من هما اللذان أضلا اليهود والنصارى؟

السؤال: مَن الذي هوّد اليهود؟ ومَن نصّر النصارى؟ فهناك روايتان مختلفتان، أحدهما عن الإمام الكاظم: (ويهودا الذي هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى)، وعن الإمام الصادق: (نحو بولس الذي علم اليهود أن يد الله مغلولة، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن المسيح ابن الله وقال لهم هم ثلاثة)، فأي الروايتين أصح؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وردت بعضُ الروايات تصرِّح باسم الذي أضلّ اليهود واسم الذي أضلّ النصارى، في حين وردت بعضُ الروايات الأخرى ساكتة عن التصريح بالاسم، ومكتفية بأنّهما من بني إسرائيل.

والروايات الواردة فيها التصريح بالاسم هي طائفتان:

الأولى: رواية عبد الله الأصمّ عن عبد الله بن بكر الأرجانيّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيها: « ..نحو بولس الذي علم اليهود أن يد الله مغلولة، ونحو نسطور الذي علّم النصارى: أنّ المسيح ابن الله، وقال لهم: هم ثلاثة.. » [كامل الزيارات ص541].

وفي مصدر آخر: « ..نحو قورس [بولس] الذي علّم اليهود أنّ عزيراً ابن الله.. » [الاختصاص ص344].

وجاء عند العامّة من رواية عبيد الله الأصمّ بإسناده عن جابر الأنصاريّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: « إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة: نسطور صاحب النصارى، وبولس [نواس] صاحب اليهود.. » [الضعفاء الكبير ج3 ص124، العلل المتناهية ج1 ص155].

والأخرى: رواية إسحاق بن عمّار الصيرفيّ عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، وفيها: « ..ويهودا الذي هوّد اليهود، وبولس الذي نصّر النصارى.. » [الخصال ص399، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص215].

والملاحظ: أنّ الذي أضلّ اليهود هو (بولس) في رواية الأرجانيّ، و(يهودا) في رواية الصيرفيّ. وأنّ الذي أضلّ النصارى هو (نسطور) في رواية الأرجانيّ، و(بولس) في رواية الصيرفيّ، مع اختلاف في بعض المصادر.

أقول: إنّ منشأ هذا الاختلاف:

إمّـا عدم ضبط الرواة للأسماء، باعتبار أنّ كلتا الطائفتين مرويّتان من طرق غير الثقات.

وإمّـا عدم ضبط النسّاخ للأسماء، باعتبار وجود اختلاف في بعض الأسماء كما أشرنا.

وإمّـا لتعدّد الأشخاص، باعتبار أنّ أحدهما هو المؤسّس والآخر هو الناشر، كما ربّما يرجح بالنسبة إلى الذي أضلّ النصارى: (بولس) أو (نسطور).

فالمعروف أنّ بولس (شاؤول اليهوديّ) هو الذي أضلّ النصارى مدّعياً بأنّه رسول المسيح، وقد وردت روايةٌ: أنّ بولس علّم نسطوراً أنّ الآلهة ثلاثة: الله وعيسى ومريم، وأمره أنّ يذهب ناحية من البلاد ويدعو الناس إلى هذا الاعتقاد. فيظهر من هذه الرواية أنّه كان لكلٍّ من بولس ونسطور اليد في إضلال النصارى.

قال الثعلبيّ: (وأمّا النصارى فكان شركهم أنّهم كانوا على دين الإِسلام إحدى وثمانين سنة بعد ما رُفِع عيسى عليه السلام، يصلّون إلى القبلة ويصومون رمضان، حتّى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له: (بولس)؛ قتل جملة من أصحاب عيسى عليه السلام، ثمّ قال لليهود: إنْ كان الحق مع عيسى وكفرنا وجحدنا والنار مصيرنا؛ فنحن مغبونون إنْ دخلوا الجّنة ودخلنا النار، وإنّي أحتال فأضلّهم حتّى يدخلوا النار، وكان له فرس يُقال له: (العُقاب) يقاتل عليها، فعرقب فرسه وأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب، فقال له النصارى: من أنت؟ قال: بولس عدوّكم، فنوديت من السماء: ليست لك توبة إلا أن تتنصّر، وقد تبتُ.

فأدخلوه الكنيسة، ودخل بيتاً سنة، لا يخرج منه ليلاً ولا نهاراً حتّى تعلّم الإنجيل، ثمّ خرج وقال: نُوديت أنّ الله قبل توبتك، فصدّقوه وأحبّوه، ثمّ مضى إلى بيت الله المقدّس، واستخلف عليهم (نسطور)، وعلّمه أنّ عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة. ثمّ توجه إلى الروم وعلّمهم اللاهوت والناسوت، وقال: لم يكن عيسى بإنس فيؤنس، ولا بجسم فيجسّم، ولكنّه ابن الله، وعلّم رجلًا يقال له (يعقوب) ذلك. ثمّ دعا رجلاً يُقال له (مَلْكَا)، فقال له: إنّ الإله لم يزل ولا يزال عيسى.

فلمّا استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً، وقال لكلّ واحدٍ منهم: أَنْتَ خالصتي، ولقد رأيت عيسى في المنام ورضي عنّي، وقال لكلّ واحدٍ منهم: إنّي غداً أذبح نفسي، فادعُ إلى نحلتك، ثمّ دخل المذبح فذبح نفسه، وقال: أنا أفعل ذلك لمرضاة عيسى، فلمّا كان يوم الثالث دعا كلُّ واحدٍ منهم النَّاس إلى نحلته، فتبع كلَّ واحدٍ طائفةٌ من الناس، واقتتلوا واختلفوا إلى يومنا هذا، فجميع النصارى من الفرق الثلاث) [تفسير الثعلبي ج13 ص296-298].

وقد وردت هذه الرواية في مصادر أخرى بألفاظ متفاوتة، ينظر: معاني القرآن ج1 ص433، التبصرة في الدين ص152، تفسير البغوي ج4 ص38، التيسير في التفسير ج7 ص318، تفسير القرطبي ج6 ص24، وغيرها.

والحمد لله ربّ العالمين