دَعْوَى أَنَّ عِلْمَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالغَيْبِ يَنْفِي القُدْرَةَ عَنْهُ عَلَى تَغْيِيرِ المُسْتَقْبَلِ.

رَاغِبٌ مُوحَان /:العِلْمُ بِالغَيْبِ يَنْفِي القُدْرَةَ عَلَى تَغْيِيرٍ المُسْتَقْبِلِ، فَلَوْ كَانَ الإِلَهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ مُنْذُ الأَزَلِ، أَيْ مَاذَا يَحْصُلُ، وَمَاذَا سَيُصْبِحُ، وَمَاذَا سَوْفَ يَزُولُ وَيَظْهَرُ. إِذَنْ هُوَ مُنْذُ الأَزَلِ عَالِمًا بِكُلِّ شَيْءِ. إِذْنْ لَا يُمْكِنُ لَهُ تَغْيِيرُهُ، فَإِذَا كَانَ لَهُ قُدْرَةُ التَّغْيِيرِ، إِذَنْ هُوَ مُنْذُ الأَزَلِ لَا يَعْلَمُ مَاذَا يَحْدُثُ وَمَاذَا سَيَفْعَلُ.

: اللجنة العلمية

       وَيُجَابُ عَنْهُ عَلَى عِدَّةِ مُسْتَوَيَاتٍ:

      الأَوَّلُ: لَوْ فَرَضْنَا صِحَّةَ مَا قِيلَ فَالَّذِي يَتَغَيَّرُ هُوَ المَعْلُومُ لَا العِلْمُ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَغَيَّرُ، لِأَنَّ العِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي إِمَّا تُوجَدُ أَوْ تَعْدَمُ. 

      الثَّانِي: أنَّ الوِجْدَانَ عَلَى خِلَافِ مَا قِيلَ تَمَامًا، فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ عِلْمِ المُدَرِّسِ بِحَالِ التِّلْمِيذِ الَّذِي لَا يُحَضِّرُ دُرُوسَهُ وَلَا يَهْتَمُّ بِهَا، فَهُوَ عَالِمٌ بِالنَّتِيجَةِ الَّتِي سَيَؤُولُ إِلَيْهَا ذَلِكَ التِّلْمِيذُ، لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَغْيِيرِ الوَاقِعِ.

       إِذَنْ: لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ وَعَدَمِ العِلْمِ. فَرُبَّ شَيْءٍ مَعْلُومٌ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ.

     الثَّالِثُ: أنَّ التَّغْيِيرَ مَوْجُودٌ مِنْ قِبَلِ الخَالِقِ لَكِنْ لَا عَلَى نَحْوِ الفِعْلِ، بَلْ بِنَحْوِ التَّوْجِيهِ وَبَيَانِ الحَالِ، وَهَذَا نَظِيرُ الطَّبِيبِ الَّذِي شَخَّصَ المَرَضَ، فَهُوَ يَصِفُ العِلَاجَ الَّذِي إِنْ سَارْ عَلَيْهِ المَرِيضُ شُفِيَ، فَإِنْ لَمْ يَسِرْ لَا يُلَامُ الطَّبِيبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالمَرَضِ، بَلْ اللَّوْمُ يَقَعُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِمَا يُغَيِّرُ حَالَهُ نَحْوَ الأَفْضَلِ.

      الرَّابِعُ: أنَّ التَّعْبِيرَ بِالعِلْمِ مِنْ الأَزَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الإِنْسَانَ وَالمَوْجُودَاتِ جَمِيعًا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي الأَزَلِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَعَدُّدُ القَدِيمِ.