موقف الشيعة من سعيد بن المسيب

السؤال: مَن هو سعيد بن المسيب حسب رأي أهل البيت (عليهم السلام)؟ وهل هو من الممدوحين الصالحين لدى الشيعة الإماميّة أو لا؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

يستحسن في البداية ذكر شيء من ترجمته، قال الذهبيّ: (الإمام، شيخ الإسلام، فقيه المدينة، أبو محمّد المخزوميّ، أجلّ التابعين، ولد لسنتين مضتا من خلافة... وكان واسع العلم، وافر الحرمة، متين الديانة، قوّالاً بالحقّ، فقيه النفس) [تذكرة الحفاظ ج1 ص54].

اختلفت أقوال علماء الإماميّة حول سعيد بن المسيب بين مادحٍ وذامٍّ ومتوقّف في حاله. والذي نذهب إليه - بعد تحقيق حاله - أنّه كان رجلاً صالحاً من شيعة أهل البيت (ع)، وسنبيّن ذلك مع الاستشهاد ببعض ما ذكره الجمهور حوله؛ لِـما فيه من فائدة في البحث.

أوّلاً: وردت عدّة روايات في مدحه:

1ـ عن الإمام الصادق (ع): « كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمّد بن أبي بكر وأبو خالد الكابليّ من ثقات عليّ بن الحسين (عليهما السلام) » [الكافي ج1 ص520].

2ـ عن الإمام الكاظم (ع): « إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذرّ... – إلى أن يقول - ثمّ ينادي المنادي: أين حواري عليّ بن الحسين (عليه السلام)؟ فيقوم جبير بن مطعم ويحيى بن أمّ الطويل وأبو خالد الكابليّ وسعيد بن المسيب... فهؤلاء المتحوّرة أوّل السابقين وأوّل المقرّبين وأوّل المتحوّرين من التابعين » [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج1 ص43، الاختصاص ص61].

قال الشيخ محمّد تقي المجلسيّ: (وفي القويّ عن أبي الحسن (عليه السلام): أنّه كان من حواري عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، أي من خلّص أصحابه) [روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج14 ص369].

3ـ عن ابن أبي نصر البزنطيّ، قال: « وذكر عند الرضا (عليه السلام) القاسم بن محمّد خال أبيه، وسعيد بن المسيب فقال: كانا على هذا الأمر » [قرب الإسناد ص358].

قال السيّد الخوئيّ: (هذه الرواية لا تدلّ على حسن الرجل فضلاً عن وثاقته، بل تدلّ على أنّه كان شيعيّاً موالياً لأهل البيت (عليهم السلام)) [معجم رجال الحديث ج9 ص140].

قال الشيخ المامقانيّ: (عن الصادق (عليه السلام): بأنّه من ثقات عليّ بن الحسين (عليهما السلام). ونصّ الكاظم (عليه السلام): بأنّه من حواري السجّاد (عليه السلام). ونصّ الرضا (عليه السلام): بكونه إماميّاً عارفاً بهذا الأمر) [تنقيح المقال في علم الرجال ج31 ص313].

4ـ عن الإمام الصادق (ع): « ... ثمّ يجاء بمحمّد (صلى الله عليه وآله) في أهل زمانه، فيُقال له: يا محمّد، بلغت رسالتي واحتججت على القوم بما أمرتك أن تحدّثهم به؟ فيقول: نعم يا ربِّ، فيسألُ القومَ: هل بلّغكم واحتجّ عليكم؟... – إلى أن قال - ثمّ يجاء بعليّ (عليه السلام) في أهل زمانه، فيُقال له كما قيل لمحمّد (صلى الله عليه وآله)، ويكذّبه قومه ويصدّقه الله ويكذّبهم - يعيد ذلك ثلاث مرّات، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، وهو أقلّهم أصحاباً، كان أصحابه أبا خالد الكابليّ ويحيى بن أمّ الطويل وسعيد بن المسيب وعامر بن واثلة وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وهؤلاء شهود له على ما احتجّ به... » [الزهد للأهوازيّ ص104].

فهذه أربع روايات عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) تتضمّن مدحاً بليغاً لسعيد بن المسيب.

ثانياً: مدح الفضل بن شاذان له:

قال الفضل بن شاذان [ت260هـ]: (ولم يكن في زمن عليّ بن الحسين (عليه السلام) في أوّل أمره إلّا خمسة أنفس: سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، محمّد بن جبير بن مطعم، يحيى بن أم الطويل، أبو خالد الكابليّ واسمه وردان ولقبه كنكر، سعيد بن المسيب ربّاه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان حزن - جدّ سعيد - أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام)). [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشيّ) ج1 ص332].

وهذا نصّ مهمّ، قاله عَلَم من أعلام الطائفة في زمانه، والفضل من أهل الرجال، وقوله مبنيٌّ على الحسّ.

ثالثاً: ملازمة سعيد بن المسيب للإمام السجّاد (ع)، وروايته عنه:

اشتهر سعيد بن المسيب بملازمته للإمام السجاد (ع)، وروايته عنه، ومدحه له، فلو كان منحرفاً عن أهل البيت (ع) لَـمَا لازم الإمام (ع).

وهو من رواة دعاء الإمام زين العابدين (ع) في التسبيح المرويّ في الصحيفة السجاديّة، ولا يفيض الإمام هذا الدعاء إلّا على خواصّ شيعته كما هو معلوم. عن سعيد بن المسيب قال: (كان القوم لا يخرجون من مكة حتّى يخرج عليّ بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام)، فخرج وخرجتُ معه، فنزل في بعض المنازل، فصلّى ركعتين، وسبّح في سجوده: « ... سبحانك تسمع وترى ما تحت الثرى، سبحانك أنت شاهد كلّ نجوى سبحانك موضع كلّ شكوى، سبحانك حاضر كلّ ملأ، سبحانك عظيم الرجاء... »). [الصحيفة السجاديّة، الأبطحيّ، ص23 – 24].

وقد تتبعتُ بعض رواياته في كتب الشيعة الإمامية: فوجدتُ له في (الكافي) خمس روايات عن الإمام السجاد (ع)، جاءت أربع روايات منها بصيغة السؤال، وفي إحداها يفدّيه بنفسه. وفي كتاب (مَن لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق روايةً واحدة عنه عن الإمام بصيغة السؤال. وفي كتاب (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي، ذكر عنه سؤالاً واحداً للإمام (ع).

روى سعيد بن المسيب روايات تدلّ على انقطاعه للإمام السجاد (ع) وولائه لأهل البيت (ع):

منها: ما نقله الشيخ الكلينيّ: « ... فقال سعيد بن المسيب لعليّ بن الحسين (عليهما السلام): جعلت فداك، كان أبو بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه؟ فقال: إنّ أبا بكر لـمّا قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قبا، فنزل بهم ينتظر قدوم عليٍّ (عليه السلام)، فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة، فإنّ القوم قد فرحوا بقدومك، وهم يستريثون إقبالك إليهم، فانطلق بنا ولا تقم ههنا تنتظر علياً، فما أظنّه يقدم عليك إلى شهر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كلا، ما أسرعه، ولست أريم حتّى يقدم ابن عمّي وأخي في الله عزّ وجلّ وأحب أهل بيتي إليٍّ، فقد وقاني بنفسه من المشركين. قال: فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأزّ وداخله من ذلك حسد لعليّ (عليه السلام)... » [الكافي ج 8 ص340].

ومنها: ما نقله الشيخ الصدوق: « عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة. فقال: يا ابن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، وتفرقت الآراء، فعليك بعليّ بن أبي طالب، فإنّه إمام أمّتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميّز بين الحقّ والباطل... إنّ منه إمامَيْ أمّتي، وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أمّتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » [الأمالي ص78].

رابعاً: سعيد كان يفتي بقول العامّة:

قال الشيخ الكشيّ: (حدّثني أحمد بن عليّ، قال: حدّثني أبو سعيد الآدميّ، قال: حدّثنا الحسين بن يزيد النوفليّ، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر الأوّل (عليه السلام) قال: « أمّا يحيى بن أمّ الطويل فكان يُظهر الفتوّة، وكان إذا مشى في الطريق وضع الخلوق على رأسه، ويمضغ اللبان، ويطول ذيله، وطلبه الحجاج فقال: تلعن أبا تراب، وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله. وأمّا سعيد بن المسيب فنجا، وذلك أنّه كان يفتي بقول العامّة.. » [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج1 ص338 – 339].

قال الشيخ الوحيد البهبهانيّ: (ومخالفة طريقته لطريقة أهل البيت (عليهم السلام) كثيراً لا ينافي التشيع، كيف؟ وكثير من أصحابهم وأعاظم شيعتهم في غير واحد من المسائل بناؤهم بل فتاويهم - على ما ظهر علينا وعلى من تقدّم عليه من مشايخه - أنّه موافق للعامّة... وسيّما أصحاب عليّ بن الحسين (عليه السلام) حيث إنّه (عليه السلام) من شدّة التقية لم يتمکّن من إظهار الحقّ أصولاً وفروعاً إلّا قليلاً لقليلٍ؟ ويومئ إليه: أنّ الشيعة الذين لم يقولوا بإمامة الباقر (عليه السلام) في الفروع تبعوا العامّة إلّا ما شذّ؛ وذلك لأنّه (عليه السلام) أوّل مَنْ تمكّن منهم، ومع ذلك ما تمكّن للكلّ... ولعلّ إفتاءَه كذلك لأجل النجاة وتقيةً كما نصّ عليه الباقر (عليه السلام)، بل يحصل من الرواية الظنّ كما أشير إليه غير مرّة...) [تعليقة على منهج المقال، ص191 – 189].

خامساً: كلمات جماعة من العلماء:

مدحه جماعة من العلماء غير الفضل بن شاذان الذي تقدّم نقل كلامه، نذكر بعضهم:

قال السيّد محسن الأمين: (وفي قرب الاسناد والكافي في باب مولد الصادق (ع) ما يدلّ على جلالته وتشيّعه، حيث روى شهادة الصادق والرضا (ع) بأنه من الشيعة) [أعيان الشيعة، ج 7، ص 250].

وقال الشيخ الشاهرودي: (كان جدّه حزن أوصى به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فربّاه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام). وفي رواية تعداد الحواريّين عدّه الإمام الكاظم (صلوات الله عليه) من حواري الإمام السجاد (عليه السلام) كما تقدّم في المقدّمات... وروى الحميريّ في الصحيح - كما عن قرب الإسناد - عن البزنطي: « أنه ذُكر عند الرضا (عليه السلام)، القاسم بن محمد بن أبي بكر خال أبيه وسعيد بن المسيب، فقال (عليه السلام): كانا على هذا الامر »... وممّا ذكرناه ظهر حسنه وكماله وقوّة إيمانه ومعرفته. فلا اعتبار لقول مَن ذمّه، فجعله منحرفاً عن أهل البيت... ولقد فصّل الكلام فيه العلّامة المامقاني وأجاد فيما أفاد، وأجاب عمّا زعم منه ذمّه، فراجع إليه) [مستدركات علم رجال الحديث ج4 ص80 – 82].

وقال الشيخ محيي الدين المامقانيّ: (إنّ المترجم من الشيعة الأبرار، والثقات الأجلّاء، فكلّ ما رواه عن طرقنا من الأحاديث ينبغي عدّها من الصحاح من جهته) [تنقيح المقال في علم الرجال ج31 ص334].

سادساً: رواياته عند الجمهور حجّة للإماميّة:

روى الجمهور عن سعيد بن المسيب في كتبهم الحديثيّة ما صار حجّة للإماميّة على غيرهم، فقد روى:

1ـ روى حديث: « يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فَيُجْلَوْنَ عن الحوض » [صحيح البخاري ج7 ص208]. وفي حديث يرويه: « ولكنّكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى » [مسند أحمد ج3 ص39].

2ـ قال سعيد بن المسيب: « اجتمع عليّ وعثمان (رضي الله عنهما) بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال عليّ: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) تنهى عنه. فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إني لا أستطيع أنْ أدَعك. فلمّا أنْ رأى عليّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً » [صحيح مسلم ج4 ص46].

3ـ روى حديث المنزلة: « أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » [صحيح مسلم ج 7 ص120].

4ـ روى حديث: « ليكوننّ في هذه الأمّة رجل يُقال له: الوليد، لهو شرّ على هذه الأمة من فرعون لقومه » [مسند أحمد ج1 ص18].

5ـ وروى سعيد « عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبريل (عليه الصلاة والسلام) بسفرجلة من الجنّة، فأكلتها ليلة أسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنتُ إذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة » [المستدرك على الصحيحين ج3 ص156].

6ـ وروى الزبير بن سعيد القرشيّ قال: « كنّا جلوساً عند سعيد بن المسيب، فمرّ بنا عليّ بن الحسين ولم أرَ هاشميّاً قطّ كان أعبد لله منه، فقام إليه سعيد بن المسيب وقمنا معه، فسلّمنا عليه فردّ علينا، فقال له سعيد: يا أبا محمّد، أخبرنا عن فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهما) قال: نعم...) [المستدرك على الصحيحين ج3 ص470].

7ـ وروى سعيد بن المسيب قال: « سمعت أم سلمة تقول: سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يذكر المهدي، فقال: نعم هو حقّ، وهو من بني فاطمة » [المستدرك على الصحيحين ج4 ص557].

8ـ وهو من رواة حديث: « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن ركب فيها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق، ومَن قاتلنا في آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجال) [المعجم الكبير ج3 ص45].

9ـ وروى حديث: « لأدفعنّ الراية إلى رجلٍ يحبّه الله ورسوله - أو يحبّ الله ورسوله -، فدعا عليّاً، وإنّه لأرمد ما يبصر موضع قدمه، فتفل في عينه، ثمّ دفعها إليه، ففتح الله عليه » [فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص267].

10ـ وروى حديث مؤاخاة النبيّ (ص) لعليّ (ع) [فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، ص275].

11ـ وروى قول عمر: (كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن) [فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ص301].

12ـ وروى أخذ الصحابة بمشورة الإمام عليّ (ع) لاعتماد هجرة النبيّ (ص) بدءاً للتاريخ. [التاريخ الكبير للبخاري ج1 ص9].

كما يلاحظ فإنّ مَن يروي مثل هذه الأحاديث والفضائل لأهل البيت (ع)، لا يُعَدّ منحرفاً عن أهل البيت (ع).

سابعاً: تهمة النصب غير ثابتة:

وأمّا ما نسبوه إليه من النّصب فلا يثبت؛ وذلك أنّهم احتجّوا بعدم صلاته على الإمام السجاد (ع) حين استشهاده. ولكنّ هذا الاستدلال لا يصحّ؛ لوجهين:

الأوّل: أنّ ابن المسيب توفّي قبل استشهاد الإمام زين العابدين (ع) بسنة أو سنتين؛ وذلك لأنّه توفي سنة 93 أو 94 للهجرة، في حين استشهد الإمام السجاد (عليه السلام) سنة 95 للهجرة [ينظر إعلام الورى ج1ص480]، أي بعد وفاة ابن المسيب بسنة على أقل تقدير.

وهذه كلمات بعض العلماء بخصوص تاريخ وفاة ابن المسيب:

قال الذهبيّ: (وقد اختلفوا في وفاته على أقوال: أقواها سنة أربع وتسعين، أرّخها الهيثم بن عدي وسعيد بن عفير وابن نمير وغيرهم. وقال قتادة: سنة تسع وثمانين. وقال يحيى القطان: سنة إحدى وتسعين. وقال ضمرة: سنة إحدى أو اثنتين وتسعين) [تذكرة الحفاظ ج1 ص56]. وقال أيضاً: (وأمّا ما قال المدائنيّ وغيره: من أنّه توفّي سنة خمس ومائة، فغلط. وتبعه عليه بعضُهم، وهي رواية عن ابن معين. ومال إليه أبو عبد الله الحاكم). [سير أعلام النبلاء للذهبيّ ج4 ص246].

وذكر ابن حجر: (عن الواقديّ أنّه مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقال أبو نعيم: مات سنة ثلاث وتسعين) [تهذيب التهذيب ج4 ص74 – 77].

الثاني: أنّ رواية رغبة ابن المسيب عن الصلاة على الإمام السجاد (عليه السلام) ضعيفة، كما صرّح السيّد الخوئيّ، فإنّه قال في ترجمته: (وأمّا الروايات الذامّة، فمنها: ما اشتهر عنه ـ أي سعيد بن المسيب ـ من الرغبة عن الصلاة على زين العابدين (عليه السلام). والجواب: أنّ ذلك لم يثبت، فإنّه لم يرد إلّا في روايتين مرسلتين ذكرهما الكشيّ في ترجمته) [معجم رجال الحديث ج 9 ص141]. وقال أيضاً – بعد ذكر رواية في ذلك-: (الرواية مرسلة، لا يعتمد عليها) [معجم رجال الحديث ج9 ص142].

وقال السيّد - دافعاً تهمة النصب عنه -: (أمّا نصب الرجل بمعنى عدائه لأهل البيت (عليهم السلام)، فلم يثبت) [معجم رجال الحديث ج 9 ص145].

ثـمّ إنّ الذي يظهر من سيرة سعيد: أنّه كان مناوئاً لحكّام زمانه، وكان لا يأخذ العطاء، وقد ضُرِبَ بسبب آرائه، وفُرض عليه حصار اجتماعيّ:

قال ابن حبّان: (فلمّا بويع عبد الملك وبايع للوليد ولسليمان من بعده وأخذ البيعة من الناس أبى سعيد ذلك فلم يبايع... فكتب هشام بن إسماعيل إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إليه: ما دعاك إلى سعيد بن المسيب ما كان علينا منه شيء نكرهه، فأمّا إذا فعلت فادعه فإن بايع وإلا فاضربه ثلاثين سوطاً وأوقفه للناس. فدعاه هشام فأباه وقال: لست أبايع اثنين. فضربه ثلاثين سوطاً، ثمّ ألبسه ثياباً من شعر وأمر به فطيف به...) [الثقات ج4 ص274–275].

وروى البخاريّ: (وقال مالك: دخل أبو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة بن عبد الرحمن على ابن المسيب السجن، وكان ضُرِبَ ضرباً شديداً، فقال: أتريانني ألعب بديني كما لعبتما بدينكما) [التاريخ الكبير ج3 ص511].

وقال الذهبيّ: (دعي سعيد بن المسيّب للوليد وسليمان بعد أبيهما فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار. فقيل: ادخل واخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي بي أحد من الناس، قال: فجلده مائة وألبسه المسوح) [سير أعلام النبلاء ج4 ص231].

وقال: (قال أبو يونس القوى: دخلت المسجد فإذا سعيد بن المسيب جالس وحده، قلت: ما شأنه؟ قالوا: نهي أن يجالسه أحد) [تذكرة الحفاظ ج1 ص56].

وقال: (ما أصلّي صلاة إلّا دعوت الله على بني مروان) [سير أعلام النبلاء ج4 ص238].

أقول: يظهر من خصام سعيد مع بني أمية وعدم بيعته لهم ودعائه عليهم وضربهم له، أنّه كان على غير نهج الجمهور، فأعلام السنّة يتديّنون بطاعة الخليفة ووجوب بيعته حتى لو كان فاسقاً، ويتعبّدون الله بذلك، فلو كان الرجل منهم، عاملاً بحديثهم، لبايع وأطاع، وهذه قرينة مهمة تساعد على تحديد نهجه.

وأمّا زواجه من ابنة أبي هريرة وروايته عنه، فلا يصلح دليلاً على نصبه، فظروف هذا الزواج خافية علينا، وقد تكون زوجته عَلَوية الهوى، وربّما روى عن أبي هريرة في فترة من حياته وتغيّر لاحقاً بعد أنْ صحب الإمام زين العابدين (ع)، فليس من الإنصاف جعل زواجه بابنة أبي هريرة دليلاً على انحرافه.

الخلاصة: سعيد بن المسيّب من خلص شيعة أهل البيت (ع).