هل ينفي العلم وجود آدم وحواء؟

العلمُ ينفي وجودَ آدمَ وحوّاء بالأدلّة: لماذا العلمُ يرفضُ فرضيّةَ انحدارِ البشرِ مِن شخصينِ فقط؟ بحسبِ بياناتٍ وإحصاءاتٍ ودراساتٍ علميّة؛ ففي تاريخِ البشرِ المُعاصر (جنس هومو) لم تحصل حالاتُ اختناقٍ سُكانيّةٍ ضيّقة جدّاً علميّاً ما يُعرفُ ب"عُنقِ الزجاجة" أي انخفاضٍ في عَددِ البشرِ إلى حَدِّ شَخصين!! بل أكثرُ حالاتِ عُنقِ الزُجاجةِ التي سُجّلت هيَ ما بين 10,000-15,000 فرداً وليسَ فردان!. ليسَ هذا فقط بل الجيناتُ التي في أجسامِنا تعودُ إلى حقبٍ تاريخيّةٍ مُختلفةٍ ومُتباعدةٍ، حيثُ يُشيرُ الدنا الميتوكوندريا إلى أنَّ الجيناتِ الموجودةَ في تلكَ العُضيّة تعودُ لسلفٍ واحدٍ وهيَ أنثى عاشَت قبلَ 140000 سنة. والجيناتُ الموجودةُ على الكروموسوم Y تعودُ إلى رجلٍ واحدٍ عاشَ منذُ حوالي 208,000 سنة. وليسَ فقط التباعدُ في الفتراتِ الزمنيّة بل علاوةً على ذلك، فإنَّ معظمَ الجيناتِ الموجودةِ في النواةِ تعودُ كلّها إلى أوقاتٍ مُختلفة - منذُ ما يقربُ مِن مليوني عام. والتنوّعُ الجينيّ في الجينومِ البشريّ منَ المُحالِ أن يأتي مِن شَخصين فقط بغضِّ النَظرِ عن فترةِ عيشِهما، بل يأتي مِن أسلافٍ مُختلفة وكما هوَ متوقّعٌ فإنَّ تراثنا الوراثيَّ يأتي منَ العديدِ منَ الأفرادِ المُختلفين.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

منَ المؤكّدِ أنّه لا توجدُ نظريّةٌ علميّةٌ متكاملةٌ عليها إجماعُ العلماءِ حولَ خلقِ الإنسانِ وبدايةِ تكوّنِ البشر، وكلُّ ما هو موجودٌ مجموعةٌ منَ الفرضيّاتِ العلميّة التي تفتقدُ الأدلّةَ القاطعةَ على صدقِها، فمُضافاً للتّباينِ بينَ الأوراقِ العلميّة المُقدّمةِ في هذا الشأن هناكَ فراغاتٌ لم يتمكّن العلمُ مِن سدّها ببراهينَ علميّةٍ مُحكمة، ولذا يُضطرُّ العلماءُ في كثيرٍ منَ الأحيان إلى التقديراتِ والتخميناتِ العلميّة لسدِّ هذه الفراغات.

وفي مقابلِ ذلكَ نجدُ قضيّةَ خلقِ الإنسانِ في القرآنِ أكثرَ وضوحاً ومنطقيّةً، فإنَّ اللهَ هوَ الذي خلقَ آدمَ وحوّاء، وزاوجَ بينَهما، ومِنهما تكاثرَ البشر.

وإذا توقّفنا بشكلٍ سريع على ما ذكرَه صاحبُ الإشكال نجدُ أنّه اعتمدَ في دعواهُ على عدّةِ أمور:

أوّلُها: ظاهرةُ عنقِ الزّجاجة: ويقصدُ مِنها انخفاضُ عددِ البشرِ أو الحيواناتِ إلى مستوىً يقتربُ مِن حافّةِ الانقراض، سواءٌ كانَ ذلكَ نتيجةَ عواملَ طبيعيّةٍ مثلَ الكوارث، أو عواملَ غيرِ طبيعيّةٍ مثلَ عمليّاتِ الصيدِ الجائر، والحيواناتِ التي تتعرّضُ لهذه الظاهرةِ (عنقُ الزّجاجة) تفتقدُ الكثيرَ مِن مُميّزاتها الوراثيّة الأمرُ الذي يجعلُها أكثرَ تأثّراً وحساسيّةً بالبيئةِ التي تعيشُ فيها، أي أنَّ الحيواناتِ التي تتبقّى منَ الانقراضِ تكونُ أكثرَ عُرضةً للإصابةِ بالأمراضِ لأقلِّ تغيّرٍ في المناخ، والسببُ في ذلك أنّها تفقدُ الكثيرَ مِن مُميّزاتها الوراثيّة التي كانَت عليها سابقاً، وهذا يَقودُ بدورِه إلى فرضيّةِ أنَّ عنقَ الزجاجةِ السكانيّة يُمكنُها إنتاجُ أنواعٍ جديدةٍ منَ المخلوقاتِ الحيّة.

ولم نفهَم كيفَ تثبتُ ظاهرةُ عنقِ الزّجاجةِ بأنَّ البشرَ لا يرجعونَ إلى أصلٍ واحدٍ وهوَ آدمُ وحوّاء؟ فحتّى ريتشارد دوكنز عالمُ الأحياءِ التطوّريّ وزعيمُ الإلحادِ افترضَ أنَّ البشرَ الحيّينَ انحدروا مِن أنثى واحدةٍ (حوّاء) قبلَ حوالي 140,000. ومِن سلفٍ واحدٍ ذكرٍ (آدم) مِن قبلِ حوالي 60,000 إلى 90,000 عام، وبعيداً عن هذهِ التواريخِ التقديريّة فإنَّ ظاهرةَ عُنقِ الزجاجةِ لا تتعارضُ معَ كونِ البشرِ يرجعونَ جميعاً إلى أصلٍ مُشترك، وكلُّ ما يمكنُ أن تثبتَه هذهِ الظاهرةُ هوَ التغييرُ الوراثيّ الذي يحصلُ عندَ الحيواناتِ التي تتعرّضُ للانقراض.

وقد وقعَ صاحبُ الإشكالُ في تناقضٍ واضحٍ عندَما اعتمدَ على ظاهرةِ (عُنقِ الزّجاجة) حتّى ينفي رجوعَ البشرِ إلى فردينِ فقط، ولكنّه سريعاً ما نسيَ ذلك واستعرضَ لنا دراساتٍ علميّةً تثبتُ رجوعَ الجيناتِ الأنثويّةِ إلى أنثىً واحدةٍ عاشَت قبلَ 140000 سنةٍ، ورجوعَ الجيناتِ الذكوريّة إلى ذكرٍ واحدٍ عاشَ قبلَ 208000 سنة.

ثانياً: اعتمدَ على كونِ الجيناتِ التي في أجسامِنا تعودُ إلى حقبٍ تاريخيّةٍ طويلةٍ جدّاً، وهذا ليسَ كافياً لنفي رجوعِ البشرِ جميعاً إلى آدمَ وحوّاء، فإنَّ الأمرَ الذي ينفي ذلكَ هوَ وجودُ جيناتٍ وراثيّةٍ مُتباينةٍ بينَ البشرِ الحاليّين، وهذا ما أثبتَ العلمُ خلافَه، وقد أجريَت أبحاثٌ علميّةٌ حديثةٌ على جينومِ البشرِ حيثُ تمَّ أخذُ عيّنات DNA مِن بشرٍ في أماكنَ مُختلفةٍ منَ العالم وتمَّ تحليلُها وربطُها بالتسلسلِ التاريخيّ لمعرفةِ أصلِ الإنسان، وقد توصّلَت هذهِ الأبحاثُ إلى نتائجَ جازمةٍ بأنَّ جميعَ البشرِ ينحدرونَ مِن أصلٍ واحد، وقد أطلقَ الفريقُ البحثيّ على ذلكَ مُصطلحَ "الشجرةِ الوراثيّة" والتي تمثّلُ جامعاً مُشتركاً بينَ جميعِ البشرِ الحاليّين، ففي عامِ 2013، أظهرَت دراسةٌ نُشرَت في مجلّةِ Science أنَّ كلَّ رجلٍ على قيدِ الحياةِ تقريباً اليوم يمكنُه تتبّعُ أصولِه إلى رجلٍ واحدٍ عاشَ منذُ حوالي 135000 عام، وأنَّ هذا الرّجلَ القديمَ كانَ على قيدِ الحياة في نفسِ الوقتِ الذي كانَت فيهِ المرأةُ التي يعرفُها بصفتِها (أمّ جميعِ النساء)، كما قدّمَت دليلاً على (آدمَ وحوّاء)، المعروفينَ باسمِ آدم كروموسوم Y وحوّاء الميتوكوندريا.

وفي ذلكَ دليلٌ كافٍ على عدمِ التنافي بينَ قصّةِ آدمَ وحوّاء كما جاءَت في القرآنِ الكريم وبينَ هذهِ البحوثِ العلميّة، فكلاهُما يثبتانِ أنَّ أصلَ البشرِ يرجعُ إلى رجلٍ واحدٍ وامرأةٍ واحدة حصلَ بينَهما تزاوجٌ، ولا يضيرُ ذلكَ هذه التواريخُ الموغلة في القِدم؛ وذلكَ لأنَّ تلكَ التواريخَ تعتمدُ على تقديراتٍ ليسَت جزميّةً بالضرورة.