هل معاوية مسلم أو كافر أو منافق أو باغٍ؟

السؤال: هل يستطيع أحد من الشيعة الإجابة عن هذا السؤال: هل أمير المؤمنين معاوية مسلم، أم كافر، أم منافق، أم باغٍ؟ إنْ قال: هو مسلم فسأقول له معاوية لا يؤمن بالإمامة المبتدعة، وعليه فإمّا أنّ الامامة المبتدعة ليست من الدين أو يكون معاوية كافراً، وانْ قال: هو كافر فسأقول له: إنّ الحسن تنازل له عن الخلافة، فبأيّ مسوّغ شرعيّ يسلّم الحسن خلافة المسلمين لكافر؟ وإنْ قال: هو منافق فسأقول له: فإنّ المنافق ظاهره الإسلام حتّى إنّ الناس لا يعرفون المنافق من غير المنافق،، وظاهر معاوية أنّه لا يؤمن بالإمامة،، وعليه فتكون الإمامة ليست من الدين، وإنْ قال: هو باغٍ فسأقول له: فإنّ الله أمر بقتال الفئة الباغية حتّى تفيء إلى أمر الله، فبأيّ مسوّغ شرعيّ يخالف الحسن أمر الله. فإنْ بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة بشكل مباشر نشير إلى أن البحوث حول معاوية بن أبي سفيان كثيرة وتفاصيلها مبذولة في الكتب وصفحات الإنترنت، فمضافاً لتحقيقات علماء الشيعة حول شخصيّة معاوية وما عليه من ضلال وانحراف عن الإسلام، هناك بعض المنصفين من أهل السنّة وممّن لم يتأثّر بالثقافة الأمويّة التي لا تزال مهيمنة على جمهور المسلمين، كتبوا الكثير من البحوث والدراسات التي تفضح معاوية وأدواره الخبيثة في الإسلام، ومن المناسب في هذا الشأن أنْ ندعو السائل إلى مراجعة كتاب (هل مات معاوية على دين الإسلام .. دراسة موسّعة لحديث: يموت معاوية على غير ملّتي) للباحث والمحقّق السنّي حسن بن فرحان المالكيّ.

أمّا بخصوص الأسئلة التي وجّهها للشيعة، فنقول في السؤال الأوّل: هل معاوية مسلم أم كافر أم منافق أم باغٍ؟

فالجواب: أنّ كلّ هذه العناوين التي ذكرها السائل تنطبق على معاوية وبجدارة، فهو من جهة مسلم لإظهاره الإسلام بعد فتح مكّة، وفي نفس الوقت هو منافق؛ فتاريخه دالٌّ على أنّه كان يظهر خلاف ما يبطن، ومن جهة ثالثة كان كافراً لارتكابه الكثير ممّا يوجب الكفر، ومن جهة رابعة فهو باغٍ في حربه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في صفّين، وليس في ذلك أيّ تناقض لاختلاف الحيثيّات التي يمكن النظر منها لمعاوية ...

وأمّا قوله: (إنْ قال: هو مسلم فسأقول له معاوية لا يؤمن بالإمامة المبتدعة، وعليه فإمّا أنّ الامامة المبتدعة ليست من الدين أو يكون معاوية كافراً؟).

فجوابه:

أوّلاً: أنّ القول بأنّ معاوية مسلمٌ لا يعني أنّ معاوية أصبح معياراً للحقّ والباطل، فإيمانه بالإمامة أو عدم إيمانه بها لا علاقة له بثبوت الإمامة أو عدم ثبوتها، إلّا إذا كان معاوية معصوماً في نظر السائل، ولا نظنّ أنّ عاقلاً يقول بذلك.

وثانياً: ليس معاوية وحده من ينكر إمامة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، فجميع أهل السنّة ينكرون ذلك، ومع ذلك لم يقدح أحد في إسلامهم، فالإسلام عندنا هو: التشهّد بالشهادتين لساناً والعمل بالشرع ظاهراً، وقد فرّق الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) بين الإسلام والإيمان، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّـداً عبـده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان; فهذا الإسلام. والإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإنْ أقرَّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالّاً" (الكافي ج2 ص 24).

وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) في مقام تفسير الآية الرابعة عشر من سورة الحجرات فيما يتعلّق بقبول إسلام أهل البادية لا إيمانهم .. عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: "سمعته يقول: (قَالَتِ الاْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ)، فمَن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب" (الكافي ج2 ص 25).

وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "سمعته يقول: الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضى به إلى الله عزّ وجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة لله، والتسليم لأمره. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ .." (الكافي ج2 ص 26)

وفي المحصلة: حتّى لو قلنا: إنّ معاوية مسلم؛ فإنّ إسلامه لا يتعارض مع إنكاره للإمامة، وبالتالي ليس الأمر محصور في هذه المسألة بين القول بكفر معاوية وبين القول بأنّ الإمامة مبتدعة، فمن الممكن القول إنّ معاوية مسلم وفي نفس الوقت تكون الإمامة حقّ حتّى لو أنكرها معاوية، فالذي يتعارض مع إنكار الإمامة هو القول بإيمان معاوية، فلا يمكن أن يكون معاوية مؤمن وفي نفس الوقت منكراً لإمامة أهل البيت.

وأمّا قوله: وانْ قال: هو كافر فسأقول له: إنّ الحسن تنازل له عن الخلافة، فبأيّ مسوّغ شرعيّ يسلّم الحسن خلافة المسلمين لكافر؟

فجوابه:

أوّلاً: لم يسلّم الحسن الخلافة لمعاوية وإنّما انتزعت منه انتزاعاً، فقد كان الإمام الحسن (عليه السلام) الخليفة الشرعيّ للمسلمين بجميع المقاييس التي ارتضاها المسلمون في الخليفة، فهو إمام مفترض الطاعة بوصيّة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومن لم يسلّم بذلك، فإنّ الإمام الحسن (ع) كان خليفة المسلمين بوصيّة من الخليفة الشرعيّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، ومن لم يقبل ذلك فإنّ الإمام الحسن (ع) قد بايعه أهل الحلّ والعقد على الخلافة؛ بل بايعته الأمّة كلّها ولم يتمرّد أحد على خلافته إلّا معاوية بن أبي سفيان، وبذلك يكون معاوية قد أخذ ما ليس بحقّه بجميع شروط الخلافة، وليس فقط بشرط الشيعة.

وثانياً: معاوية كان من الطلقاء الذين قال لهم رسول الله (ص) بعد فتح مكّة اذهبوا فأنتم الطلقاء، فحتّى من دون القول بأنّ الإمام الحسن إمام معصوم فإنّ معاوية لا يحقّ له خلافة المسلمين، قال أبو بكر الجصاص: (والثالث: قوله: (أنتم الطُّلقاء)، وبلغ من استفاضة ذلك في الأمّة، أنّ الصحابة كانوا يسمُّون قريشاً الذين أطلقهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين فتح مكّة: الطُّلقاء، مثل: سهيل بن عمرو، ومعاوية، وأشباههما من الناس، حتّى كانوا يسمُّون أبناءهم: أبناء الطلقاء. وقال عمر: إنَّ هذا الأمر -يعني الخلافة- لا يصلح للطُّلقاء، ولا لأبناء الطُّلقاء. فكانت هذه سِمَةً لهم ولأبنائهم، حتّى صارت كالنسب لشهرتها واستفاضتها). (شرح مختصر الطحاويّ للجصاص: ٧ - ١١٠).

وقد قال رسول الله في ذلك (لا يَلِيَنَّ مُفاءٌ على مفيء) أي لا يكون الطليق أميراً على المسلمين، ولو تأمّر عليهم تكون إمارته غصباً وظلماً، وقد ذكر أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) معاوية بذلك في كتابٍ كتبه له جاء فيه: (واعلم يا معاويةُ أنّك من الطُّلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافةُ ولا تعرض فيهم الشورى) (تاريخ دمشق لابن عساكر: ٥٩ - ١٢٨).

وثالثاً: اشترط الإمام الحسن (ع) على معاوية بأنْ لا يسمّيه أميراً للمؤمنين، وفي ذلك دليل واضح على أنّ الإمام الحسن (ع) لم يسلّم الخلافة لمعاوية وإنّما تنازل عنها مضطرّاً، ففي البحار عن العلّامة المجلسيّ عن الشيخ الصدوق، قال: (... حدّثَنا يوسف بن مازن الراسبيّ قال: بايع الحسن بن عليّ (عليه السلام) معاوية على أنْ لا يسمّيه أميرَ المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادةٌ، وعلى أنْ لا يتعقّب على شيعة عليٍّ (عليه السلام) شيئاً، وعلى أنْ يفرِّق في أولاد من قُتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قُتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم، وأن يَجعل ذلك من خراج دار أبجرد.

قال: وما ألطف حيلة الحسن (عليه السلام) في إسقاطه إيّاه عن إمرة المؤمنين، قال يوسف: فسمعت القاسم بن محيمة يقول: ما وفّى معاوية للحسن بن عليٍّ (عليه السلام) بشيءٍ عاهده عليه وإنّي قرأتُ كتاب الحسن (عليه السلام) إلى معاوية يعدِّد عليه ذنوبه إليه وإلى شيعة عليٍ (عليه السلام)، فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرميّ ومن قتَلهم معه.

فنقول: رحمك الله إنّ ما قال يوسف بن مازن من أمر الحسن (عليه السلام) ومعاوية عند أهل التمييز والتحصيل تسمّى المهادنة والمعاهدة، ألا ترى كيف يقول "ما وفّى معاوية للحسن بن عليٍّ بشيءٍ عاهده عليه وهادنه" ولم يقل بشيءٍ بايعه عليه، والمبايعة على ما يدَّعيه المدَّعون على الشرائط التي ذكرناها، ثمّ لم يفِ بها لم يلزم الإمام الحسن (عليه السلام).

وأشدّ ما ههنا من الحجّة على الخصوم، معاهدته إيّاه على أنْ لا يسمّيه أمير المؤمنين، والحسن (عليه السلام) عند نفسه لا محالة مؤمن فعاهده على أنْ لا يكون عليه أميراً؛ إذِ الأمير هو الذي يأمُر فيُؤتمَر له.

فاحتال الحسن (عليه السلام) لإسقاط الائتمار لمعاوية إذا أمَره أمراً على نفسه، والأمير هو الذي أمره مأمور من فوقه، فدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ لم يؤمِّره عليه، ولا رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمَّره عليه، فقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم): (لا يَلِينّ مُفاءٌ على مفيء) (بحار الأنوار ج 44 ص 3).

ورابعاً: أنّ القاعدة التي أراد السائل تأسيسها غير صحيحة، فالكافر إذا اغتصب الحكم من المؤمن فإنّ ذلك لا يصيّر الكافر مؤمناً، ففرعون كان متسلّطاً على أهل مصر، ولم يكن موسى عليه السلام قادراً على إزاحته، فهل يصحّ أن يقال: إنّ فرعون مؤمن، لأنّ سكوت موسى عنه يدلّ على إيمانه؟!

كما أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد عقد صلحاً مع المشركين في الحديبية، فهل أصبح مشركوا مكّة مؤمنين؟!!

إذنْ: فلا فرق بين اغتصاب الحكم بقوّة السيف مباشرة، وبين إجبار الإمام الشرعيّ بالتنازل تحت طائلة التهديد بقتله، وإبادة شيعته، ولا فرق بين أن يكون ذلك المتسلّط مدّعياً للإسلام أو مظهراً للكفر؛ بل حتّى لو كان معلناً بالكفر، فإنّ ذلك لا يخلّ بعصمة النبيّ (ص) أو الإمام (ع) الذي تعرّض للتهديد والقهر والإجبار على التنازل عن الأمر، وهذا ما حصل للإمام الحسن «عليه السلام» بالفعل، وهذا هو حال الأنبياء (عليهم السلام) الذين كانوا مستبعدين عن الحكم، الذي استأثر به أعداؤهم لأنفسهم..

وأمّا قوله: (وانْ قال: هو باغٍ فسأقول له: فإنّ الله أمر بقتال الفئة الباغية حتّى تفيء إلى أمر الله، فبأيّ مسوّغ شرعيّ يخالف الحسن أمر الله؟).

فجوابه: القول بأنّ معاوية باغٍ ليس قولاً خاصّاً بالشيعة وإنّما جميع المسلمين يقولون بذلك، حتّى النواصب من أمثال ابن تيميّة لم ينكر كون معاوية باغٍ، ولكنه برّر له ذلك بأنّه كان متأوّلاً، ويكفينا في ذلك حديث رسول الله المجمع على صحّته هو (ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار)، يقول ابن كثير في البداية والنهائية ج7 ص 277: "كان عليّ وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحقّ من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ، قال: حدّثني من هو خير منّي ـ يعني أبا قتادة ـ أنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال لعمّار: تقتلك الفئة الباغية. وقال أيضاً: وهذا مقتل عمّار بن ياسر رضي الله عنهما مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، قتله أهل الشام، وبانَ وظهر بذلك سرّ ما أخبر به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أن تقتله الفئة الباغية، وبانَ بذلك أنّ عليّاً محقّ، وأنّ معاوية باغ، وما في ذلك من دلائل النبوّة".