موت معاوية على غير الإسلام

السؤال: هل يصح حديث (معاوية يموت على غير ملتي)؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

هذا حديثٌ صحيحٌ رواه البلاذريّ على شرط مسلم.

قال: (وحدّثني إسحاق وبكر بن الهيثم، قالا: حدّثنا عبد الرزّاق بن همّام، أنبأنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: "كنت عند النبيّ (ص) فقال: يطلع عليكم من هذا الفجّ رجلٌ يموت على غير ملَّتي، قال: وكنتُ تركتُ أبي قد وضع له وضوء، فكنت كحابس البول مخافة أنْ يجيء، قال: فطلع معاوية، فقال النبيّ (ص): هو هذا".

وحدَّثني عبد الله بن صالح، حدّثني يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن طاوس، عن عبد الله بن عمرو، قال: «كنتُ جالساً عند النبيّ (ص)، فقال: يطلع عليكم من هذا الفجّ رجلٌ يموتُ - يومَ يموتُ - على غير ملَّتي، قال: وكنتُ تركتُ أبي يلبس ثيابه، فخشيت أنْ يطلع، فطلع معاوية») [أنساب الأشراف ج5 ص127ـ128].

وقد حكم أحد أعلام المتأخرين من الجمهور على هذا الحديث بالصحّة، حيث قال المحدّث المغربيُّ أحمد الغماريّ: (حديثٌ على شرط مسلم على أنّ معاوية يموت على غير ملّة الإسلام) [جؤنة العطار ج2 ص154].

وقال بعد أنْ ذكره - نقلاً عن البلاذريّ -: (وهذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، وهو يرفع كلّ غمّةٍ عن المؤمن المتحيّر في شأن هذا الطاغية قبّحه الله، ويقضي على كلّ ما يموّه به المموّهون في حقّه... ومن أعجب ما تسمعه: أنّ هذا الحديث خرّجه كثيرٌ من الحفّاظ في مصنّفاتهم ومعاجمهم، ولكنّهم يقولون: «فطلع رجلٌ»، ولا يصرّحون باسم اللعين معاوية؛ ستراً عليه وعلى مذاهبهم الضلاليّة في النصب وهضم حقوق آل البيت ولو برفع منار أعدائهم) [جؤنة العطار ج2 ص154ـ155].

وحكم المحدّث الخبير الغماريّ على الحديث بالصحّة كافٍ في إثباته.

ويؤيّده: ما قاله محمّد بن عقيل العلويّ الشافعيّ: (قال أخونا العلّامة المحدّث الشريف محمّد المكيُّ بن عزوز المغربيّ (رحمه الله) ومنه استفدنا المنقول عن البلاذريّ: الحديث الأوّل رجاله كلّهم من رجال الصحيح حتّى ليث فمن رجال مسلم، وهو ابن أبي سليم، وإنْ تُكلِّم فيه لاختلاطٍ وقع له في آخر أمره، فقد وثّقه ابن معين وغيره، كما أفاده الشوكانيّ، على أنّ الوهم يرتفع بالسند الثاني الذي هو «حدّثني إسحاق.. الخ»؛ لأنّ الراوي فيه عن طاووس عبد الله ابنه لا ليث، والسند متينٌ والحمد لله انتهى من خطه.

وحيث صحّ إخبار النبيّ (ص) بأنّ معاوية يموت على غير ملّة الإسلام تعيّن القطع بوجوب البراءة منه، فهو - إذن - مثل عتبة وشيبة والوليد وأبي جهل لعنهم الله أجمعين) [تقوية الإيمان ص138].

وقد أوجع هذا الحديث المتعصّبين، فحذفوا اسم معاوية كما في بعض المصادر:

قال الطبرانيّ: (حدّثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، ثنا أبي، ثنا عبد الرزاق، أبنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: «قال رسول الله (ص): يطلع عليكم رجلٌ من هذا الفجّ من أهل النار، وكنتُ تركت أبي يتوضأ، فخشيت أن يكون هو، فاطلع رجلٌ غيره، فقال رسول الله (ص): هو هذا») [المعجم الكبير ج13 ص485]، وذكره الهيثميُّ ثمّ قال: (ورجاله رجال الصحيح) [مجمع الزوائد ج1 ص112].

أقول: يلاحظ أنّ سند الطبرانيّ يمرّ عبر عبد الرزاق الصنعانيّ، وهو رجال السند نفسه لدى البلاذريّ، لكنّهم تلاعبوا بالمتن ستراً على الرجل.

ويمكن إضافة شواهد لرواية البلاذريّ، وذلك بما رواه نصر ابن مزاحم: (عن جعفر الأحمر، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله (ص): «يموت معاوية على غير الإسلام». عن جعفر الأحمر، عن ليث، عن محارب بن زياد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (ص): «يموت معاوية على غير ملتي») [وقعة صفين ص217].

وقد جاء في الكتاب الذي أمر المأمون بإنشائه وكان يُقرأ على المنبر: (ومنه: أنّ رسول الله (ص) قال: «يطلع من هذا الفجّ رجلٌ من أمتي، يحشر على غير ملتي»، فطلع معاوية) [تاريخ الطبري ج8 ص186].

ونحن وإنْ لم نكن نعلم بالسند لدى المأمون وعمّن تلقّى الحديث، لكن ما ذكره يشهد لرواية البلاذريّ الصحيحة.

وقد كان الإمام عليّ بن الجعد يذهب إلى موت معاوية على غير الإسلام، ربّما استناداً إلى حديث النبيّ آنفاً، وهذا ما ذكره أحمد بن حنبل. قال ابن هانئ: (وسمعتُ أبا عبد الله ـ وقال له دلّويه ــ سمعتُ عليّ بن الجعد يقول: مات - والله - معاوية على غير الإسلام) [الجامع لعلوم الإمام أحمد ج4 ص524].

قال الذهبيّ: (عليّ بن الجعد، الحافظ الثبت المسند، شيخ بغداد، أبو الحسن الهاشميّ مولاهم الجوهريّ، ولد سنة أربع وثلاثين ومائة). وقال: (فعليٌّ إمامٌ كبيرٌ حجّةٌ) [سير أعلام النبلاء ج10 ص466، تذكرة الحفاظ ج1 ص399–400].

وممن صحّح الحديث أيضاً من المعاصرين: الشيخ حسن فرحان المالكيّ في كتابه: "هل مات معاوية على دين الإسلام"؟، والدكتور عدنان إبراهيم والدكتور محمّد المسعريّ، والأخيران ذكرا صحّة الحديث في بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ.