الاختلاف بين المؤمنين
كيف نتعامل مع حالات الاختلاف بين المؤمنين؟
الجواب
في البداية يجب التفرقة بين لفظين هما: الخلاف والاختلاف، فالخلاف تصادم الآراء وتناقضها لسببٍ من الأسباب كالتعصب ونحوه، بعكس الاختلاف فإنه تنوع وجهات النظر وتفاوتها لاختلاف الافهام. فإن الاختلاف في الأفكار والرؤى والنظريات وفي تقييم الأمور، أمرٌ قهريٌّ جُبل عليه الانسان ولا خلاف فيه؛ لعدم التطابق بين بني البشر بحسب مقتضى الحكمة الإلهيَّة، فكثيرة هي الظواهر البشريَّة التي نختلف فيها، فضلاً عن الأفكار والرؤى، ولكن ليسَ بالضرورة أنَّ كل اختلاف يؤدي إلى خِلاف؛ وذلك لأن الاختلاف على نوعين:
١ـ اختلاف يؤدي إلى خلاف، للجهل بالحقائق أو للتعصب أو لأهواءٍ ومصالح شخصية.
٢ـ اختلاف لا يؤدي إلى خلاف: إذا أديرت الآراء بروحٍ إيجابية، بتقديرٍ واحترامٍ متبادلين، فيمكن الاستفادة منه بما يثري المعرفة، ويطور الأفكار، ويقلص فجوات الشقاق. إذا اتضح ما تقدَّم، فلابد من الحرص على بعض النقاط التي يمكن أنْ تساعد في التعامل مع هذا الاختلاف وإدارة الحوار:
1- يجب التمييز بين العقائد والثوابت الدينيَّة التي لا تقبل الجدال، وبين الأمور الاجتهاديَّة التي تختلف فيها الآراء، فغالبية الخلافات بين المؤمنين تكون في مسائل اجتهاديَّةٍ وليست من أصول الدين.
2- إنّ الله خلق الناس مختلفين في عقولهم وأفكارهم، وهذا التنوع مقبولٌ بل مطلوبٌ لنهضة المجتمعات. قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}، [هود 118]، وهذا يدل على أنَّ الاختلاف سنةٌ كونيَّةٌ من السنن الإلهية.
3- يجب أنْ يكون الحوار بين المؤمنين قائماً على الاحترام والتقدير، والالتزام بأدب الحوار مثل الإنصات، حسن الظن، وعدم التسرع في الحكم، وليس بالجدال العقيم، لأنَّه مذمومٌ بنص القرآن الكريم.
4- التعامل مع الآخر بأخلاق النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، مثل التسامح، العفو، والرفق. وعدم التعصب للرأي الشخصي أو المدرسة الفكريَّة أو المذهبيَّة.
5- التركيز على القواسم المشتركة كالإيمان بالله تعالى، وحدة الهدف، والأمور التي تجمع المؤمنين مهما اختلفت آراؤهم. ويجب أنْ نتذكر أنَّ الاختلافات جزءٌ طبيعيٌّ من الحياة، وعليه ينبغي احترام آراء الآخرين والاعتراف بأنَّ لكل فردٍ وجهة نظره الخاصة.
6- خير ما نختم به كلامنا مقطعٌ من وصيَّةٍ لفقيه أهل البيت السيد محمد سعيد الحكيم (قدس سره الشريف) حيث قال: (من المتوقّع اختلاف وجهات النظر وتعدّد الاتجاهات، وما زلنا نؤكّد على أنْ يكون اتّخاذ القرار وتبنّي وجهة النظر الخاصّة لكلّ أحد مبنيّاً -بعد اللجأ إلى الله تعالى في التوفيق والتسديدـ على التثبّت، والتروّي، ومتابعة الميزان الشرعيّ، وتحرّي رضا الله جلّت آلاؤه، وصلاح الدين والمؤمنين، بعيداً عن الدوافع الخارجيّة، والمصالح الفرديّة، والمنافع المادّيّة والوهميّة -من حبّ الظهور وغيره-، مع تمام التعقّل والتدبّر في العواقب. كما نؤكّد بعد ذلك على استبعاد التعصّب، والعنف في فرض وجهة النظر على الغير، واحترام وجهة نظر الآخرين، وحسن الظنّ بهم، والتعامل معهم بتعقّلٍ وسعة صدر، ومحاولة توحيد الكلمة وتقريب وجهات النظر، وتقليل نقاط الخلاف مهما أمكن، والاهتمام بالمصالح المشتركة؛ فإنّ في ذلك توحيد الكلمة، وجمع الشمل، وبقاء الاُلفة، وله أعظم الأثر في بركة العمل، ونجاح السعي، وترتّب الثمرة، وفيه رضا الله تعالى، وسرور رسوله الكريم وآله الطاهرين -صلوات الله عليهم أجمعين-. والحذر كلّ الحذر من الشقاق، والتهاتك، والتقاطع، والتدابر، وصرف الطاقات في ذلك بدلاً من صرفها في المصالح المشتركة، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}، وقال عزّ من قائل: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. ثمّ الحذر من كيد الأعداء، الذين يتربّصون بنا الدوائر، ويحاولون إثارة الفتن والمشاكل، والله المسؤول في ردّ كيدهم، وتخييب سعيهم، إنّه أرحم الراحمين). [رسالة أبويّة ومسائل تهمّ طلبة الحوزة والمبلّغين ص٣٤].
والحمد لله رب العالمين.
اترك تعليق