لماذا لا يحقُّ للمرأة أن تأمّ الرجالَ في صلاة الجماعة؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

إمامةُ المرأةِ للرجال في الصلاةِ من المسائلِ الفقهية التي يُسألُ فيها عن دليلِ الجواز أو دليلِ المنع، فثبوتُ أيّ حكم شرعي لا يتوقفُ على معرفةِ حِكمتهِ التشريعية؛ وذلك لأنّ الأحكامَ العبادية أمورٌ توقيفيةٌ يجبُ الالتزام بها تعبّداً متى ما ثبتت بالدليلِ الشرعي، فلا يُقال مثلاً لماذا صلاةُ الصبح ركعتان؟ وإنما يقالُ ما هو الدليل على أنها ركعتان؟

وعلى ذلك ليس بالضرورة أن نحيط علماً بالحِكمةِ من عدم جواز إمامةِ المرأة للرجال، ولا يعني ذلك حرمةَ التفكير في حِكم الأحكام ومحاولة التعرف عليها بشرط أن لا يقطعَ المجتهدُ بكون الحِكمة التي توصّلَ لها هي الحِكمة التي قصدها الشارعُ دون غيرها.

وبالفعل هناك بعضُ الآراء الاجتهادية التي حاولت بيانَ الحِكمة من حرمةِ إمامةِ المرأة للرجال في الصلاة، فقال بعضهم " أنّ الصلاة في الإسلام لها مقوّماتها وخصائصها، فليست مجرّدَ ابتهالٍ ودعاءٍ كالصلاة في النصرانية، بل فيها: حركاتٌ وقيام وقعود، وركوعٌ وسجود، وهذه الحركاتُ لا يحسنُ أن تقوم بها امرأة بين يدي الرجال، في عبادة يتطلب فيها خشوع القلب، وسكينة النفس، وتركيز الفكر في مناجاة الرب"

وقال البعض الآخر: " أننا لو سمحنا للمرأة أن تكون إمامًا للرجال في الصلاة في المسجد -أو في غيره-، ثم فاجأها دم الحيض، أو الولادة، وهى في المحراب تصلى بالناس؟! فإنّ ذلك سيفسدُ على المأمومين صلاتهم جميعاً، وسيقعون في لغو وفوضى عارمة.. ولك أن تتصوّرَ حال تلك المرأة -الإمام- حين تدهمها آلام بدء الولادة -الطلق -أو سيل من دماء الحيض الذي لا يمكن لها أن تسيطر عليه، أو أن تمنعه، أو أن تتوقَّع وقتًا محددًا لمجيئه! وهذا السببُ وحده كافٍ لإعفائها من الإمامة لو كانوا يعقلون؟!".

وقيل أيضاً: " أنّ صوت المرأة الناعم الرخيم من شأنه أن يثير بعض الرجال، ومعلوم أنّ الإمام يرفعُ صوتهُ في التكبير والتسليم في كلّ الصلوات، بالإضافة إلى الجهر بالقراءة في أوَّل ركعتين من الصلوات الجهرية، وإذا كان الشأن كذلك فإنه الجوّ الروحاني والخشوع اللازم للصلاة بالنسبة للرجال المأمومين سيكون معدوما"

وغير ذلك من الحِكم التي يمكنُ أن يتأولها كلّ مجتهد باجتهاده، وما يهمُّ الفقهاء في هذه المسألة هو دراسة الأدلة الشرعية التي تمنعُ إمامةَ المرأة أو تجيزها، ولذا حفلت الكتبُ الفقيهة بالكثير من المناقشات في هذا الشأن.

والمؤكّدُ أنه لا يخلو نقاش فقهي من الخلاف على مستوى الصناعة الفقهية، فقد يضّعفُ فقيهٌ دلالةَ بعض الأدلة ويقوّي بعضها عكس الفقيه الآخر.

ومع ذلك هناك نحوٌ من الإجماع على مستوى الفتوى، فجميع فقهاء الشيعة والسّنةِ يحرّمونَ إمامةَ المرأة للرجال، فسيرةُ المتشرعةِ منذ بداية البعثة وإلى اليوم لم تذكر حادثةً واحدةً قدّمَ فيها المسلمونَ المرأة لإمامة الرجال في الصلاة، وعلى حسبِ علمنا لم يخالف في ذلك من فقهاء الشيعة إلا الشيخ الصانعي، حيث علقَ على اشتراط الذكورة في إمام الجماعة في تعليقته على تحرير الوسيلة، فقال: "وإن كان جواز إمامة المرأة لمثلها لا تخلو عن قوّة، بل وجواز إمامتها للرجال أيضاً؛ لقاعدة الاشتراك، وإطلاق أخبار الجماعة وعمومها الدالّ على استحباب الجماعة مطلقاً، بل وبعض الأخبار الناهية عن الصلاة إلاّ خلف من تثق به مثلاً، ممّا تدلّ على أنّ الشرط في صحّة الجماعة كون الإمام موثوقاً به، فإنّه المناط في الصحة، رجلاً كان أو امرأة.." ولا نعلم هل يلتزم بذلك على نحو الفتوى؟ وهل يصحّحُ بالفعل صلاةَ الرجال الذين تتقدّمهم امرأة؟