هل تخلو الأرض من حجّة؟

السؤال: هناك رواية وردت في الكافي الشريف وهيَّ أنّ الأرض لا تخلو من حجّة. هل هنا المقصود بالحجّة الظاهريّة أم الباطنيّة أم كليهما ؟ وعندما نقول: إنّ هناك زمناً قد خلا من حجّة ظاهريّة واقتصر على حجّة باطنيّة، فهل هذا يتعارض مع الرواية ؟ لكون الحجّة الباطنيّة تعتبر حجّة.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

اعلم أخي السائل الكريم أنّ هناك عدّة روايات في هذا الشأن، وليس رواية واحدة، ففي باب كامل في الكافي بعنوان (أنّ الأرض لا تخلو من حجّة) [ج1 ص 178].

أورد فيه ثقة الإسلام الكلينيّ مجموعة من الروايات منها: "عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا، قلت: يكون إمامان؟ قال: لا إلّا وأحدهما صامت".

وعن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: "إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردّهم، وإن نقصوا شيئا أتمّه لهم".

وعن عبد الله بن سليمان العامريّ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما زالت الأرض إلّا ولله فيها الحجّة، يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله".

وعن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: "تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا."

وعن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الله أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل".

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: "والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم عليه السلام إلّا وفيها إمام يهتدي به إلى الله وهو حجّته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده".

وعن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت".

وغير ذلك من الروايات التي تؤكّد عدم خلوّ الأرض من حجّة لله تعالى، وهذه الروايات يمكن أن تفهم ضمن سياق قوله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ)، فالأئمّة الأوصياء هم حجج الله بعد غياب الأنبياء والرسل، وهذه سنّة ماضية في جميع الأنبياء منذ آدم عليه السلام، وقد اتّفق جميع المسلمين بأنّ أوّل الأوصياء بعد آدم عليه السلام هو هبة الله شيث عليه السلام، ففي الحديث أنّه لمّا انقضت نبوّة آدم عليه السلام واستكملت أيّامه أوصى الله تعالى إليه بأن يا آدم قد قضيت نبوّتك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأعظم وميراث العلم وآثار علم النبوّة في العقب من ذرّيتك عند هبة الله ابنك فإنّي لم أقطع العلم والايمان والاسم الأعظم وأثار علم النبوّة في العقب من ذرّيتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد بينك وبين نوح" (البحار ج 23 ص 64).

وفي حديث عن أمّ هاني بنت أبي طالب عن رسول الله (ص) قال: (.. يا أمّ هاني أنّه أمير في الأرض وأمير في السماء، إنّ الله جعل لكلّ نبيّ وصيّاً فشيث وصيّ آدم، ويوشع وصيّ موسى، وآصف وصيّ سليمان، وشمعون وصيّ عيسى، وعليّ وصيّي وهو خير الأوصياء في الدنيا والآخرة". وقال في رواية أخرى: "خلق الله تعالى مائة ألف نبيّ، وأربعة وعشرين ألف نبيّ وأنا أكرمهم على الله ولا فخر، وخلق الله عزّ وجلّ مائة ألف وصيّ، وأربعة وعشرين ألف وصيّ فعليّ أكرمهم على الله" (ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج2 ص 247).

وفي كتاب الإمامة والتبصرة لابن بابويه باب بعنوان الوصيّة من لدن آدم عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام ذكر فيه أسماء الأوصياء.

وكذلك عقد الشيخ الصدوق باباً في كتاب من لا يحضره الفقيه بعنوان الوصيّة من لدن آدم عليه السلام، ذكر فيه عدّة أحاديث، وجعل في إكمال الدين باباً بعنوان اتّصال الوصيّة من لدن آدم (ع) وأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله عزّ وجلّ على خلقه إلى يوم القيامة.

وذكر العلّامة المجلسّي في الباب الثامن من كتاب الإمامة من بحار الانوار باباً بعنوان اتّصال الوصيّة، إذْ ذكر الأوصياء من لدن آدم (ع) الى آخر الدهر .

كما أشار الكثير من علماء أهل السنّة إلى هؤلاء الأوصياء، فقد ذكر ابن سعد أسماء الأوصياء من آدم إلى نوح (عليهم السلام)، وذكر اليعقوبيّ أسماء الأوصياء إلى الحواريّين من أوصياء عيسى (ع)، وذكر المسعوديّ أسماء الأوصياء إلى سام وصيّ نوح (ع) وغير ذلك كثير.

والمهمّ هنا أنّ الأئمّة والأوصياء هم الحجج بعد الأنبياء ولا يمكن أن تخلو الأرض من حجّة لله تعالى إمّا ظاهر مشهور وإمّا غائب مستور كما قال أمير المؤمنين (ع): "اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم للّه بحججه، إمّا ظاهراً مشهوراً، او خائفاً مغموراً لئلّا تبطل حجج اللّه وبيّناته).

وقال عليه السلام: ((الـلّـهـمّ لابـدّ لك مـن حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة ... على خلقك يهدونهم إلى دينك ويعلّمونهم علمك لئلّا يتفرّق أتـبـاع أولـيـائك، ظـاهـر غـيـر مطاع، أو مكتتم خائف يترقّب، إن غاب عن النّاس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم).

وقال عليه السلام: (اللّهُمّ وإنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ولا ينقطع موادّه، فإنّك لا تخلي أرضك مـن حـجّـة عـلـى خـلـقـك، إمّا ظاهر يطاع، أو خائف مغمور ليس بمطاع، كي لا تبطل حجّتك ويضلّ أولياؤك بعد إذْ هديتهم).

وعن الامـام الـصـادق عليه السلام: (لـم تـخل الارض – منذ خلق اللّه آدم - من حجّة للّه فيها: ظاهر مشهور، أو غائب مستور).

وعن الامام الباقر عليه السلام: "لا تبقى الارض بغير إمام ظاهر أو باطن عليه السلام"

وهذه الأحاديث الأخيرة تفسّر ما يبحث عنه السائل، فالإمام هو حجّة الله على خلقه سواء قصدنا بالحجّة الولاية الباطنيّة والتكوينيّة أم قصدنا بها الولاية التشريعيّة، فعلى مستوى الولاية التكوينيّة لا يستقيم الكون والوجود من دونه، إذْ (لولا الحجّة لساخت الارض بمن عليها)، وشرح ذلك وتفسيره يحتاج إلى مساحة أخرى، أمّا على مستوى الولاية التشريعيّة فالحجّة متحقّقة من قبل الله تعالى بتعيينه وتنصيبه، ويبقى الأمر مرهون بقبول الناس، فإن أطاعوه واتّبعوا أمره كان ظاهراً مشهوراً، وإن خالفوه وعادوه وحاربوه كان غائباً مستوراً.