لماذا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله؟

بُعث الرسول صلى الله عليه وآله وهناك كتب سماوية انزلت قبله كالإنجيل والتوراة وربما غيرها.. ما الذي كان يمنعه من جمع كل السور في المصحف ونسخه وتوزيعه كتلك الكتب.. لماذا كان الصحابة في عهد عثمان هم من جمعه؟ وبذلك فتح الباب لحديث بوجود نقص او زيادة واختلاف بالقراءات؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

يبتني هذا السؤال على التسليم باعتقاد أهل السنة بأن الصحابة هم من جمعوا القرآن وليس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما لا يسلم به شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد زعمت مرويات أهل السنة والجماعة بأن القرآن تم جمعه في عهد الخلفاء بعد رسول الله، في حين يعتقد الشيعة أن القرآن تم جمعه في عهد رسول الله (صل الله عليه وآله).

ومن المفيد الإشارة إلى أن الاختلاف في وقت جمع القرآن لا يؤثر على الاتفاق بكون القرآن الذي يتعبد به المسلمين اليوم هو قرآن واحد لا اختلاف فيه.

وعليه يصبح النقاش في هذه المسألة من باب سد الثغرات التي يتحجج بها بعض المشككين في سلامة القرآن.

يعتقد عموم أهل السنة بان القرآن جمع في عهد الخلفاء، ويرتكز هذا الموقف على مجموعة من المرويات في مصادر أهل السنة، ومن هنا فان مناقشة هذه المرويات وبيان مصداقيتها من عدمها يحسم النقاش في هذه المسألة، وهذا ما قام به السيد الخوئي في تفسيره البيان حيث تتبع كل هذه المرويات واثبت ما فيها من تناقض بحيث لا يمكن الركون إليها.

فبعد أن يقرر السيد الخوئي أصل الشبهة والإشكالية بقوله: (إن مصدر هذه الشبهة هو زعمهم بأن جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قتل سبعون رجلا من القراء في بئر معونة، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن وذهابه من الناس، فتصدى عمر وزيد بن ثابت لجمع القرآن من العسب، والرقاع، واللحاف، ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنه من القرآن، وقد صرح بجميع ذلك في عدة من الروايات، والعادة تقضي بفوات شيء منه على المتصدي لذلك، اذا كان غير معصوم، كما هو مشاهد فيمن يتصدى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر، إذا كان هذا الشعر متفرقا، وهذا الحكم قطعي بمقتضى العادة، ولا أقل من احتمال وقوع التحريف، فإن من المحتمل عدم إمكان إقامة شاهدين على بعض ما سمع من النبي (صلى الله عليه وآله) فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة. والجواب: إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن والأولى أن نذكر هذه الروايات ثم نعقبها بما يرد عليها)

ثم يذكر جميع الروايات في الباب ويقوم بمناقشتها رواية روية ويبين ما فيها من تناقض حيث يقول: (إنها متناقضة في أنفسا فلا يمكن الاعتماد على شيء منها، ومن الجدير بنا أن نشير إلى جملة من مناقضاتها..) ثم يذكر هذه المتناقضات بالتفصيل، وحيث لا يحتمل المقام ذكرها هنا فيجب على المهتم الرجوع إلى تفسير البيان للوقوف عليها.

أما روايات الشيعة فإنها دالة على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو من قام بجمع القرآن، ففي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه أمر علياً (عليه السلام) بجمع القرآن وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه.

وهذه الرواية وغيرها تدل على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بجمع القرآن، وقد قام الإمام علي (عليه السلام) بهذه المهمة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى ذلك اتفقت كلمة جمهور فقهاء الشيعة، ففي مجمع البيان نقلاً عن السيد المرتضى قدس سره انه قال: إن القرآن جمع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشكل الذي هو اليوم بأيدينا.

وقال: إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث.

وقد صرح بذلك كل من الشيخ الصدوق والشيخ المفيد وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي وباقي علماءنا الأبرار إلى يومنا هذا.