هل صحّ في فضل معاوية شيءٌ؟

السؤال: هل صحّ في معاوية شيءٌ من الفضائل عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم - أيدك الله - أنَّ أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) قد وضعوا مجموعةً من الأحاديث المنسوبة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) في حق معاوية، ولكن لا يُوجد فيها حديثٌ صحيحٌ يمكن الاعتماد عليه من حيث الإسناد، وقد أورد ابن الجوزيّ في هذا السياق بإسناده إلى عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: (سألتُ أبي: ما تقول في عليٍّ ومعاوية؟ فأطرق ثمّ قال: اعلم أنّ عليّاً كان كثير الأعداء، ففتّش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجلٍ قد حاربه فأطروه كيداً منهم لعليّ) [الموضوعات ج2 ص24].

وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيّ - في بيان ذلك -: (فأشار [أحمد] بهذا إلى ‌ما ‌اختلقوه ‌لمعاوية ‌من ‌الفضائل ممّا لا أصل له) [فتح الباري ج7 ص104].

لهذا تجد البخاريَّ في باب فضائل الصحابة ذكرهم، بلفظ: (مناقب) أو (فضائل) حتّى إذا وصل إلى معاوية قال: (باب ذِكر معاوية) وقد نبَّه الحافظ على عدم اعتقاد البخاريّ بصحة ما نسب لمعاوية من فضائل تبعا لشيخه ابن راهويه فقال: (تنبيه: عبّر البخاريُّ في هذه الترجمة بقوله: (ذِكر)، ولم يقل: (فضيلة) ولا (منقبة)»; لأنّ شيخه إسحاق بن راهويه قد نصَّ على أنّه لم يصحّ في فضائل معاوية شيء) [فتح الباري ج7 ص104].

وقد أكَّد على ذلك كبار الحفاظ والمحدثين نذكر بعضاً منهم:

1ـ الحافظ إسحاق بن إبراهيم ابن راهويه [ت238هـ].

قال الأصمّ: حدَّثنا أبي، [يقول] سمعتُ ابن راهويه يقول: (لا يصح عن النبيّ (ص) في فضل معاوية شيء) [سير أعلام النبلاء ج3 ص132، الفوائد المجموعة ص 407].

2ـ الحافظ أحمد بن شعيب النسائيّ [ت303هـ].

فإنّه لـمّا دخل دمشق سُئل عن فضائل معاوية قال: ‌(أما ‌يكفي ‌معاوية ‌أنْ ‌يذهب ‌رأسًا ‌برأسٍ ‌حتى ‌يروى ‌له ‌فضائل)، فجعلوا يطعنون في خصيتيه حتى أخرج من الجامع، فسار من عندهم إلى مكة، فمات بها [البداية والنهاية ج14 ص794].

3ـ الحافظ محمد بن عبد الله الحكم النيسابوريّ [ت405هـ].

إنّ الحاكم النيسابوريّ يذهب إلى عدم صحة شيءٍ في فضل معاوية، وكان يظهر الحطّ عليه، حتى أنَّه لم يذكره في كتاب (معرفة الصحابة) من (المستدرك)، فأوذي بسبب ذلك، وقد قيل له: لو أمليتَ في فضائل معاوية حديثاً لاسترحتَ مما أنت فيه من المحنة، فقال: (لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي) [البداية والنهاية ج11 ص355، سير اعلام النبلاء ج17 ص175].

4ـ جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزيّ [ت597].

فإنّه بعد أنْ ذكر جملةً من الأحاديث الموضوعة في فضائل معاوية، نقل عن إسحاق بن راهويه قوله: (لا يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية بن أبى سفيان شيء)، وكلام أحمد بن حنبل: (إنَّ علياً عليه السلام كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيادا منهم له)، ولم يعلّق بشيء [الموضوعات ج2 ص24].

أقول: صنيعه هذا يشير إلى عدم صحّة الفضائل المرويّة في معاوية.

5ـ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية [ت728هـ].

هذا ابن تيمية رغم موالاته وتعصبه لبني أمية، إلَّا أنَّه يعتقد بوضع الفضائل لمعاوية حيث يقول: (وطائفةٌ وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبيّ (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في ذلك، كلها كذب) [منهاج السنَّة ج4 ص400].

6ـ الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزيَّة [ت751هـ].

قال: (ومن ذلك ما وضعه بعض جهلة أهل السنَّة في فضائل معاوية ابن أبي سفيان، قال إسحاق بن راهويه: «لا يصح في فضائل معاوية بن أبي سفيان عن النبيّ (ص) شيء». قلت: ومراده ومراد مَن قال ذلك من أهل الحديث أنّه لم يصحّ حديثٌ في مناقبه بخصوصه، وإلّا فما صّح عندهم في مناقب الصحابة على العموم ومناقب قريش فمعاوية (رض) داخل فيه) [المنار المنيف ص116].

أقول: ما يهمّ من كلام ابن القيم هو عدم صحّة فضيلة لمعاوية، وأمّـا دعواه أنّ الفضائل العامّة للصحابة وقريش تشمله فهي كدعوى شمولها للمنافقين.

7ـ الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلانيّ [ت852هـ].

قال: (وقد ورد في فضائل معاوية أحاديثُ كثيرةٌ، لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، والله اعلم) [فتح الباري ج7 ص104].

8ـ بدر الدين العيني [ت855هـ].

قال: (قد ورد في فضيلته أحاديثُ كثيرةٌ، ولكن ‌ليس ‌فيها ‌حديث ‌يصح ‌من ‌طريق ‌الإسناد، نصّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائيّ وغيرهما) [عمدة القاري ج16 ص249].

9ـ الحافظ جلال الدين السيوطيّ [ت911هـ].

قال: («باب ذكر معاوية»: لم يقل ولا منقبة، لأنه لم يصحّ في فضائله شيءٌ، كما قاله ابن راهويه) [التوشيح ج6 ص2379].

10ـ الحافظ إسماعيل بن محمد العجلونيُّ [ت١١٦٢هـ].

قال: (وباب ‌فضائل ‌معاوية ليس فيه حديثٌ صحيح) [كشف الخفاء ج2 ص420].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.