هل الموقف الأصيل هو حب علي (ع) ومعاوية معاً؟

السؤال: إذا كرهت عليّاً وأحببت معاوية، أو إذا كرهت معاوية وأحببت علياً فأنت طائفي بالضرورة، وإذا أحببتهما معاً فأنت منتم إلى الأصل. أما إذا نظرت إليهما بعيداً عن عاطفتي الكره والحب فإنك تتوخى الموضوعية التاريخية في الحكم عليهما، وهو المطلوب في علم التاريخ. أما إذا لم يهمك أمرهما، ولا سردية الصراع بينهما، لا من بعيد ولا من قريب، فأنت ابن الحياة المعيشة التي لا تكترث بماضٍ لن يعود. أحمد برقاوي الكاتب السوري المعروف.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

سنعمل على تحليل هذه النصّ بعيداً عن التحقّق من نسبتها للكاتب وأستاذ الفلسفة أحمد برقاوي، والذي يبدو بالنظرة العامّة أنّ صاحب النصّ ليس في وارد التصنيف الموضوعيّ والمحايد لمواقف الأمّة اتّجاه شخصّية الإمام عليّ ومعاوية، وإنّما في وارد التأكيد على الموقف الذي يتبنّاه من بين هذه المواقف التي قام بعرضها، ولكي يتّضح ذلك لا بدّ من الرجوع لكلّ موقف من هذه المواقف.

الموقف الأوّل: (إذا كرهت علياً وأحببت معاوية، أو إذا كرهت معاوية وأحببت علياً فأنت طائفيّ بالضرورة).

والملاحظ أنّ الطائفيّة ليست نتيجة ضروريّة لأيّ واحدٍ من هذه الخيارات، إلّا أنّها قُدّمت في هذا النصّ كنتيجة ضروريّة لهذا الخيار، والهدف من ذلك: هو ممارسة الإيحاء النفسيّ الذي يعمل على استبعاده كخيار لا يجوز مجرّد التفكير فيه، وبذلك يبتعد صاحب النصّ عن الموضوعيّة والحياديّة التي تقوم على تصنيف الخيارات على أساس المرجّحات العقلائيّة وليست النفسيّة، فمصطلح (الطائفية) تمّ حشره هنا ليس للدلالة على حالة الانتماء الطبيعيّ للطوائف الدينيّة، وإنّما من أجل توظيفه كدلالة سلبيّة عمل الإعلام على تكريسها طويلاً.

فمن الممكن جداً، بل من الطبيعيّ أيضاً أن يكون الشخص محبّاً لعليّ، وفي نفس الوقت لا يمارس الطائفيّة على مَن يخالفه الرأي، وإذا تأكّد ذلك - وهو مؤكّد - فحينها لا يمكن التسليم بوجود نتيجة مشتركة تجمع بين مَن يحبّ عليّاً ويكره معاوية، وبين من يحبّ معاوية ويكره عليّاً، وإنّما لكلّ واحد منهما نتيجة مختلفة.

وعلى ذلك، فإنّ النصّ الأكثر موضوعيّة وحياديّة يكون على النحو التالي: (مَن يحبّ عليّاً ويكره معاوية فهو من شيعة عليّ، ومَن يحبّ معاوية ويكره عليّاً فهو من شيعة معاوية)، هذا هو الوصف الموضوعيّ لهذا الخيار.

الموقف الثاني: (وإذا أحببتهما معاً فأنت منتم إلى الأصل).

ومن الواضح أنّ هذا هو الخيار الذي يريد صاحبُ النصّ تمريرَه بعد أن شكّك في الخيار الأوّل، والذي يؤكّد عدم موضوعيّة صاحب هذا النصّ: هو استخدامه لكملة (الأصل) كنتيجة لمن يحبّهما معاً، وهي لا تعدو كونها ممارسة أخرى لعملية الإيحاء النفسيّ، فمَن مِن الناس لا يريد أن يكون منتمياً للأصل؟ إلّا أنّ المخادعة تكمن في عدم بيان هذا الأصل الذي يجب الانتماء إليه، هل هو الإسلام؟ أم هو أهل السنّة؟ أم هو الواقع التاريخيّ؟ بل كيف يكون حبّ عليّ ومعاوية هو الأصل، مع أنّ كلّاً من عليٍّ ومعاوية كان يكره الآخر، ودارت بينهما الحروب والمعارك؟!

وإذا كان من المستحيل إقامة الحجّة على أنّ حبّ عليّ ومعاوية معاً هو الأصل، فإنّ من السهل جدّاً إقامة عشرات الأدلّة والحجج على أنّ حبَّ عليّ وكرهَ معاوية هو الأصل الذي من خلاله يتحقّق الانتماء للإسلام.

الموقف الثالث: (أما إذا نظرت إليهما بعيداً عن عاطفتي الكره والحب فإنّك تتوخّى الموضوعية التاريخية في الحكم عليهما، وهو المطلوب في علم التاريخ).

ويلاحظ عليه: أنّ الموضوعيّة وإنْ كانت تقتضي الابتعاد عن الموقف النفسيّ، وهي مطلوبة لأيّ بحث تاريخيّ، إلّا أنّ ذلك ليس خاصّاً بالموقف من عليّ ومعاوية، وإنّما يشمل جميع الشخصيّات التاريخيّة.

والأمر الذي سكت عنه هو طبيعة الحكم الذي يترتّب على هذا البحث الموضوعيّ لتاريخ الإمام عليّ ومعاوية، فهل يجوز للباحث أن يحبّ الإمام عليّ بعد أن يقف على فضائله ومناقبه؟ وهل يجوز له أن يكره معاوية بعد أن يقف على إجرامه وفضائحه؟ إنْ أجاز ذلك يكون قد نسف خياراته السابقة، وإنْ لَـم يجز ذلك يكون قد نسف الموضوعيّة في البحث التاريخيّ.

فإذا كانت الموضوعيّة تقتضي الابتعاد عن الحبّ والكره قبل البحث التاريخيّ، فإنّ الموضوعيّة نفسها تقتضي اتّخاذ الموقف المناسب بعد الفراغ من البحث التاريخيّ.

الموقف الرابع: (أما إذا لم يهمك أمرهما، ولا سردية الصراع بينهما، لا من بعيد ولا من قريب، فأنت ابن الحياة المعيشة التي لا تكترث بماضٍ لن يعود).

ويلاحظ عليه: أنّ سردية الصراع بين عليّ ومعاوية ليست مجرّد حالة تاريخيّة لا ربط لها بالموقف العقائديّ والثقافيّ والفكريّ للمسلم المعاصر، وإنّما هي حاضرة وبقوّة على مستوى الفهم الذي يتبنّاه المسلم المعاصر للإسلام.

فممّا لا يخفى أنّ هناك قراءتين للإسلام: قراءة شيعيّة، وقراءة سنيّة، وكلّ واحدة من هذه القراءات ترتكز بشكل أو بآخر على ما حصل بعد وفاة رسول الله (ص)، والخلاف بين الإمام عليّ ومعاوية يعدّ من أهمّ المفاصل التاريخيّة المؤثّرة بشكل واضح على موقف السنّة والشيعة.

ولذلك لا يمكن أن نتفهّم اللامبالاة التي يصوّرها هذا الخيار، إلّا إذا كان يصوّر موقف الإنسان الذي لا يهتمّ بسرديّة الإسلام من الأساس، وكلّ ما يهمه هو العيش في الحياة بحسب ما تمليه عليه رغباته الشخصيّة.