سبب عدم مشاركة إبراهيم الأشتر في واقعة الطف

السؤال : أين كان إبراهيم بن مالك الاشتر من واقعة الطف ؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

يجب أن نعترف مقدّما بقلّة النصوص التاريخيّة التي تطرّقت لحياة بعض الشخصيّات التاريخيّة ومسيرة حياتها، وحياة إبراهيم الأشتر يلفّها الغموض قبل أن يلتحق بالمختار وينصره ضدّ الأمويّين، وممّا لا شكّ فيه ولاء إبراهيم لأهل البيت (ع) وجهاده في سبيلهم وبلاؤه البلاء الحسن كما ذكر نصر بن مزاحم المنقريّ ( ت 212هـ ) في كتاب صفّين .

كان إبراهيم الأشتر من كبار رجالات الكوفة المشهورين بتشيّعه، وهو كبير قومه، لهذا قبض عليه ابن زياد مع آخرين حين علم بمراسلة أهل الكوفة للإمام الحسين (ع)، وأودعه السجن، وهذا هو سبب عدم نصرته للإمام (ع) في كربلاء، وقد يكون إيداعه السجن من أيّام معاوية كما سيأتي.

والدليل على هذا الكلام ما ذكره السيّد ابن طاووس ( ت 664هـ ) نقلا عن كتاب أبي مخنف (ت 157هـ)، إذْ قال : ( قال أبو مخنف (ره) ... وفى ذلك الوقت كانت ولاية المصرين البصرة والكوفة بيد عبيد الله بن زياد الملعون الفاجر ، وكان يزيد الملعون أوصاه أن يقيم بالبصرة ستّة أشهر وبالكوفة ستّة أشهر . فلما هلك ( لع ) كان ابن زياد الملعون بالبصرة وكان في حبسه أربعة آلاف وخمسمائة رجل من التوّابين من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأبطاله ، وجاهدوا معه وكانوا في حبس ابن زياد الملعون من أيّام معاوية ولم يكن لهم سبيل إلى نصرة الحسين عليه السلام، لأنّهم كانوا مقيّدين مغلولين بالحبس وكانوا يطعمون يوما ، ويوما لا يطعمون وهم بالكوفة فلمّا جاء البريد إلى الكوفة بخبر هلاك يزيد لعنه الله وكان ابن زياد الملعون في ذلك الوقت بالبصرة . وشاع هلاك يزيد ( لع) وثبوا على دار ابن زياد ونهبوا أمواله وخيله وقتلوا غلمانه وكسروا حبسه وأخرجوا منه الأربعة آلاف وخمسمائة رجل من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام منهم سليمان بن صرد الخزاعيّ وإبراهيم بن مالك الأشتر ...) [اللهوف على قتلى الطفوف، ص 153].

فهذه وثيقة تاريخيّة مهمّة بيّنت أنّ إبراهيم كان في سجن ابن زياد من أيّام معاوية حتّى هلاك يزيد، وربّما قبض عليه ابن زياد بعد مراسلة الكوفيّين للإمام الحسين ع، وبكلّ الأحوال كان في سجن ابن زياد في أثناء واقعة كربلاء.

ونقل السيّد ابن طاووس هذا النصّ عن كتاب أبي مخنف، وأبو مخنف مؤرّخ ثقة. قال الشيخ النجاشيّ في ترجمته : ( لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم الأزدي الغامديّ ، أبو مخنف، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه ...). [فهرست أسماء مصنّفي الشيعة ، ص 320 ].

وطريق السيّد ابن طاووس إلى أبي مخنف يمرّ عبر جدّه الشيخ الطوسيّ، وطريق الشيخ الطوسيّ إليه صحيح . قال السيّد الخوئيّ : ( وكيف كان فهو ثقة مسكون إلى روايته على ما عرفت من النجاشيّ . وطريق الشيخ إليه صحيح ). [معجم رجال الحديث، ج15 ص 142].

ويبقى الإشكال في كلام المؤرّخ أبي مخنف وهو الإرسال، فقد توفّي سنة 157هـ، لكن الإشكال يهون إذا ما عرفنا أنّه قريب العهد بتلك الأحداث، والرجل روى خبرا تاريخيّاً، لا يشترط فيه صحّة السند، كما أنّه مسكون إلى روايته كما مرّ.

وقد أكّد بعض العلماء ما نقله السيّد ابن طاووس عن أبي مخنف، إذْ قال الشيخ عليّ النمازيّ: (وابن زياد لمّا اطّلع على مكاتبة أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام)، حبس أربعة آلاف وخمسمائة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبطاله، منهم سليمان هذا وإبراهيم الأشتر وصعصعة وأمثالهم، ولم يكن لهم سبيل إلى نصر الحسين (عليه السلام)، لأنّهم كانوا مقيّدين مغلولين في الحبس، إلى أن سقط يزيد في الهاوية وشاع ذلك، وكان ابن زياد في البصرة، وثبت الشيعة على دار ابن زياد ونهبوا أمواله وقتلوا غلمانه وكسروا حبسه وأخرجوهم من الحبس وتهيّأو المطلب الثار...) [مستدركات علم رجال الحديث، ج 4، ص 137 – 138].

وقال الشيخ عبد الله المامقانيّ : ( إنّ ممّا اتّفقت عليه كتب السير والتواريخ أنّ ابن زياد لمّا اطّلع على مكاتبة أهل الكوفة الحسين عليه السّلام حبس أربعة آلاف وخمسمائة رجل من التوّابين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام وأبطاله ، الذين جاهدوا معه ، منهم: سليمان- هذا - وإبراهيم بن مالك الأشتر ، وابن صفوان ، ويحيى بن عوف ، وصعصعة العبديّ . . وغيرهم ، وفيهم أبطال وشجعان ، ولم يكن له سبيل إلى نصر الحسين عليه السّلام ؛ لأنّهم كانوا مقيّدين مغلولين بالحبس ، وكانوا يوم يطعمون ويوم لا يطعمون...) [تنقيح المقال في علم الرجال، ج33 ص 189].