دور الإمام علي في معركة احد:

سؤالٌ: ماذا فعلَ الإمامُ عليّ يومَ أحُد بعدَ خسارةِ المُسلمينَ المعركة. ماذا حلَّ بعليٍّ؟ وأينَ كان؟ وماذا فعل؟ هل هربَ مثلَ البقيّة؟ الاحتمالُ الأوّلُ أنّهُ بقيَ يقاتلُ المُشركينَ في ساحةِ المعركة، وهُنا يجبُ أن يحدثَ أحدُ هذهِ الاحتمالات: بقيَ يقاتلُ حتّى قتلَ المُشركينَ وهزمَهم، وهذا لم يحصُل لأنَّ المُسلمينَ هُم مَن خسروا المعركة! بقيَ يقاتلُ حتّى قتلَه المُشركون، ولكن هذا لم يحدُث لأنّهُ بقيَ وعاشَ حياتَه لسنينَ طويلةٍ بعدَ المعركة! بقيَ يقاتلُ وأخذَه المُشركونَ كأسيرِ حرب، لكنَّ هذا لم يحدُث بحسبِ كلِّ الرواياتِ مِن دونِ استثناء! بقيَ يقاتلُ المُشركينَ في ساحةِ المعركةِ لوحدِه وهربَ كلُّ المُسلمينَ لكنَّ المُشركينَ لم يكترثوا لأمرِه ولم يقاتلوه وأخذوا يهتفونَ " انتصَرنا, انتصَرنا, هااااا " ثمَّ جمعوا الغنائمَ وذهبوا تاركينَ عليّاً ابنَ أبي طالبٍ لوحدِه في المعركةِ وهوَ رافعٌ سيفَه البتّار ويُنادي "مَن يُباااااارز، مَن يبااااارز" ثمَّ يلتفتُ يميناً ويساراً ليجدَ نفسَه وحيداً في ساحةِ المعركةِ لا مُسلمينَ ولا مُشركين !!!!

: الشيخ معتصم السيد احمد

#الجوابُ:

موقفُ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) في معركةِ أحد لا يتطلّبُ أكثرَ مِنَ الرّجوعِ إلى المصادرِ التاريخيّة، فالأمرُ لا يحتاجُ إلى هذهِ الاحتمالاتِ والفرضيّات التي تكشفُ عن حقدِ واستهتارِ صاحبِها بأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام).

فقد شهدَت كلُّ المصادرِ التاريخيّةِ على الدّورِ العظيمِ للإمامِ عليّ عليهِ السلام في معركةِ أحُد، حيثُ قتلَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) في تلكَ المعركةِ معظمَ صناديدِ قُريش وأبطالهم، فلم يحمِل رايةَ المُشركينَ أحدٌ إلّا وقتلهُ أميرُ المؤمنين، حتّى قتلَ مِن بني عبدِ الدّار تسعةً مِن أصحابِ الألوية، وبقيَت رايةُ المُشركينَ على الأرضِ حتّى أخذَتها عمرةُ بنتُ علقمة الحارثيّة، وذكرَ المفيدُ في إرشادِه: أنَّ أصحابَ اللواءِ كانوا تسعةً، قتلَهم عليُّ بنُ أبي طالب عن آخرِهم، وانهزمَ القوم.

وتؤكّدُ أكثرُ الرواياتِ أنّه بعدَ أن قُتلَ أصحابُ الألويةِ والتحمَ الجيشانِ، لم يتقدَّم أحدٌ مِن عليٍّ (عليهِ السلام) إلّا بعجَهُ بسيفِه أو ضربَه على رأسِه ففلقَ هامتَه وأرداهُ قتيلاً، وانكشفَ المُشركونَ لا يلوونَ على شيءٍ، حتّى أحاطَ المسلمونَ بنسائِهم، ودبَّ الرّعبُ في قلوبِهم، فكادَ النصرُ يلوحُ للمُسلمينَ لولا مخالفةُ الرّماةِ لأمرِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

وبعدَ استشهادِ حمزةَ (عليهِ السلام) وانهزامِ المُسلمينَ لم يبقَ معَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، سوى أميرِ المؤمنينَ ونفرٌ قليل، وعلى الرّغمِ مِنَ الانكسارِ الذي حصلَ بسببِ تركِ الرّماةِ مواقعَهم فإنَّ النّصرَ كانَ حليفَ المُسلمين بما قامَ به أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السَّلَام) ومَن استشهدَ وثبتَ معَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في تلكَ المعركة.

وقد شهدَ بدورِه في أحدٍ كلُّ مَن عاصرَه منَ الصّحابة، وهذا عمرُ بنُ الخطّاب يروي ما شاهدَهُ مِن أميرِ المؤمنين َفي أُحد، ففي تفسيرِ القُمّيّ عن أبي واثلةَ شقيقِ بنِ سلمة قال:

(كنتُ أماشي عمرَ بنَ الخطّاب إذ سمعتُ منهُ همهمةً، فقلتُ له: مَه يا عُمر، فقالَ: ويحَك أما ترى الهزبرَ القثمَ ابنَ القثمِ والضاربَ بالبهم، الشديدَ على مَن طغا وبغا بالسيفينِ والرّاية!

فالتفتُّ فإذا هوَ أميرُ المؤمنينَ الإمامُ عَلِيُّ بنُ أبي طالب (عليهِ السلام) فقلتُ له: يا عُمر، هوَ عَلَيٌّ بنُ أبي طالب.

فقالَ: ادنُ مِنّي أحدّثُك عَن شجاعتِه وبطالتِه، بايعنا النبيَّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآله) يومَ أحدٍ على أن لا نفرَّ، ومَن فرَّ مِنّا فهوَ ضالٌّ، ومَن قُتلَ مِنّا فهوَ شهيدٌ، والنَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآله)، زعيمُه، إذ حملَ علينا مائةُ صنديدٍ تحتَ كلِّ صنديدٍ مائةُ رجلٍ أو يزيدون، فأزعجونا عن طاحونتِنا، فرأيتُ عليّاً كالليثِ يتّقي الذرَّ إذ قد حملَ كفاً مِن حصى فرمى به في وجوهِنا، ثمَّ قال: (شاهَت الوجوه، وقطّت وبطّت ولطّت، إلى أينَ تفرّون؟ إلى النَّار؟) فلم نرجِع!

ثمَّ كرَّ علينا الثانيةَ وبيدِه صفيحةٌ يقطرُ مِنها الموتُ فقالَ: بايعتُم ثمَّ نكثتم، فواللهِ لأنتُم أولى بالقتلِ ممَّن أقتل، فنظرتُ إلى عينيهِ كأنّهما سليطانِ يتوقدانِ ناراً، أو كالقدحينِ المملوءين دماً، فما ظننتُ إلّا ويأتي علينا كلّنا فبادرتُ أنا إليهِ مِن بينِ أصحابي فقلتُ: يا أبا الحَسَن اللهَ الله، فإنَّ العربَ تفرُّ وتكر، وإنَّ الكرّةَ تنفي الفرّة، فكأنّه استحيى، فولّى بوجهِه عنّي، فما زلتُ أسكّنُ روعةَ فؤادي، فواللهِ ما خرجَ ذلكَ الرّعبُ مِن قلبي حتّى السَّاعة، ولم يبقَ مع رسولِ الله إلّا أبو دُجانةَ سمّاكُ بنُ خرشة وأميرُ المؤمنينَ (عليهِ السَّلَام)، وكلّما حملَت طائفةٌ على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) استقبلَهم أميرُ المؤمنينَ صلواتُ الله عليه فيدفعُهم عن رسولِ الله، ويقتلُهم حتّى انقطعَ سيفُه...).

وفي كتابِ مناقبِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، لمُحمّدِ بنِ سُليمانَ الكوفي قالَ: إنَّ جبرائيلَ (عليهِ السلام) نزلَ على رسولِ الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآله)، فقالَ: (إنَّ هذهِ واللهِ المواساةُ يا مُحَمَّد...).

فكانَ نعمَ الأخِ ونعمَ الصّابرِ المُجاهدِ والمُحامي الذي به حفظَ اللهُ نبيَّه مِن أيدي المُشركين.

وقد صارَ الإمامُ (عليهِ السلام) المثلَ الأعلى للفداءِ والتضحيةِ في سبيلِ الله ورسولِه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فكانَ أَوَّلُ السبّاقينَ للجهادِ والموتِ في سبيلِ الله.