هل من العدالة أن تتعذّب الزوجة بظلم زوجها؟
سؤال: يقول الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ}، هل من العدالة أن تتعذّب الزوجة بظلم زوجها؟ أ ليس من المفروض أنه لا تزر وازرة وزر أخرى؟ لماذا المرأة تتبع زوجها دوماً حتّى بالعذاب؟ ماذا عن الذين يعبدون المسيح؟ هل يُرمى بالعذاب مع عابديه حسب منطق الآية؟
الجواب:
إذا اعتبرنا السائل مستفسراً ولم يكن معترضاً، ومشتبهاً ولم يكن متعمّداً، فإنّ الاشتباه الذي وقع فيه هو نتيجة حصره لمعنى (الزوج) في زوجة الرجل وامرأته، ومع أنّ هذه الكلمة تدلّ على ذلك إلّا أنّها ليست محصورة في هذا المعنى، فكلمة (زوج) في اللغة عامّة في كلّ واحد معه آخر، فكلّ شيء يقترن بالآخر - سواء كان مماثلاً له أو مضادّاً - يقال له: زوج.
ومن أمثلة ذلك الخفّ والنعل، والليل والنهار، والذكر والأنثى، واليابس والرطب، والحلو والمرّ، فالزوج خلاف الفرد، والزوج هو الفرد الذي له قرين، ويشمل ذلك التـقابل والتضادّ أو التشابه والتماثل مع الاشتراك، فالليل يقابـل النهار ويشترك معه في كونهما معـاً من ظواهر الكون، والأنـثى تقابل الذكر ويشتركان معاً في النوع الإنسانيّ، وأحد الخفّين أو النعلين يشبه الآخر ويشتركان في كونهما معاً من اللباس.
وقد وردت لفظ الزوج في القرآن الكريم مفرداً ومثنى وجمعاً 76 مرة، وبالرجوع إلى تلك الآيات نجدها تتحدّث: إمّا عن زوجيّة كلّ شيء من المخلوقات عامّة، قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}. وإمّا تتحدّث عن زوجيّة خاصّة بنوع من هذه المخلوقات، وفي مقدّمتها النوع الإنسانيّ، يقول تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ}.
وبالرجوع للآية موضع السؤال، فإنّ كلمة الزوج فيها لا يمكن أن تحمل على شريكة الرجل؛ لأنّ في ذلك مخالفة واضحة لآيات أخرى تحدّثت عن نجاة زوجات الظالمين، ومثال على ذلك: آسية زوجة فرعون، يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وفي المقابل هناك آيات تتحدّث عن هلاك زوجات الصالحين مثل امرأة نوح ولوط ، يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}، مضافاً إلى ذلك نفس الآية التي استدلّ بها السائل وهي قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} تؤكّد ذلك.
وقد أجمعت تفاسير المسلمين سنّة وشيعة على أنّ المقصود من (أزواجهم) في هذه الآية هو مَن كان على شاكلتهم، أي نظرائهم وأشباههم وأمثالهم وإخوانهم، ففي تفسير ابن كثير قال: (يعني بأزواجهم: أشباههم وأمثالهم. وكذا قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والسدي، وأبو صالح، وأبو العالية، وزيد بن أسلم).
وجاء في تفسير الأمثل: ( « أزواج » هنا إمّا أن تشير إلى زوجات المجرمين والمشركين، أو إلى مَن يعتقد اعتقادهم ويعمل عملهم ومَن هو على شاكلتهم، لأنّ هذه الكلمة تشمل المعنيين، حيث نقرأ في سورة الواقعة الآية: {وكنتم أزواجا ثلاثة}، وبهذا يحشر المشركون مع المشركين والأشرار، وذوو القلوب العمياء مع نظائرهم، ثمّ يُساقون إلى جهنم، أو أنّ المقصود من الأزواج هم الشياطين الذين كانوا يشابهونهم في الشكل والعمل) [الأمثل ج14 ص302].
وفي تفسير الميزان: (وقوله: (وَأَزْوَاجَهُمْ) الظاهر أنّ المراد به قرناؤهم من الشياطين، قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين - إلى أن قال - حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}. وقيل: المراد بالأزواج الأشباه والنظائر، فأصحاب الزنا يحشرون مع أصحاب الزنا، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر وهكذا. وفيه: أنّ لازمه أن يُراد بـ{الَّذِينَ ظَلَمُوا} طائفة خاصّة من أصحاب كلّ معصية، واللفظ لا يساعد عليه. على أنّ ذيل الآية لا يناسبه. وقيل: المراد بالأزواج نساؤهم الكافرات، وهو ضعيف كسابقه) [الميزان ج17 ص131].
وأمّا جملة {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} - التي ارتكز عليها في سؤاله الأخير - فإنّها ظاهرة في الأصنام والأوثان والطواغيت الذين رضوا بأن يعبدوا دون الله تعالى، ففي تفسير الأمثل: (جملة (ما كانوا يعبدون) تشير إلى آلهة المشركين، كالأصنام والشياطين والطغاة المتجبّرين والفراعنة والنماردة، وعبرت عنها ب (ما كانوا يعبدون) لكون أغلب تلك الآلهة موجودات عديمة الحياة وغير عاقلة، وقد اصطلح عليها بهذا التعبير لأنّه يعطي طابع التغليب). [تفسير الأمثل ج14 ص303].
وهذا لا ينطبق على ما يفعله النصارى مع نبي الله عيسى (عليه السلام)؛ فهو لم يأمرهم بذلك وتبرّأ من فعلهم، وقد أكّد القرآن ذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
اترك تعليق