ممكن سند حديث: "لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله" وما معناه؟

الجواب: 

يقع الكلام في هذا الحديث في مقامين:

المقام الأول: ألفاظ الحديث وطرقه:

فقد ورد الحديث بألفاظ متعددة:

اللفظ الأول: «لا ‌تسبوا ‌عليا؛ ‌فإنه ‌ممسوس في ذات الله»

رواه الطبراني بسنده عن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «‌لا ‌تسبوا ‌عليا؛ ‌فإنه ‌ممسوس في ذات الله». المعجم الأوسط ج9ص142، وعنه في حلية الأولياء ج1ص68، ورواه السيد علي خان المدني بسنده المتصل عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (رياض السالكين: 1 / 31 - 34)

اللفظ الثاني: «لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله»:

رواه الحاكم بسنده عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن زينب بنت أبي سعيدٍ، عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: شكا علي بن أبي طالبٍ الناس إلى رسول الله ﷺ فقام فينا خطيبا، فسمعته يقول: «أيها الناس، لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله» المستدرك على الصحيحين ج3ص144، ورواه ابن إسحاق في «سيرته» من طريق عبد الله بن عبد الرحمن عن سليمان بن محمد بن كعب عن عمته زينب بنت كعبٍ.. السيرة النبوية لابن هشام ج2ص603، وعنه أحمد في مسنده ج18ص337، وفضائل الصحابة ج2 ص679.

ورويَ أيضاً بألفاظ: «خشن» أو «أخيشن» أو «مخشوشن»:

اللفظ الثالث: «مكدوداً في ذات الله»

من خطبة للزهراء –عليها السلام- المعروفة بالفدكية انها قالت: " قَذَفَ أخاه في لَهَوَاتِهَا فلا ينكفئُ حتى يَطَأ جناحَهَا بأخْمَصِه ويُخْمَدَ لَهَبَهَا بسيفه، (مكدوداً في ذات الله)، مجتهداً في أمر الله" رواه ابن طيفور في بلاغات النساء ص32، والجوهري في السقفية، ص ۹۷ ـ ۱۰۱، والشريف المرتضى في الشافي في الإمامة ج ٤ ص ٦۹ ـ ۷۷، والصدوق في معاني الأخبار، ص ۳٥٤ بسندين، والطوسي في الأمالي ص ۳۸٤ المجلس 13.

اللفظ الرابع: «تنمره في ذات الله»

لما مرضت فاطمة سلام الله عليها، المرضة التي توفيت فيها دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها.. فقالت: "وما الذي نقموا من أبى حسن نقموا والله نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله" رواه ابن طيفور في بلاغات النساء ص23، والآبى في نثر الدر ج4ص8، والطبرسي في الاحتجاج ص 149" وابن جرير الطبري في دلائل الامامة ص 126، وغيرهم.

المقام الثاني: بيان معنى الحديث: 

1- «‌لا ‌تسبوا ‌عليا؛ ‌فإنه ‌ممسوس في ذات الله»

يقول العلامة المجلسي: هو لشدة حبه لله واتباعه لرضاه كأنه ممسوس أي مجنون، كما ورد في صفات المؤمن "يحسبهم القوم أنهم قد خولطوا" ويحتمل أن يكون المراد بالممسوس المخلوط والممزوج مجازا، أي: خالط حبه تعالى لحمه ودمه. (بحار الانوار: 39 / 313).

وأضاف النمازي الشاهرودي معنىً ثالثاً: أي يمسه الأذى والشدة في رضا الله تعالى وقربه. (مستدرك سفينة البحار: 9 / 389، ولاحظ أعيان الشيعة للسيد الأمين:  1 / 351).

وقال السيد علي خان المدني: في الأساس: رجل ممسوس: مجنون. وفي المجمل: الممسوس الذي به مسّ من جنّ. انتهى. وهو إمّا على التشبيه بحذف الأداة أو على الاستعارة كقوله تعالى : { صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ } ... والحاصل: أنّه (عليه السّلام) شبّهه صلوات الله عليه في تشدّده وتصلَّبه في الأمور الإلهيّة، وعدم ملاحظته للوم لائم أو رعاية جانب بالمجنون الذي لا يبالي بما يقال فيه من لوم أو مذمّة، ولذلك نسبه أعداؤه إلى الحمق وعدم المعرفة بتدبير الحروب، واستمالة قلوب الرجال حتّى فارقه كثير من أصحابه، والتحقوا بمعاوية وهو (عليه السّلام) لا يلتفت إلى شئ من ذلك في التصميم على إيثار الحقّ والعدل والعمل بهما ولو كره الكافرون... وقال ابن أبي الحديد: كان (عليه السّلام) شديد السياسة خشنا في ذات الله لم يراقب ابن عمّه (ابن عباس)، في عمل كان ولاه إيّاه، ولا راقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به، وأحرق قوما بالنار وقطع جماعة وصلب آخرين ولم يبلغ كلّ سائس في الدنيا في فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر ممّا فعل (عليه السّلام) في حروبه بيده وأعوانه. انتهى. ويحتمل أن يكون وجه التشبيه له بالممسوس ما كان يعتريه (عليه السّلام) من الغشية والهزّة لخشية الله عند اشتغال سرّه بملاحظة جلال الله ومراقبة عظمته كما تضمّنه حديث أبي الدرداء، الذي حكى فيه شدّة عبادته (عليه السّلام) حتّى قال: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحرّكته فلم يتحرك فأتيت منزله مبادرا أنعاه. فقالت فاطمة عليها السّلام: ما كان من شأنه فأخبرتها فقالت: هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى. (رياض السالكين للسيد علي خان المدني: 1 / 35)

2- «لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله» أو «في سبيل الله» وفي رواية: «أخيشنٌ في ذات الله»:

الخشونة ضدّ اللين، ويقال: فلان خشن في دينه إذا كان متشدداً فيه. والمعنى: أنّه (عليه السّلام) شديد التصلَّب، والتشدّد في الأمور الإلهيّة لا يداري فيها ولا يداهن ولا تأخذه لومة لائم. (لاحظ: رياض السالكين للسيد علي خان المدني: 1 / 34)

3- «مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله»

قال المجلسي تعليقاً على قول السيدة –عليها السلام- "مكدوداً في ذات الله": المكدود: من بلغه التعب والاذى، وذات الله: أمره ودينه، وكلما يتعلق به سبحانه، وفي الكشف: مكدودا دؤوبا في ذات الله (بحار الانوار ج 29 ص269).

وتريد السيدة الزهراء –عليها السلام- القول أن عليا مكدودا في ذات الله وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون، ومجتهد في طاعته وأداء تكليفه.

4- «وتنمره في ذات الله»

وصفُ السيدة الزهراء –عليها السلام- لأمير المؤمنين -عليه السلام- بالتنمر في ذات الله: إشارة إلى أنه قوي شديد في ذات الله لا يخشى أحداً.

معنى «ذات الله»

قال العلامة المجلسي معلقاً: فالمراد بقولها: في ذات الله، أي في الله ولله بناء على أن المراد بالذات الحقيقة، أو في الأمور والأحوال التي تتعلق بالله من دينه وشرعه وغير ذلك. (بحار الانوار: 43 / 165).

وقال السيد علي خان المدني: وذات الله: عبارة عمّا يضاف إليه سبحانه من الأوامر والحدود والأحكام، كجنب الله في قوله: يَا حسْرَتا عَلى مَا فَرَّطْتُ في جَنب اللهِ، وفيه شاهد على استعمال ذات بهذا المعنى، وردّ على من أنكره، على انّه قد حكي عن صاحب التكملة: جعل الله ما بيننا في ذاته، وقال أبو تمام: ويضرب في ذات الإله فيوجع. (رياض السالكين للسيد علي خان المدني: 1 / 34)

وخلاصة المعنى، وصفوة القول أن المعنى المُستخلص من تلك الألفاظ جميعا في هذه الأحاديث، أنه (عليه السَّلام) لمَّا كان ممسوساً في ذات الله – بمعنى شدة قربه من الله، وحبه له، وعدم انقطاعه عنه، صار لا يبالي بغيره تعالى - فإن من لوازم ذلك أن يكونَ متنمّراً، مكدوداً، خشناً في طاعة الله تعالى، لا يصبر على انتهاك حُرمِهِ، ولا يرضى بمعصيته تعالى، فهو (عليه السلام) مُتلبّسٌ بالطاعة، مرتدياً ثوب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتطبيق أحكام الله، في ليله ونهاره، وصبحه ومسائه.

والحمد لله أولا وآخراً