الغرض لا يتحقق إلَّا بخلق الموت، لأنه يمثل الطريق الطبيعي والسبب المتعارف لوصول الإنسان إلى ذلك العالم.

3ـ الحث على العمل الصالح:

فإنَّ الإنسان العالم بأنَّ الموت محطةٌ حتمية في حياته، وأنَّ ما بعدها إمَّا نعيم دائم أو شقاء مقيم، لابدَّ أنْ يتحفَّز لتحصيل أسباب النجاة، ويسعى بجدٍ واجتهاد للعمل الصالح وترك العمل الطالح، فإنَّ شعوره واعتقاده بحقيقة الموت يولِّد له دافعاً قوياً نحو فعل الخير وترك الشر، كما هو واضح.

ثمَّ إنَّ السعي لتحقيق الخير وترك الشر يحقق مكسباً مهماً على مستوى الفرد والمجتمع، إذْ بصلاح الفرد يصلح المجتمع، كما لا يخفى.

ولعلَّ هذا من أسباب التأكيد على ذكر الموت الوارد في كثير من الروايات، من قبيل قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير» [نهج البلاغة ص ٥٣٦]، ومن قبيل قول الإمام الصادق (عليه السلام): «ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة، ويقوي القلب بمواعد الله، ويرق الطبع، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص، ويحقِّر الدنيا» [مصباح الشريعة ص171، بحار الأنوار ج6 ص133]، وغيرها من الروايات الكثيرة في هذا المعنى.

4ـ تعطُّل الحياة الإنسانية:

فلو لم يخلق الله تعالى الموت لتعطَّلت الحياة الإنسانية بشكلٍ كاملٍ؛ إذْ ينشغل الأبناء بآبائهم، والآباء بآبائهم وهلمَّ جرَّاً، وكذلك الحال في البنات والأمَّهات والجدَّات، مما يؤدِّي إلى تعطُّل الحياة بشكلٍ كامل.

وقد ورد في بعض الروايات الشريفة الإشارة إلى هذه الحِكمة، فقد روى الشيخ الكلينُّي (طاب ثراه) بسندٍ مُعتبر عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنَّ قوماً فيما مضى قالوا لنبي لهم: ادعُ لنا ربَّك يرفع عنا الموت، فدعا لهم فرفع الله عنهم الموت، فكثروا حتَّى ضاقت عليهم المنازل، وكثر النسل، ويصبح الرجل يطعم أباه وجدَّه وأمَّه وجدَّ جدِّه، ويوضِّيهم ويتعاهدهم، فشغلوا عن طلب المعاش، فقالوا: سلْ لنا ربك أنْ يردَّنا إلى حالنا التي كنَّا عليها، فسأل نبيُّهم ربَّه فردَّهم إلى حالهم» [الكافي ج3 ص ٢٦٠، أمالي الصدوق ص600].

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ الله تعالى جعل الموت على الإنسان لعدَّة حِكم ومصالح، لكونه سبحانه منزَّه عن العبث واللغو.. والحمد لله ربِّ العالمين.