توثيق الأئمة (ع) لكتاب سليم بن قيس

السؤال: هل ورد توثيقٌ خاصٌّ عن المعصومين (عليهم السلام) لكتاب سليم بن قيس الهلاليّ؟

: الشيخ أحمد الكعبي

الجواب:

يعتبر كتاب سليم بن قيس، أول كتابِ للشيعة في زمن الإمام عليٍّ (عليه السلام) وصل الينا، ويعتبر أقدم نصٍّ تاريخيٍّ وعقائديٍّ؛ إذ إنَّ وفاة مؤلفه سليم بن قيس الهلاليّ كانت بحدود سنة (76-80هـ).

يحتوي الكتاب على رواياتٍ في فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، ومباحث في معرفة الإمام علي (عليه السلام)، وبعض الأخبار والحوادث بعد رحيل الرسول (صلی الله عليه وآله) [ينظر: كتاب سليم ص42].

يوحظى الكتاب بشهرةٍ كبيرةٍ بين علماء الشيعة كما لا يخفى، وقد وردت بعض النصوص عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في حقّ الكتاب منها ما يأتي:

1- توثيق الإمام عليٍّ (عليه السلام) للكتاب:

قال سليم: قلت لعليٍّ (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرةً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أنَّ ذلك باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم؟ قال: فأقبل عليَّ فقال لي: «يا سليم، قد سألتَ فافهم الجواب. إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصَّاً وعاماً، ومُحكماً ومُتشابهاً، وحفظاً ووهماً...». [رجال الكشي ج1 ص104، الكافي ج1 ص62].

حيث يُظهر الحديث أنَّ سليم بن قيس تحرَّى الدّقة في نقله للروايات بعرضها على الإمام (عليه السلام)، الذي أكَّد صحتها وانتقد الروايات المخالفة. فهو يتضمن تأكيدًا لصحة الكتاب من خلال التصديق المباشر من الإمام علي (عليه السلام)، الذي يُعتبر إمضاءً لصحة ما نقله سليم، مما يُضفي شرعيَّةً عليها؛ إذ ذكر سليم وجود روايات وتفاسير مُتعارضة مع ما سمعه من الإمام (عليه السلام) وأصحابه، فردَّ (عليه السلام) بأنَّ ما لدى الناس خليطٌ من "حقٍ وباطل"، مؤكّدًا أنَّ ما يتبنَّاه سليمٌ ويُرويه هو الجانب الحق. هذا التفريق يُوضح أنَّ روايات سليم تنتمي إلى جانب الحق المُعتمد على مصدرٍ معصوم، خلافًا للروايات الأخرى التي قد تكون محرَّفة.

2ـ توثيق الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) لكتاب سليم:

قال سليم [بعد تمام الحديث 10]: ثم لقيت الحسن والحسين (عليهما السلام) بالمدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فحدّثتهما بهذا الحديث عن أبيهما، فقالا: «صدقت، قد حدَّثك أبونا عليٌّ (عليه السلام) بهذا الحديث ونحن جلوسٌ وقد حفظنا ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما حدَّثك أبونا سواء، لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا».

يشير سليم إلى أنَّه التقى بالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) بعد مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخبرهما بحديثٍ سمعه عن أبيهما؛ فردَّ الحسن والحسين (عليهما السلام) بأنَّهما حفظا الحديث نفسه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن هناك تغييرٌ في النص. وهذا يشير إلى توثيقهما لما ورد في كتاب سليم بقول الإمامان "صدقت"، وهذا التصديق يُعتبر شهادةً على صحة النقل وعدم التحريف. ويفهم أيضاً من حفظ الإمامين للحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما سمِعاه من أبيهما دون زيادةٍ أو نقصانٍ دقَّة المتن، وأنَّ سليماً نقل الرواية بكلّ أمانةٍ؛ ويفهم منه الإشارة الضمنيَّة لمصداقيَّة الكتاب ككل؛ لأن هذا الحديث جزءٌ من كتاب سليم بن قيس، فإن تصديق الإمامين له يُعتبر دليلاً على صحة محتوى الكتاب ككل إذا ثبت التزام سليم بن قيس بالمنهج نفسه في النقل.

3ـ توثيق الإمام زين العابدين (عليه السلام) لكتاب سليم:

قال سليمٌ (بعد تمام الحديث 10): ثم لقيتُ علي بن الحسين (عليهما السلام) وعنده ابنه محمد بن علي (عليهما السلام)، فحدَّثته بما سمعت من أبيه وعمّه وما سمعت من عليٍّ (عليه السلام). فقال عليٌّ بن الحسين (عليه السلام): «قد أقرأني أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) السلام وهو مريضٌ وأنا صبي».

ثم قال محمد (عليه السلام): «وقد أقرأني جدّي الحسين عليه السلام بعهدٍ من رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو مريض ـ السلام».

قال أبان: فحدّثت علي بن الحسين (عليه السلام) بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: «صدق سليم». [رجال الكشي ج1 ص104]. والكلام فيه كسابقه من دلالة لفظة "صدق" على التوثيق.

4ـ توثيق الإمام زين العابدين (عليه السلام) لكتاب سليم بعد قرائته:

قال أبان: حججت من عامي ذلك (أي عام وفاة سليم) فدخلت على علي بن الحسين (عليه السلام)، وعنده أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) - وكان من خيار أصحاب علي (عليه السلام) - ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله).

فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسين (عليه السلام) ذلك أجمع ثلاثة أيام - كل يوم إلى الليل - ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقال (عليه السلام) لي: « صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله نعرفه ». [مختصر البصائر ص145].

المستفاد من الرواية أن سليم بن قيس مُعترَفٌ بصدقه ووثاقته في نقل الأحاديث، مما يعني أنَّ رواياته موثوقةٌ ويُعتد بها؛ وذلك لشهادة الإمام المعصوم (عليه السلام) له بالوثاقة المستفاد من قوله "صدق".

ويستفاد من الدعاء له بالرحمة ليس تكريمًا لشخصه فحسب، بل إشارة إلى رضى الله تعالى والأئمةِ من أهل البيت (عليهم السلام) عنه، مما يرفع مكانته ويُظهر أنه من المقرّبين.

والتأكيد على أنَّ مضمون الكتاب يتوافق مع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) المقطوع بصدورها، أي أنَّ محتواه ليس اجتهادًا شخصيًّا لسليم، بل هو انعكاس للتعاليم الأصيلة التي تلقاها عن الأئمة (عليهم السلام).

الإشارة إلى أن أحاديث الكتاب ليست غريبة أو منكرة، بل هي معروفةٌ ومتداولةٌ في تراث أهل البيت (عليهم السلام)، وأنها تجسيدٌ لمذهبهم العقائديّ والفقهيّ، ممّا يعزز مكانة الكتاب كأحد الأسس الرئيسة في الفكر الإمامي. [ينظر: كتاب سليم ج1 ص28].

5ـ توثيق الإمام الباقر (عليه السلام) لكتاب سليم:

قال أبان (بعد تمام الحديث 10 الذي مرَّ أنَّه يؤكّد صحة جميع أحاديث الكتاب): فحججتُ بعد موت علي بن الحسين (عليه السلام) فلقيتُ أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فحدّثته بهذا الحديث كلِّه لم أترك منه حرفاً واحداً. فاغرورقت عيناه ثم قال: « صدق سليم، قد أتاني بعد أنْ قُتل جدي الحسين (عليه السلام) وأنا قاعدٌ عند أبي فحدثني (خ ل: فحدثه) بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدَّثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ونحن شهود، ثم حدَّثاه بما هما سمعا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ».

6ـ توثيق الإمامين السجاد والباقر (عليهما السلام) لكتاب سليم:

هذه وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلاليّ دفعها إلى أبان وقرأها عليه. قال أبان: وقرأتها علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: « صدق سليم، رحمه الله ». [الغيبة للطوسي ج1 ص194].

7ـ توثيق الإمام الصادق (عليه السلام) لكتاب سليم:

قال حماد بن عيسى (الناقل لكتاب سليم عن ابن أذينة عن أبان، بعد تمام الحديث 10 التي مرت أسانيدها): قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله (عليه السلام) فبكى وقال: صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه الحسين بن علي (عليه السلام)، قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سأله سليم بن قيس.

قال الامام الصادق (عليه السلام): « من لم يكن عنده من شيعتنا و محبينا کتاب سليم بن قيس الهلالی فليس عنده من أمرنا شيءٌ، ولا يعلم من أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة، وهو سرٌّ من أسرار آل محمدٍ عليه السلام ». [مستدرك الوسائل ج17 ص298].

الخلاصة:

كتاب سليم بن قيس الهلاليّ يُعتبر من أقدم الكتب الشيعيَّة، ويحتوي على رواياتٍ في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وأحداث ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقد ردتْ توثيقات من عدّة أئمةٍ (عليهم السلام) لصحة محتواه، كالإمام عليٍّ، والحسنين، وزين العابدين، والباقر والصادق (عليهم السلام)، حيث أشادوا بصدق سليم وتطابق رواياته مع تعاليمهم.

والحمد لله ربّ العالمين.