هل نظرية التطور تتعارض مع الدين؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

تقومُ نظريّةُ التطوّرِ على فرضيّةِ أنَّ الحياةَ بدأت مِن كائنٍ ذو خليّةٍ واحدة، ومعَ ذلكَ لا تُقدّمُ هذه النظريّةُ أيَّ تفسيرٍ واضحٍ لنشوءِ هذهِ الخليّة، وما هوَ مطروحٌ مِن تفسيرات ليسَ إلّا فرضيّاتٍ إضافيّة لا تدعمُها أيُّ شواهدَ علميّة، فمثلاً يقولُ العالمُ السويسري (إرينيوس) إنّ الكائناتِ الوحيدةَ الخليّة مصدرُها كائناتٌ مجهريّة توجدُ في فضاءِ الكون منذُ الأزل، حيثُ انسلّت إلى الأرض، ثمَّ تطوّرَت صُدفةً فأعطَت حيواناتٍ ونباتاتٍ صُدفةً، وعن طريقِ التطوّر.

أمّا التفسيرُ الثاني فيُقدّمُه (لارنست هيكل) الذي يقولُ بأنَّ الكائناتِ تطوّرَت مِن جماد، بمعنى أنّه في فترةٍ ما منَ الزمنِ الماضي تحوّلَت موادُّ غيرُ عضويّةٍ إلى موادَّ عضويّة صُدفةً ثمّ أعطَت أحماضاً أمينيّةً التي تحوّلَت بنفسِها صُدفةً إلى بروتيناتٍ ثمَّ إلى صبغيّاتٍ صُدفةً، فأعطَت كائناتٍ ذاتَ خليّةٍ واحدة صُدفةً، ثمَّ تكوّنَت النباتاتُ والحيواناتُ وهكذا..

وكلُّ ذلكَ كما هوَ واضحٌ مُجرّدُ افتراضاتٍ لا تسندُها التجاربُ العلميّة، ومنَ الأخطاءِ الكبيرة التي وقعَ فيها بعضُ المُندفعينَ لهذه النظريّةِ هيَ القولُ بحدوثِ التطوّرِ بينَ الأنواع، أي أنَّ النوعَ يمكنُ أن يتطوّرَ فينقلبُ إلى نوعٍ آخر، وهذا أمرٌ مُستبعدٌ بحسبِ البحوثِ الحديثةِ لهذهِ النظريّة، فالعصفورُ لا يمكنُ أن يتطوّرَ فيصبحُ قطّاً، والسمكةُ تصبحُ فرساً، والقردُ يصبحُ إنساناً، ولا وجودَ لشاهدٍ واحد يثبتُ حدوثَ تطوّرٍ في النوع، فالعصفورُ يتغيّرُ منقارُه إلّا أنّه يظلُّ عصفوراً، والأسماكُ تتشكّلُ بأشكالٍ أخرى إلّا أنّها تظلُّ أسماكاً، والإنسانُ يمكنُ أن يتغيّرَ لونُه أو حجمُه إلّا أنّه لا يخرجُ عن كونِه إنساناً، ومِن هُنا فإنَّ خُرافةَ أنَّ الإنسانَ والقردَ يرجعانِ إلى جدٍّ واحد أو أنَّ الإنسانَ والقردَ اِبنا عمومةٍ هوَ مُجرّدُ هُراءٍ فِكري لا يمتلكُ شاهداً علميّاً واحداً على صحّتِه.

وعليهِ يمكنُ قبولُ هذه النظريّةِ في حدودِ التكيّفِ البيئي للكائناتِ الحيّة، ولا يمكنُ قبولُها كتفسيرٍ لأصلِ الحياة، كما لا يمكنُ قبولُ التطوّرِ على مستوى الأنواع، وبالتالي لا يمكنُ التنازلُ عن التفسيرِ الديني الذي يقولُ بأنَّ بدايةَ الحياة حدثَت عندَما أرادَ اللهُ ذلك فخلقَ الإنسانَ وغيرَه منَ الكائناتِ الحيّة، وهذا تفسيرٌ منطقيّ ينسجمُ مع العقلِ الذي يقولُ لا يمكنُ أن تأتي الحياةُ منَ الفراغ وإنّما لابدَّ لها مِن مصدرٍ كاملٍ لا نقصَ فيه ولا حاجة، ولا يمكنُ التنازلُ عن ذلكَ بسببِ فرضيّةٍ ساذجةٍ تقولُ بأنَّ بدايةَ الإنسانِ خليّةٌ واحدة وُجدَت في ماءٍ آسنٍ منذُ ملايينِ السنين، ولا نعلمُ ولا يعلمونَ مِن أينَ أتَت هذهِ الخليّةُ وكيفَ حصلَت على الحياة؟ وأنَّ المادّةَ الميّتةَ كيفَ يمكنُها أن تهبَ الحياةَ لغيرِها؟ بل مِن أينَ أتَت هذه المادّةُ مِنَ الأساس؟

وفي المُحصّلةِ كلُّ ما يمكنُ قبولهُ مِن نظريّةِ التطوّرِ هوَ تأثّرُ الكائناتِ الحيّةِ بالبيئةِ والظروفِ المناخيّة، ولا يمكنُ قبولُها كتفسيرٍ علميٍّ ومنطقيّ لأصلِ الحياةِ في الأرض، وبالتالي لا يمكنُ التشكيكُ في التفسيرِ الدينيّ لأصلِ الإنسانِ لمُجرّدِ افتراضاتٍ ما زالَت في طورِ التخيّلات، يقولُ السيّدُ الطباطبائيّ في ذلك: (هذا النّسلُ الموجودُ منَ الإنسانِ ليسَ نوعاً مُشتقّاً مِن نوعٍ آخر حيوانيٍّ أو غيرِه حوّلَته إليه الطبيعةُ المُتحوّلةُ المُتكاملة، بل هوَ نوعٌ أبدعَه اللهُ تعالى منَ الأرض، فقد كانَت الأرضُ وما عليها والسماءُ ولا إنسان، ثمَّ خُلقَ زوجانِ إثنان مِن هذا النوعِ وإليهما ينتهي هذا النسلُ الموجود ... وأمّا ما اِفترضَه علماءُ الطبيعةِ مِن تحوّلِ الأنواع، وأنَّ الإنسانَ مُشتقٌّ منَ القرد، وعليهِ مدارُ البحثِ الطبيعيّ اليوم، أو متحوّلٌ منَ السمكِ على ما احتملَهُ بعضُ، فإنّما هيَ فرضيّة، والفرضيّةُ غيرُ مُستندةٍ إلى العلمِ اليقيني، وإنّما توضعُ لتصحيحِ التعليلاتِ والبياناتِ العِلميّة، ولا يُنافي اعتبارُها اعتبارَ الحقائقِ اليقينيّة، بل حتّى الإمكاناتِ الذهنيّة، وإذ لا اعتبارَ لها أزيدَ مِن تعليلِ الآثار، والأحكام المربوطةُ بموضوعِ البحث ... )