هل كانَ الحسينُ عليه السّلام مقتولاً أو على قيد الحياةِ حينَ وطئت الخيلُ صدرَه؟
سؤالٌ، في زيارةِ الناحيةِ المُقدّسة: فهويتَ إلى الأرضِ جريحاً، تطؤك الخيولُ بحوافرها، وتعلوكَ الطغاة ببواترها.. هل كانَ الحسينُ مقتولاً أم على قيدِ الحياة حينَ سحقَتهُ الخيل؟
السّلام عليكم ورحمة الله،
يظهرُ من كتبِ التأريخِ والمقاتلِ أنّ حادثةَ وطئِ الخيلِ صدرَ أبي عبدِ الله الحسُين عليه السّلام حصلَت بعدَ مقتلِه سلامُ اللهِ عليه، وقد كانَ هذا الفعلُ منهم تنفيذاً لأمرِ عُبيدِ اللهِ بنِ زياد لعنَه الله ، إذ كتبَ إلى عمرَ بنِ سعد : ( إنّي لم أبعثكَ إلى الحسينِ لتكُفَّ عنه ولا لتطاوِلَه ولا لتمنّيهِ السلامةَ والبقاءَ، ولا لتعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعاً ، انظُر فإن نزلَ حسينٌ وأصحابُهُ على حُكمي واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلماً ، وإن أبَوا فازحَف إليهم حتّى تقتلَهُم وتمثِّلَ بهم ، فإنّهم لذلكَ مستحقّونَ! وإن قُتِلَ الحسينُ فأوطِئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ، فإنّهُ عاتٍ ظلوم ! وليسَ أرى أنَّ هذا يضرُّ بعدَ الموتِ شيئاً ، ولكن عليَّ قولٌ قد قلتُهُ : لو قتلتُهُ لفعلتُ هذا به ، فإن أنتَ مضيتَ لأمرِنا فيه جزيناكَ جزاءَ السّامعِ المُطيع ، وإن أبيتَ فاعتزل عملنا وجُندَنا ، وخلِّ بينَ شمرٍ بنِ ذي الجوشن وبينَ العسكر فإنّا قد أمرناهُ بأمرِنا ، والسّلام .)
[أنسابُ الأشرافِ للبلاذري ج3 ص183 ، الإرشادُ للمُفيد ص287 ، المنتظمُ لابنِ الجوزي ج5 ص337 ، مقتلُ الحسينِ للخوارزمي ج1 ص150 ، وغيرُها ].
وهذه تعدُّ منَ القضايا المشهورةِ في كتبِ التاريخِ والمقاتل، إذ إنّ عُمَرَ بنَ سعد نادى: مَن ينتدبُ إلى الحُسين (عليه السّلام) فيُوطِئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ؟ فقامَ عشرةٌ - ذَكرَ المؤرّخونَ أسماءَهم - فداسُوا بخيولِهم جسدَ ريحانةِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله .
انظر : تاريخُ الطبري ج4 ص347 ، الإرشادُ للمفيد ص303 ، مروجُ الذّهب للمسعودي ج3 ص62 ، الكاملُ في التّاريخ لابنِ الأثير ج3 ص184 ، اللهوفُ لابنِ طاووس ص182 ، المناقبُ لابنِ شهرِ آشوب ج4 ص121 ـ مقتلُ الحسينِ للخوارزمي ج1 ص150 ، روضةُ الواعظينَ للفتّالِ النيسابوري ص189 ، وغيرها . قالَ السيّدُ إبنُ طاووس : ( قال الرّاوي : ثمَّ نادى عمرُ بنُ سعد في أصحابِه : مَن ينتدبُ للحسينِ فيوطئ الخيلَ ظهرَه وصدره؟ فانتدبَ منهم عشرة وهم : إسحاقُ بنُ حوبةَ الذي سَلَبَ الحسينَ عليه السّلام قميصَه, وأخنسُ بنُ مرثد ، وحكيمٌ بنُ طُفيلٍ السّبيعي ، وعمرُ بنُ صبيحٍ الصيداوي ، ورجاءٌ بنُ منقذ العبدي ، وسالمٌ بنُ خيثمة الجعفي ، وصالحٌ بنُ وهب الجعفي ، وواحظُ بنُ غانم ، وهاني بنُ ثبيث الحضرمي ، وأسيدٌ بنُ مالك (لعنَهم الله) . فداسُوا الحسينَ عليه السّلام بحوافرِ خيلِهِم حتّى رضُّوا ظهرَه وصدره.
قالَ الرّاوي : وجاء هؤلاءِ العشرةُ حتّى وقفوا على ابنِ زيادٍ لعنَه اللهُ فقالَ أسيدُ بنُ مالك - أحدُ العشرة - : نحنُ رضَضنَا الصدرَ بعدَ الظهرِ *** بكلِ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ
فقالَ ابنُ زياد : مَن أنتم ؟ قالوا : نحنُ الذينَ وطئنا بخيولِنا ظهرَ الحُسين حتّى طحنَّا حناجرَ صدرِهِ ! قالَ : فأمَرَ لهم بجائزةٍ يسيرة .
قالَ أبو عُمرَ الزاهد : فنظرنا إلى هؤلاءِ العشرةِ فوجَدنَاهم جميعاً أولادَ زنا ! وهؤلاءِ أخذَهُم المختارُ فشدَّ أيديَهم وأرجُلَهم بسككِ الحديدِ وأوطأ الخيلَ ظهورَهم حتّى هلكوا ).
(اللهوفُ لابنِ طاووس ص182 ، ومثيرُ الأحزانِ لابنِ نما ص59 ).
وقالَ أبو ريحان البيروني : ( وفُعِلَ به - الحسينُ - وبهم ما لم يُفعل في جميعِ الأممِ بأشرارِ الخلقِ منَ القتلِ بالعطشِ والسّيفِ والإحراقِ وصلبِ الرّؤوسِ وإجراءِ الخيولِ على الأجساد .) الآثارُ الباقية 329 . وهيَ روايةُ أبي مخنفٍ عن حميدٍ بنِ مسلم كما يظهرُ من تاريخِ الطبري وإرشادِ المُفيد وغيرِهما .
قالَ الكراجكي : ( وأمّا بنو السّرجِ : فأولادُ الذينَ أُسرِجَت خيله لدوسِ جسدِ الحُسين ( عليهِ السّلام ) ، ووصلَ بعضُ هذهِ الخيلِ إلى مصر ، فعُلِقَت نعالُها من حوافرِها وسُمِّرَت على أبوابِ الدّورِ ليُتَبَرَكَ بها ، وجرَت بذلكَ السُنَّةُ عندَهم حتّى صاروا يتعمَّدونَ عَمَلَ نظيرِها على أبوابِ دُورِ أكثرِهِم .) التعجّبُ مِن أغلاطِ العامّة 116 .
بل فوقَ هذا، وردَت عبارةٌ في زيارةِ النّاحيةِ المُقدّسةِ تفيدُ أنّ الخيلَ وطئت الإمامَ الحُسينَ عليه السّلام حينَ سقطَ مِن على جوادِه جريحاً أي حينَ كانَ على قيدِ الحياة؛ ونصُّ العبارةِ ما يلي: (حتّى نكسوكَ عَن جوادِك، فهويتَ إلى الأرضِ جريحاً، تطؤكَ الخيولُ بحوافرِها، و تعلوكَ الطغاةُ ببواترها، قد رشحَ للموتِ جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تديرُ طرفاً خفيّاً الى رحلكَ وبيتك..) ويستفادُ مـمّا تقدّمَ أنّ الخيولَ وطئت الإمامَ الحُسينَ عليه السّلام في حياتِه وبعدَ إستشهادِه.
ولكن إن اعتُرِضَ على ذلكَ بما نقلَه الكُلينيُّ (ره) من روايةٍ يظهرُ مِنها عدمُ حصولِ ذلك، إذ روى بسندِهِ عن إدريسَ بنِ عبدِ الله الأودي قال : لمّا قُتِلَ الحسينُ عليه السّلام أرادَ القومُ أن يوطئوهُ الخيلَ ، فقالَت فضّةُ لزينب : يا سيّدتي إنَّ سفينةً كُسرَ بهِ في البحرِ فخرجَ إلى جزيرةٍ فإذا هوَ بأسدٍ ، فقاَل : يا أبا الحارثِ أنا مولى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، فَهَمهَمَ بينَ يديه حتّى وقفَ على الطريقِ والأسدُ رابضٌ في ناحيةٍ ، فدعيني أمضي إليه وأُعلِمُهُ ما هُم صانعونَ غداً ، قالَ : فمضَت إليه فقالت : يا أبا الحارثِ! فرفعَ رأسَه ثمَّ قالت : أتدري ما يريدونَ أن يعملوا غداً بأبي عبدِ الله عليه السّلام ؟ يريدونَ أن يوطئوا الخيلَ ظهرَه ، قالَ : فمشى حتّى وضعَ يديهِ على جسدِ الحُسينِ عليه السّلام ، فأقبلَت ( الخيلُ ؟ ) فلمّا نظروا إليهِ قالَ لهم عمرُ بنُ سعد - لعنَه الله - : فتنةٌ لا تثيروها انصرفوا ، فانصرفوا .)، ( الكافي ج1 ص465 ).ولاسيّما أنّ العلّامةَ المجلسيَّ - بعدَ أن حكَمَ على سندِ الرّوايةِ بالجهالةِ ، ونقلَ روايةَ السيّدِ إبنِ طاووس – ذهبَ إلى القول: ( وأقولُ : المعتمدُ ما رواه الكليني (ره) ويمكنُ أن يكونَ ما رواهُ السيّدُ إدّعاءً من الملاعينِ، وذلكَ لإخفاءِ هذهِ المُعجزة ، وكأنّهُ لذلكَ قلَّلَ ولدُ الزّنا جائزتَهم لعلمِه بكذبِهم ، وما فعلَه المُختارُ لادعائِهم ذلكَ وإن كانَ باطلاً ، وإن كانَ ما فعلوهُ بهِ عليه السّلام قبلَ ذلكَ أفحشَ وأفظع منه .) مرآةُ العقولِ ج5 ص371 - 372 .
فجوابُ هذا الإعتراضِ بأنّه يمكنُنا حلّ هذا الخلافِ بأن نقول: إنّ ما نقلَه الرّاوي إدريسُ بنُ عبدِ الله هوَ خلافُ المشهورِ، ولكن يمكنُ التوفيقُ بينَ روايتِه وروايةِ الجمهورِ بحملِها على تعدّدِ الحادثةِ، إذ يظهرُ مِن حادثةِ وطئ الخيولِ صدرَ الإمامِ عليهِ السّلام أنّها حصلَت في اليومِ العاشرِ مِن محرّم بعدَ مقتلِه مباشرةً ، وروايةُ إدريسَ بنِ عبدِ الله تنصّ على أنَّ الأسدَ جاءَ في اليوم الحادي عشر لحراسةِ جسدِ أبي عبدِ اللهِ الحُسين عليه السّلام حسبَ طلبِ فضّة، ولا سيّما أنّ المشهورَ بينَ علمائِنا والثابتَ تاريخيّاً أنّ الأمرَ قد وقعَ وحصل. والأمرُ يومئذٍ للهِ الواحدِ القهّار. وَدُمتُم سَالِمِين.
اترك تعليق