عليٌّ قالع باب خيبر.
السؤال: هل هناك دليلٌ على أنَّ الإمام علياً (ع) قلع باب خيبر؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من جملة الوقائع الإسلامية المشهورة هي معركة خيبر والتي حظيت بشأنٍ خاصٍّ من بين الوقائع والمعارك التي خاضها النبيّ (ص)، إذْ هزم فيها يهود خيبر، وقوَّض مركز التآمر عليه وعلى حكومته الجديدة، إذْ كانوا مُتحصِّنين في حصونٍ منيعةٍ تُدعى بخيبر، في منطقةٍ خصبةٍ شمال غربي المدينة المنوَّرة، والتي تبعد عنها مسافة ثمانية برد، أي: ما يُقارب (200) كيلو متر [يُنظر: معجم البلدان ج2 ص409، والطبقات الكبرى ج2ص106]. وقد كان لأمير المؤمنين (ع) الدور الأبرز في هذه المعركة، إذْ فتح الله حِصنها على يديه المباركتين بعد أنْ قلع بابها الذي عجز عن قلعه الكثيرون، وإليك جملةً من الروايات الواردة في هذا الشأن.
1ـ روى أبو بكر بن أبي شيبة عن مطَّلب بن زياد، عن ليث قال: (دخلتُ على أبي جعفر، فذكر ذنوبه وما يخاف، قال: فبكى ثمَّ قال: حدَّثني جابر أنَّ علياً حمل الباب يوم خيبر حتَّى صعد المسلمون ففتحوها، وإنَّه جُرِّب فلم يحمله إلَّا أربعون رجلاً) [مصنَّف ابن أبي شيبة ج6 ص374].
2ـ وروى البيهقيُّ بسنده عن أبي رافع، مولى رسول الله (ص) قال: (خرجنا مع عليٍّ حين بعثه رسول الله (ص) برايته، فلمَّا دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم فضربه رجلٌ من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول عليٌّ باب الحصن فترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده ـ وهو يقاتل ـ حتَّى فتح الله عليه ثمَّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر من سبعة أنا ثامنهم نجهد على أنْ نقلب ذلك الباب فما استطعنا أنْ نقلبه) [دلائل النبوَّة ج4 ص212].
3ـ وروى الحافظ جلال الدين السيوطيُّ بسندٍ حَسنٍ عن جابر بن سمرة قال: (إنَّ علياً (رضي الله عنه) حمل الباب يوم خيبر حتَّى صعد المسلمون ففتحوها، وأنَّه جُرِّب فلم يحمله إلَّا أربعون رجلاً) [جامع الأحاديث ج4 ص253].
4ـ وروى بَحْرَق في الحدائق، وفيه: (وكان عليٌّ (رضي الله عنه) قد تخلَّف بالمدينة لرمدٍ كان بعينيه، ثمَّ لحق بالمسلمين، فلمَّا كان مساء الليلة التي فتح الله في صباحها الحصن، قال النبيّ (ص): «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»...فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» قال الراوي: فإذا نحن بعليٍّ قد أقبل وما كنَّا نرجوه، فقالوا: ها هو يشتكي عينيه، فدعاه وبصق في عينيه، فبرأ لوقته، حتَّى كأن لم يكن به وجع، ثمَّ أعطاه الراية، فتقدَّم إلى الحصن، فأشرف عليه رجلٌ من اليهود، فقال: من أنت؟، قال: أنا عليٌّ، قال: علوتم الآن وربِّ موسى وهارون، فبرز له رئيسهم مرحب، فضرب ترس عليٍّ فطرحه، فتناول عليٌّ باباً كان عند الحصن فتترَّس به، ثمَّ ضرب رأس مرحبٍ فقتله، ثمَّ كان الفتح على يديه، ولم يزل الباب بيد عليٍّ (رضي الله عنه) إلى أنْ انقضى القتال، ثمَّ طرحه. قال أبو رافع مولى رسول الله (ص): فلقد رأيتني ثامن ثمانية نجهد أنْ نقلب ذلك الباب فلم نقلبه) [حدائق الأنوار ومطالع الأسرار ص337].
5ـ وقال أبو عبد الله الزركشيُّ في التذكرة ما هذا لفظه: (الحديث السادس: إنَّ علياً (رضي الله عنه) حمل باب خيبر. زعم العلماء: أنَّ هذا الحديث لا أصل له، وإنَّما يروى عن رعاع الناس، وليس كما يُقال، فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع، وأنَّ سبعة لم يقلبوه. وأخرجه الحاكم من طرقٍ، منها: عن أبي علي الحافظ...عن جابر: أنَّ علياً حمل الباب يوم خيبر، وأنه جُرِّب بعد ذلك فلم يحلمه أربعون رجلاً. ومنها: ما رواه عن إسماعيل بن محمَّد بن الفضل...عن جابر: أنَّ علياً لما انتهى إلى الحصن اجتذب أحد أبوابه، فألقاه بالأرض، فاجتمع عليه بعده سبعون رجلاً، فكان جهدهم أنْ أعادوا الباب) [التذكرة في الأحاديث المشتهرة ص166].
6ـ وقال حسن بن محمَّد المالكيُّ: (يُشير الناظم بهذا إلى ما رواه ابن إسحاق: (حدَّثني عبد الله بن حسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع قال: خرجنا مع علي حين بعثه النبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) برايته، فلمَّا دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجلٌ من يهود، فطرح ترسه من يده، فتناول عليٌّ باباً كان عند الحصن، فترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتَّى فتح الله عليه، ثمَّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتنا في نفرٍ سبعة معي، أنا ثامنهم، نجهد على أنْ نقلب ذلك الباب، فلم نقلبه).
قال الشهاب في المواهب: (وفي رواية البيهقيّ: أنَّ علياً لما انتهى إلى الحصن اجتذب أحد أبوابه، فألقاه بالأرض، فاجتمع عليه بعده منَّا سبعون رجلاً، فكان جهدهم أنْ أعادوا الباب مكانه). قلت: والأحاديث في هذا الباب وإنْ كانت ضعيفة ـ كما نقله الشهاب عن شيخه السخاويّ ـ إلَّا أنَّها تُقبل في باب المناقب والفضائل، كما هو معلومٌ ومقررٌ في محلِّه) [إنارة الدجى ص542].
7ـ ونظَّم هذا المعنى ابن أبي الحديد شعراً، وفيه قوله:
يا قالع الباب الذي عن هزِّه ***عجزتْ أكفٌ أربعون وأربع
[يُنظر: الروضة المختارة ص140].
8ـ وروى شيخنا الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمر وابن العاص قال: (إنَّ رسول الله (ص) دفع الراية يوم خيبر إلى رجلٍ من أصحابه فرجع منهزماً، فدفعها إلى آخر فرجع يُجبِّن أصحابه ويُجبِّنونه، قد ردَّ الراية منهزماً، فقال رسول الله (ص): «لأعطين الراية غداً رجلاً يُحب الله ورسوله، ويُحبُّه الله ورسوله، لا يرجع حتَّى يفتح الله على يديه»، فلمَّا أصبح قال: «ادعوا لي علياً». فقيل له: يا رسول الله، هو رَمِدٌ. فقال: «ادعوه». فلمَّا جاء تفل رسول الله (ص) في عينيه، وقال: «اللهمَّ ادفع عنه الحر والبرد»، ثمَّ دفع الراية إليه ومضى، فما رجع إلى رسول الله (ص) إلَّا بفتح خيبر...فحمل عليهم عليٌّ (ع) حتَّى دنا من الباب، فثنى رجله، ثمَّ نزل مغضباً إلى أصل عتبة الباب فاقتلعه، ثمَّ رمى به خلف ظهره أربعين ذراعاً. قال ابن عمر: وما عجبنا من فتح الله خيبر على يدي عليٍّ (ع)، ولكنَّا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعاً، ولقد تكلَّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه، فأُخبر النبيّ (ص) بذلك فقال: «والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكاً») [الأمالي ص ٦٠٣].
والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ حادثة قلع الباب من قِبَل أمير المؤمنين (ع) مروية في مصادر الفريقين بشكل مستفيض.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق