حَقِيقَةُ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ عِنْدَ العَامَّةِ.

أُمُّ أَحْمَدَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. القَوْلُ بِأَنَّ هُنَاكَ صِحَاحًا سِتَّةً، يَقُولُ الإِمَامُ الأَلْبَانِيُّ: فَمِنْ الخَطَأِ أَيْضًا إِطْلَاقُ بَعْضِ المُتَأَخِّرِينَ عَلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ: "الصِّحَاحَ السِّتَّةَ "أَيْ الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ لَمْ يَلْتَزِمُوا الصِّحَّةَ، وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ عُلَمَاءُ المُصْطَلَحِ كَابْنِ الصَّلَاحِ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَالعِرَاقِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ السُّيُوطيُّ فِي "أَلْفِيَّتِهِ ص 17": يَرْوِي أَبُو دَاوُدَ أَقْوَى مَا وَجَدَ ثُمَّ الضَّعِيفَ حَيْثُ غَيْرُهُ فُقِدَ، وَالنِّسَائِيُّ مَنْ لَمْ يَكُونُوا اتَّفَقُوا تركا لَهُ، وَالآخَرُونَ أَلْحَقُوا بِالخَمْسَةِ ابْنَ ماجَةَ، قِيلَ: وَمن ماز بِهِمْ، فَإِنْ وَهَنَ تَسَاهَلَ الَّذِي عَلَيْهِ أطْلقَا صَحِيحَة وَالدّرَامِيُّ والمنتقي". ضَعِيفُ سُنَنِ التِّرْمِذِي ص (22).

: اللجنة العلمية

الأُخْتُ أُمُّ أَحْمَدَ المُحْتَرَمَةُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

1- تُعْتَبَرُ هَذِهِ المَسْأَلَةُ ثَانَوِيَّةً وَغَيْرَ مُهِمَّةٍ مِنْ النَّاحِيَةِ العِلْمِيَّةِ كَوْنُهَا لَا تُقَلِّبُ الحَقَائِقَ عَنْ طَرِيقِ اخْتِلَافِ المُسَمَّيَاتِ وَالأَلْفَاظِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ الكُتُبِ هُوَ تَفَاوُتُ دَرَجَةِ صِحَّةِ أَحَادِيثِهَا وَعَدَمُ كَوْنِهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ - حَتَّى مَنْ يُطْلِقُ عَلَيْهَا صِحَاحًا -: إنَّ كُلَّ مَا فِي هَذِهِ الكُتُبِ صَحِيحًا يَجِبُ الإعْتِقَادُ بِثُبُوتِهَا وَصُدُورِهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) حَيْثُ إنَّ هُنَاكَ إِجْمَاعًا عِنْدَهُمْ عَلَى التَّسْلِيمِ بِصِحَّةِ صَحِيحَيْ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي الجُمْلَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ كُلَّ مَا فِي هَذِهِ الكُتُبِ السِّتَّةِ هُوَ صَحِيحٌ وَثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) وَلَا هُوَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ إنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ السَّادِسِ وَهُوَ سُنَنُ ابْنِ ماجَةَ، وَلَمْ يَحْصُلْ إِجْمَاعٌ عَلَى كَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الكُتُبِ الجَامِعَةِ لِلأَحَادِيثِ وَسُنَنِ الأَحْكَامِ، بَلْ بَعْضُهُمْ فَضَّلَ مَوْطِأَ مَالِكٍ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَ سُنَنَ الدَّارْمِي، وَثَالِثٌ قَدَّمَ المُنْتَقَى أَيْضًا، وَلِذَلِكَ فَإنَّهُ لَا أَقَلَّ أَنَّ سُنَنَ ابْنِ ماجَةَ مِنْ بَيْنِ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِيهِ كَلَامٌ، فَضْلًا عَنْ حُكْمِ مِثْلِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِي عَلَى بَعْضِ أَحَادِيثِهِمْ الَّتِي أَخْرَجُوهَا بِالضَّعْفِ أَوْ الغَرَابَةِ، نَاهِيكَ عَنْ اخْتِلَافِ شُرُوطِ رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ فِي رُوَاةِ أَسَانِيدِ أَحَادِيثِهِمْ فِي كُتُبِهِمْ، حَيْثُ إنَّ البُخَارِيَّ أَكْثَرُهُمْ تَشَدُّدًا فِي الشُّرُوطِ، كَشَرْطِهِ ثُبُوتَ اللِّقَاءِ بَيْنَ الرُّوَاةِ فِي الأَسَانِيدِ المُعَنْعَنَةِ، بَيْنَمَا تَجِدُ مُسْلِمًا لَا يَشْتَرِطُ فِيهَا أَلَّا المُعَاصَرَةَ وَإِمْكَانَ اللِّقَاءِ، حَتَّى إنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ شَرْطَ النِّسَائِيِّ أَشَدُّ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِذَلِكَ اعْتَبَرُوا سُنَنَهُ أَفْضَلَ وَأَصَحَّ السُّنَنِ الأَرْبَعَةِ بَعْدَ الصَّحِيحَيْنِ، بِالإِضَافَةِ إِلَى عَدَمِ الْتِزَامِ أَصْحَابِ هَذِهِ الكُتُبِ الأَرْبَعَةِ بِرِوَايَةِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَعَدَمِ تَسْمِيَتِهِمْ لِكُتُبِهِمْ بِالصِّحَاحِ.

2 - مِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ المَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مُهِمَّةً كَوْنُهَا لَا تَعْكِسُ الحَقِيقَةَ فِي ثُبُوتِ الحَدِيثِ وَصِحَّتِهِ مِنْ عَدِمِهِ، وَإِنَّمَا يُعَامَلُ الحَدِيثُ بِالنَّظَرِ إِلَى إِسْنَادِهِ حَتَّى فِي أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، خُصُوصًا مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِ المُخَالِفِينَ الآنَ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ عِصْمَةِ أَصْحَابِهَا، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَفْضَلُ وَأَسْلَمُ مِنْ الجَدَلِ مَعَهُمْ وَمُحَاوَلَةِ إِلْزَامِهِمْ بِمَا لَا يَلْتَزِمُونَ، بِالإِضَافَةِ إِلَى حُصُولِ فَائِدَةِ إِمْكَانِيَّةِ تَقَبُّلِ المُخَالِفِ لِلنَّظَرِ فِي أَسَانِيدِ الصَّحِيحَيْنِ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ عِصْمَةِ أَصْحَابِهَا مِنْ الخَطَأِ فِي الحُكْمِ عَلَى الحَدِيثِ أَوْ السَّهْوِ أَوْ الوَهْمِ، وَبِالتَّالِي مُحَاوَلَةُ إِبْعَادِهِمْ عَنْ الْغُلُوِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَى دَرَجَةِ التَّقْدِيسِ وَالعِصْمَةِ، خُصُوصًا مَعَ تَنَاقُضِ مَوَاقِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ، حَيْثُ يُوجَدُ مِنْ العُلَمَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ الْتَزَمُوا الصِّحَّةَ فِي تَخْرِيج أَحَادِيثِ كُتُبِهِمْ غَيْرَ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَعَدَمَ التَّسْلِيمِ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِصِحَّةِ كُتُبِهِمْ كَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَصَحِيحِ ابْنِ حَبَّانَ، ومُستَدرَكِ الحَاكِمِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَالمُنْتَقَى وَالمُخْتَارَةِ ومَوْطأ مَالِكٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الكُتُبِ، فَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي مَوَاقِفِهِمْ وَغَلُوٌّ مِنْهُمْ فِي تَمْيِيزِ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا.

3 - نَعَمْ، هُنَاكَ مَنْ أَطْلَقَ مُصْطَلَحَ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ، وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الَى الآنَ مِنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ غَيْرِ السَّلَفِيَّةِ وَالوَهَّابِيَّةِ كَوْنُهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى مَا فِي هَذِهِ الكُتُبِ فِي الأَحْكَامِ كَوْنُهَا قَدْ اسْتَوْعَبَتْ أَبْوَابَ الفِقْهِ، وَمَوَارِدَ الإجْتِهَادِ، وَاسْتِنْبَاطَ الأَحْكَامِ، وَتَسْلِيمَ جُمْهُورِهِمْ بِمَرْجِعِيَّتِهَا، وَالإسْتِدْلَالِ بِهَا وَبِعُمُومِ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحَادِيثَ لِكَوْنِهَا تُحَقِّقُ الحَدَّ الأَدْنَى لِلقَبُولِ وَالصِّحَّةِ وَالإطْمِئْنَانِ بِشُهْرَتِهَا، وَمِنْ ثَمَّ صُدُورُهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَعَدَمِ اللُّجُوءِ إِلَى العَمَلِ بِالقِيَاسِ وَالإسْتِحْسَانِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَتَرْكِ الحَدِيثِ الوَارِدِ فِيهَا مِنْ بَابِ كَوْنِهَا كُتُبًا مُعْتَبَرَةً وَمَعْمُولًا بِمَا فِيهَا، وَمِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ المُنجَبِرِ بِالشُّهْرَةِ أَوْ عَمَلِ العُلَمَاءِ بِهِ عَلَى الرَّأْيِ. وَاللهُ العَالِمُ.

4 - يَرُدُّ عَلَى الأَلْبَانِيِّ فِي كَلَامِهِ هَذَا وُجُودُ شَاهِدٍ لِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ الَّذِي حَاوَلَ رَدَّهُ وَتَكْذِيبَهُ، وَقَدْ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابٍ آخَرَ لَهُ مِنْ دُونِ وُجُودِ نَاقِلٍ حَتَّى يُطْعَنَ فِيهِ وَيَرُدَّ قَوْلَهُ، كَمَا جَاءَ فِي كِتَابِهِ "العِلَلِ" فِي آخِرِ صَحِيحِهِ الجَامِعِ حَيْثُ قَالَ: جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الكِتَابِ مِنْ الحَدِيثِ هُوَ مَعْمُولٌ بِهِ، وبِهِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ (وَذَكَرَ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَمْعِ النَّبِيِّ (ص) بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ، وَالآخَرُ فِي قَتْلِ شَارِبِ الخَمْرِ بَعْدَ إِقَامَةِ حَدِّ الجَلْدِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ، وَحَدِيثُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ قَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

بِالإِضَافَةِ إِلَى تَأْيِيدِ القَوْلِ بِصِحَّةِ جَامِعِ التِّرْمِذِي الَّتِي سَلَّمَ بِهَا عُلَمَاءُ مُتَقَدِّمُونَ وَقَرِيبُو عَهِدٍ بِالتِّرْمِذِيِّ، كَمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ القَوْلَ بِالصِّحَّةِ مِثْلُ الحَافِظَيْنِ الكَبِيرَيْنِ الحَاكِمِ النَّيسَابُورِي وَالخَطِيبِ البَغْدَادِي.

وَكَذَا الحَالُ فِي القَوْلِ بِصِحَّةِ سُنَنِ النِّسَائِيِّ حَيْثُ جَمَعَ النِّسَائِيُّ سُنَنَهُ الكُبْرَى وَسَمَّاهَا "الْمُجْتَنِي" وَمِنْ ثَمَّ اخْتَصَرَهُ بِتَخْرِيجِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْهُ فَسَمَّاهُ "الْمُجْتبَى".

وَكَذَا الحَالُ فِي سُنَنِ ابْنِ ماجَةَ الَّذِي يُعْتَقَدُ بِصِحَّةِ كِتَابِهِ وَقُبُولِ أَحَادِيثِهِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الأمْصَارِ الإِسْلَامِيَّةِ حَيْثُ يَقُولُ:

عُرِضَتْ هَذِهِ السُّنَنُ عَلَى أَبِي زَرْعةَ فَنَظَرَ فِيهِ وَقَالَ: أَظُنُّ إِنْ وَقَعَ هَذَا فِي أَيْدِي النَّاسِ تَعَطَّلَتْ هَذِهِ الجَوَامِعُ أَوْ أَكْثَرُهَا...

وَقَالَ المباركفوري السَّلَفِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ تُحْفَةِ الأحوَذِي شَرْحُ سُنَنِ التِّرْمِذِي: وَأمَّا سُنَنُ ابْنِ ماجَةَ فَهُوَ سَادِسُ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ.

وَقَالَ حَاجِي خَلِيفَة فِي كَشْفِ الظُّنُونِ مِنْ قَبْلِهِ أَيْضًا: إنَّهُ سَادِسُ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ.

بَلْ حَتَّى مِثْلِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ الروزبهان وَالذَّهَبِيِّ لَمْ يَسْتَنْكِرُوا أَوْ يَتَحَسَّسُوا مِنْ إِطْلَاقِ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ عَلَى هَذِهِ الكُتُبِ نَاهِيكَ عَنْ غَيْرِهِمْ الكَثِيرِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.. وَاللهُ العَالِمُ.

وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.