هل قصة خلق حواء مأخوذة من أسطورة سومرية؟
السؤال: يذكر خزعل الماجديّ: يُشتق اسم حواء من اسم الإلهة السومريَّة نينتي، الذي يحمل معنيين هما "سيدة الضلع" و"التي تحيي". وهذا ما دفع اليهود إلى رواية قصة خلق حواء من ضلع آدم؟
الجواب:
قبل أن نبدأ بطرح الدكتور خزعل الماجديّ لا بدّ من بيان قيمة الدليل الاركيولوجيّ – الذي هو علم الآثار الذي يختصّ بدراسة مخلّفات الإنسان القديمة –، فنقول:
إنّ الدليل الاركيولوجيّ لا يرتقي أن يكون دليلًا قطعيّاً – كما يزعم البعض -كالعلوم الطبيعيَّة؛ وذلك لعدّة أسباب، منها ضياع كثيرٍ من الآثار، والاختلاف في تحديد زمن تلك الآثار، وكذلك عدم موضوعيّة الباحث، وغيرها من الأسباب، ممّا يجعل التعامل مع الآركيولوجيا كدليلٍ قطعيٍّ لنفي الأحداث التاريخيّة - خاصةً فيما يتعلق بالدين - غير موضوعيّ، فالبحث الآركيولوجيّ محدودٌ خاضعٌ للتأويلات ومتأثّرٌ بتحيّزاتٍ فلسفيّةٍ ممّا يجعله غير كافٍ لدحض أو إثبات الروايات الدينيَّة. [ينظر: الوجود التاريخيّ للأنبياء ص43-77].
إذا عرفت هذا، فاعلم أنَّ خزعل الماجديّ طرح في كتابه (أنبياء سومريون) نظريته بالاعتماد على بعض الأساطير والنصوص السومريَّة. فيشير إلى أنّ الإله نينتي كانت تعرف بأنّها السيدة التي تحيي الميت، وأنّ اسمها مرتبطٌ بمعنيين الحياة والضلع، ويرى الماجديّ أنّ هذا التشابه اللغويَّ هو الذي دعى إلى ظهور أسطورة خلق حوّاء من ضلع آدم عند اليهود في سفر التكوين، كما يعقد صلة بين قصة إنكي وننخرساج السومريَّة إذ تشفي ضلع الإله إنكي.
يقول الماجديّ: (نينتي نوجا معنى اسمها بالسومريَّة السيّدة التي تحيي الميت، واسمها هذا يشير صراحةً إلى وظيفتها الطبيّة ويبدو أنّها آلهة سومريّة قديمة... وهذه الآلهة هي التي نرجّح أنّها تشكّل الجذر اللغويّ والمعنويّ لشخصيّة حوّاء؛ لأنّ كلمة ننتي تعني السيّدة التي تحيي - أي حوّاء - كما أنّ كلمة تي تحمل معنيين: أوّلهما الحياة، وثانيهما الضلع؛ ولذلك ترجّح مع صموئيل نو كريمر أنْ يكون إيحاء المعنى الثاني هو الذي ساهم في نشوء أسطورة خلق حوّاء من ضلع آدم وتكرّس هذه المسألة أسطورة إنكي وننخر ساج في دلمون، حيث تقوم هذه الآلهة بشفاء ضلع الإله إنكي؛ ولأنّ هذا كلّه يحصل في الجنّة السومريَّة دلمون فيعقد كريمر صلةً بين حوّاء وخلقها من الضلع في الرواية التوراتيَّة وبينما يسمّيه بهذا التطابق عن طريق التورية والتلاعب بالألفاظ ونحن نميل إلى هذه الفكرة إذا أخذنا بالاعتبار أنّ هناك حادثة تشكل خلفية آدم وحوّاء التوارتيَّة وهي تناول الثمر والنبات المحرّم وهو ما يفعله إنكي وما فعله آدم وحوّاء). [أنبياء سومريون ص109-111].
ويمكن الملاحظة على هذا الادّعاء من عدة جهات:
الأولى: التناقض في الرواية السومريَّة:
فعند التمعّن في الأسطورة السومريَّة التي يستند إليها خزعل الماجديّ، نجد أن الادّعاء بوجود تطابق بينها وبين قصة خلق آدم وحواء في التوراة يفتقر إلى الدقة؛ فالإلهة (ننتي)، التي يُفترض أنها تمثل (حواء)، لا تُخلق من ضلع أحد، بل تقوم بمعالجة ضلع الإله (إنكي)، مما ينفي فكرة اقتباس قصة خلق حواء من الضلع التي وردت في التوراة. بالإضافة إلى ذلك، فإن (إنكي) في هذه الأسطورة له أربعة أبناء، أحدهم (دموزي)، والذي يفترض الماجديّ أنه آدم، لكن تفاصيل حياة دموزي لا تتطابق مع قصة آدم في التوراة أو في القرآن. وهنا يبرز التساؤل الجوهريُّ: إذا كان دموزي هو آدم، فأين ذكر خلق حواء من ضلعه؟ ولماذا لا تتوافق مسيرة حياتهما؟
الثانية: التأويل القسريّ والتلاعب بالألفاظ:
إذْ يبدو أن الماجديّ يعتمد على تطابقاتٍ لغويَّةٍ مفترضة، فيحاول أنْ يربط بين (ننتي) وحواء، وبين (دموزي) وآدم، وبين (دلمون) والجنّة، دون تقديم أدلةٍ قاطعةٍ على هذا الترابط. إنَّ مجرد التشابه اللفظيّ بين الكلمات لا يعني تطابقًا في المعاني أو الأصول، فقد يقع هذا التشابه عرضيًا دون أنْ يدلَّ على اقتباس أو تأثر مباشر. بل إن محاولة بناء استنتاجات كبرى على أساس تشابهاتٍ لغويَّةٍ غير مدعومةٍ بقرائن قوية قد تندرج ضمن مغالطة الاشتراك اللفظيّ، حيث يتم الخلط بين معانٍ مختلفة لمجرد تشابه الأسماء.
الثالثة: الفارق الزمنيّ واللغويّ بين السومريين واليهود
تتطلّب دراسة العلاقة بين اللغات القديمة معرفةً دقيقةً بأصول الكلمات وقواعد التحوّل اللغويّ، وهو أمرٌ لم يقدّم الماجديّ فيه تحليلاً علميًا دقيقًا. فاللغة السومريَّة لغةٌ معزولةٌ وليست من اللغات السامية التي تنتمي إليها العبريَّة، مما يجعل الربط بينهما لغويًا أمرًا يحتاج إلى أدلةٍ واضحةٍ، كما أن أي ادّعاء بوجود تأثيرٍ لغويٍّ مباشرٍ بينهما يستلزم إثبات وجود قنواتٍ تاريخيَّةٍ لنقل المعاني والمفاهيم، وهو ما لم يوضحه الماجديّ.
الرابعة: البعد الثقافيّ والعرقيّ بين السومريين واليهود:
هناك فجوةٌ حضاريَّةٌ واسعةٌ بين السومريين واليهود، سواءٌ من حيث اللغة، العرق، الفكر الدينيّ، والبنية الثقافية. فاليهود - على عكس الشعوب الأخرى - شعبٌ مغلقٌ دينيًا، ودينهم لم يكن تبشيريًا، مما يعني أنهم لم يكونوا عرضةً لتأثيراتٍ خارجيَّةٍ واسعةٍ في بناء عقيدتهم. وبالتالي، فإن فرضية اقتباسهم أساطير السومريين تتناقض مع طبيعة الفكر الديني اليهوديّ الذي يميل إلى إعادة تفسير الظواهر بما يتوافق مع خصوصيته الدينيَّة، وليس مجرد نقلها كما هي.
الخامسة: الفرق الجوهريُّ بين الأساطير والنصوص الدينيَّة
قد يبدو لبعض الباحثين أن هناك تشابهاتٍ بين الأساطير القديمة والنصوص الدينيَّة، لكن هذه التشابهات لا تعني بالضرورة الاقتباس أو الاستنساخ، بل قد تكون تعبيرًا عن تفاعل الحضارات مع مفاهيم وجوديَّةٍ مشتركة. والواقع أنَّ النصوص الدينيَّة تتميز بروحها الفلسفيَّة والعقديَّة التي تختلف عن الأساطير، مما يجعل اختزالها مجرد إعادة إنتاجٍ للأساطير السومريَّة قراءةً سطحيَّةً تتجاهل الفروقات العميقة بينهما.
الحاصل: إن محاولة تفسير النصوص الدينيَّة على أنها مجرد امتدادٍ للأساطير القديمة ليست سوى تأويلٍ متعسّفٍ قائمٍ على فرضياتٍ غير مثبتة؛ فالتشابه الظاهريُّ بين بعض العناصر لا يثبت الاقتباس أو النقل المباشر، بل قد يكون نتيجة لتداخل الحضارات في فهم قضايا الخلق والوجود، أو حتى مجرد تقاربٍ في التصورات الرمزيَّة التي تبنّتها الشعوب القديمة.
ومن هنا، فإن التفسير الذي يطرحه الماجديّ لا يقوم على أسسٍ لغويَّةٍ أو تاريخيَّةٍ متينة، بل يعتمد على تأويلاتٍ غير دقيقة، قد تقع في مغالطة التعميم المتسرّع، التي تستند إلى استنتاجاتٍ واسعةٍ من تشابهاتٍ ضيقةٍ دون أدلةٍ قاطعة.
اترك تعليق