هل أمير المؤمنين نفس رسول الله؟
سؤال: يعترض أحد المخالفين على فضيلة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه نفس النبيّ (صلى الله عليه وآله)، بدليل الآية: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}، بأنّ القرآن نفسه يقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}.
الجواب:
أوّلاً:
ممّا لا شكّ فيه أنّ كلمة (أنفسنا) التي جاءت في آية المباهلة - وهي قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} - لها مصداق واحد، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) بإجماع الأمّة. ففي صحيح مسلم: « لمّا نزلت هذه الآية :{..فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ..} دعا رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي » (صحيح مسلم: 4/1871)، وهذا ما عليه علماء التفسير من جميع الطوائف والفرق.
ثانياً:
صرّح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنّ علياً (عليه السلام) هو كنفسه (صلى الله عليه وآله)، في كثير من الروايات:
من ذلك: ما نقله ابن أبي شيبة: « اللهمّ أنا أو كنفسي، ثمّ أخذ بيد عليّ » (مصنف ابن أبي شيبة: 7/ 499).
ومنها: ما نقله الهيثميّ: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): « أو لأبعثنّ إليكم رجلاً منّي أو كنفسي، يضرب أعناقكم، ثمّ أخذ بيد عليّ، فقال: هذا » (مجمع الزوائد: 9/ 163).
ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) - وقد سُئل عن بعض أصحابه، فقيل: فعليّ؟! - قال: « إنّما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي » ( الشافي في الإمامة: 2/ 256).
مضافاً للأحاديث الكثيرة التي تؤكّد منزلة أمير المؤمنين من رسول الله، مثل قوله (صلى الله عليه وآله) لعليّ: « أنت منّي وأنا منك » (صحيح البخاري: 3/ 168). وقوله في حجّة الوداع: « عليّ منّي وأنا منه، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ » (مسند أحمد: 4/ 164). وقوله: « خُلقت أنا وعليّ من نور واحد »(تذكرة الخواص: 1/320). وقوله: « خُلق الناس من أشجار شتّى، خلقت أنا وعليّ من شجرةٍ واحدة » (المستدرك على الصحيحين: 2/241).
وغير ذلك من الأحاديث الشريفة التي تؤكّد - دون أدنى ريب - أنّ نفس الإمام عليّ (عليه السلام) هي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أخلاقه وصفاته ومناقبه وكمالاته..
ثالثاً:
إنزال أمير المؤمنين منزلة نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يمكن أن يستقيم ما لم يكن لعليّ (عليه السلام) من الصفات والمناقب التي تجعله جديراً بهذه المنزلة، فضمير المتكلم (نا) في (أنفسنا) خصّص أمير المؤمنين بهذه المنزلة، الأمر الذي يعني أن أمير المؤمنين هو نفس رسول الله في كلّ شيء إلّا النبوّة، واستثناء النبوة جاء بدليل خارجيّ، كقول رسول الله لعليّ: « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبّي بعدي ».
رابعاً:
إنّ المقصود من كلمة {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} - التي جاءت في قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) - أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو من نوع البشر ومثلهم ومن صنفهم، وليس من الملائكة، أو من المخلوقات الأخرى، وهذا ما أجمع عليه المفسّرون - سنّة وشيعة -، ومن ذلك: ما جاء في تفسير ابن كثير حيث قال: (يقول تعالى ممتنّاً على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم، أي: من جنسهم وعلى لغتهم، كما قال إبراهيم (عليه السلام): {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم}، وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}، وقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} أي: منكم وبلغتكم، كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشيّ، والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إنّ الله بعث فينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصفته، ومدخله ومخرجه، وصدقه وأمانته) (تفسير ابن كثير: 4/211).
وإذا رجعنا لآية المباهلة، وجدنا أنّ هناك شخص آخر غير النبيّ (صلى الله عليه وآله) في كلمة (أنفسنا)، حيث لا يمكن أن يكون المقصود هو رسول الله؛ إذ لا يمكن أن يدعو الإنسان نفسه، حينها لا يمكن أن نحمل المقصود من كلمة (أنفسنا) على جنس البشر ليكون المقصود: يا رسول الله، أحضر معك أيّ واحد من البشر، وإذا استحال ذلك وجب علينا البحث عن معنى آخر يمثّل مشتركاً بين رسول الله وبين أمير المؤمنين غير المشترك العام، ولا وجود لذلك غير اشتراكهما وتساويهما في الصفات الكماليّة والمناقب الأخلاقيّة، بذلك يثبت أنّ امير المؤمنين هو كنفس رسول الله في كلّ شيء إلّا ما خرج بدليل.
اترك تعليق