مشروعية ثورة زيد بن علي

سؤال: قرأت قولاً لأحد المشايخ أنّ الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام ترحّم على زيد الشهيد ولكن ليس هنالك ما يثبت أنّه كان راضياً على خروجه، وبهذا يقصد أنّ خروج زيد كان بغير رضا من الإمام الصادق عليه السلام، فبطلت أحقية خروج زيد بن علي رحمه الله، فهل هذا صحيح؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

إنّ ترحّمَ الإمام الصادق عليه السلام على زيد دليلٌ على استقامتة وصحة موقفه، ولو كان زيدٌ مخالفاً للصادق عليه السلام عاصياً له لما ترحّمَ الإمام عليه.

وما جاء في السؤال من عدم رضا الإمام الصادق عليه السلام غير دقيق ، فقد بكى عليه الصادق عليه السلام وقسّمَ الأموال على عوائل المقتولين معه وقرعَ من تخلف عن نصرته كما في بعض الروايات .

روى الشيخ الكليني بسندٍ صحيح عن : ( علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) ... ولا تقولوا خرج زيدٌ فإن زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ( عليهم السلام ) ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه) الكافي ، ج 8 - ص 264

والروايةُ واضحة الدلالة على تأييد الإمام الصادق عليه السلام لزيدٍ ودفاعه عنه.

وروى الشيخُ الصدوق ، قال : ( حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال : أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال : حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال : حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال : لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة وأحرقَ دور ولد العباس وهبَ المأمونُ جرمهُ لأخيه علي بن موسى الرضا عليهما السلام وقال له : يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبلهُ زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما أتاه بصغير.

فقال الرضا عليه السلام : يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيدا إلى زيد بن علي فإنّه كان من علماء آل محمد غضبَ لله عزّ وجلّ فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام أنّهُ سمع أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول : رحمَ الله عمي زيداً إنّهُ دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له : يا عم إنْ رضيتَ أن تكون المقتولَ المصلوبَ بالكناسة فشأنك. فلمّا ولّى قال جعفر بن محمد : ويلٌ لمن سمع واعيتهُ فلم يجبه ، فقال المأمون : يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء ؟

فقال الرضا عليه السلام : إنّ زيد بن علي لم يدعُ ما ليس له بحق وإنّه كان أتقى لله من ذلك أنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام وإنما جاء ما جاء فيمن يدعي أنّ الله تعالى نصّ عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضلّ عن سبيله بغير علم، وكان زيدٌ والله ممّن خوطب بهذه الآية : ( وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم )) عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 1 - ص 225 – 226

يتجلى في هذه الروايةِ دفاعُ الإمام الرضا عليه السلام عن زيد، ومعلومٌ أنّ الائمة معصومونَ موقفهم واحد ورأيهم واحد، ولو لم يكن الصادق عليه السلام راضياً عنه لما دافعَ عنه الإمام الرضا عليه السلام.

وروى الكشي : ( حدثني نصر بن الصباح ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد البصري ،قال : حدثني علي بن إسماعيل ، قال : أخبرني فضيل الرسان ، قال : دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام بعد ما قتل زيد بن علي رحمة الله عليه ، فأدخلتُ بيتاً جوف بيت فقال لي : يا فضيل قتل عمي زيد ؟ قلت : نعم جعلت فداك . قال : رحمهُ الله إنّه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صادقاً ، أما أنّه لو ظفر لوفى ، أما أنّه لو ملكَ لعرف كيف يضعها) اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي، ج 2 - ص 652

قال السيد نور الله التستري ( 1019هـ) : ( والتحقيق أنّ زيداً لم يدّعِ الخلافة، بل المتيقنُ به أنّه يعلم مستحقها في زمانه هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام ) مجالس المؤمنين ج3 ص 270

وأختمُ بما قاله الشيخ محمد حسن المظفر : ( وزيدٌ عليه السّلام ما ادّعى الإمامة لنفسه بل ادَّعتها الناس له ، وما دعاهُ للنهضة إِلا نصرةُ الحقّ وحرب الباطل ، وزيد أجلّ شأناً من أن يطلبَ ما ليس له ، ولو ظفر لعرف أين يضعها ، وقد نسبت بعض الأحاديث ادّعاءهُ الإمامة لنفسه ، ولكن الوجه فيها جليّ ، لأنّ الصادق عليه السّلام كان يخشى سطوةَ بني أُميّة ، ولا يأمن من أن ينسبوا إليه خروجَ زيد ، وأنّ قيامه بأمر منه ، فيؤخذ هو وأهلهُ وشيعتهُ بهذا الجرم ، فكان يدفعُ ذلك الخطر بتلك النسبة ، ولو كان زيدٌ كما تذكره هذه الأحاديث لم يبكهِ قبل تكوينه جدّاه المصطفى والمرتضى عليهما وآلهما السّلام ، ولم تبلغ بهما ذكرياتُ ما يجري عليه مبلغاً عظيماً من الحزن والكآبة ، كما هو الحال في آبائه عندما يذكرونَ مقتله وما يجري عليه بعد القتل . وكفى في إِكبار نهضتهِ وبراءته مما يُوصم به بكاء الصادق عليه السّلام عليه وتقسيمهُ الأموال في عائلاتِ المقتولين معه ، وتقريعُ من تخلّف عن نصرته ، وتسميتهُ الثائرين معه بالمؤمنين ، والمحاربين له بالكافرين . وكيف يكون قد طلبَ الإمامة لنفسه والصادق عليه السّلام يقول : رحمهُ اللَّه أما أنه كان مؤمناً وكان عارفاً وكان عالماً وكان صدوقاً ، أما أنّه لو ظفر لوفى ، أما أنّه لو مَلَك لعرف كيف يضعها ...

والأحاديثُ عن نزاهة زيدٍ عن تلك الدعوى وافرةٌ جمّةٌ ، فهو أتقى وأنقى من أن يلوّث نفسه الطاهرة بدعوى الإمامة ، وإِنّما ادَّعتها له بعض الناس بعد وفاته فعرفوا بالزيديّة لتلك المقالة) الإمام الصادق ( ع ) ، ج 1 - ص 48 - 50

وقد ذهب الشهيد الأول ( ت 786هـ) إلى أنّ خروج زيد كان بإذن الإمام. قال رحمه الله عن بعض من خرجوا للقتال : (أو جاز أن يكون خروجهم بإذن إمامٍ واجب الطاعة ، كخروج زيد بن علي عليه السلام وغيره من بني علي عليه السلام ) القواعد والفوائد ، ج 2 ص 207

فهذه أقوال بعض محققي الإمامية في تبرئةِ زيد من عصيان إمام زمانه، وفيها يظهر ترحّمُ الإمام عليه ورضاه عنه .