نحن النمرقة الوسطى
سؤال: ما معنى ما قَالَه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): « نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى، بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي »؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقل الشريف الرضي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: « نحن النمرقة الوسطى، بها يلحق التالي، وإليها يرجع الغالي » [نهج البلاغة ج4 ص26، خصائص الأئمة ص98]. وقد ورد هذا المعنى في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) عن الشيعة، ينظر: الكافي ج2 ص75.
(النمرقة) – بالضمّ أو الكسر أو الفتح – جمع (نمارق)، واستُعملت بصيغة الجمع في القرآن: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} [الغاشية: 15]، وتعني: الوسادة، أو الطنفسة فوق الرحل.
والوجه في استعارة لفظ النمرقة: أنّ الوسادة ممّا يعتمد عليها الإنسان، وقد شُبِّه أهل البيت (عليهم السلام) بذلك؛ للاستناد إليهم والاعتماد عليهم في أمور الدين والدنيا، كما يُستند إلى الوسائد ويعتمد عليها لراحة الظهر واطمئنان الأعضاء. والطنفسة فوق الرحل ممّا يركبها الإنسان، وقد استعيرت لما يراه الإنسان مذهباً يرجع إليه، ومسلكاً يتّبعه، ويكون كالراكب له، والجالس عليه.
وفي توصيفها بـ(الوسطى) وجوه:
1ـ أنّ المراد بالنمرقة الوسطى هي الوسادة الموضوعة في مكان يمكن أن يتكئ عليها الجلّاس من جانبيها، بخلاف الوسادة الموضوعة في طرفٍ، فإنّه لا يعتمد عليها إلّا الجالس في أحد جانبيها، وليس في جانبها الآخر مكان يجلس فيه أحد فيتكأ عليها.
ينظر مجمع البحرين ج5 ص242، حاشية الشعراني على شرح الكافي ج8 ص241.
2ـ أنّ المراد بالنمرقة الوسطى هي الوسادة المتوسّطة غير الرفيعة جداً والخفيفة جداً؛ إذ الرفيعة جداً والخفيفة جداً لا تصلح للتوسّد، بل لا بدّ لها من حدّ من الارتفاع والانخفاض حتّى تصلح لذلك.
ينظر مرآة العقول ج8 ص55.
3ـ أنّ المراد بالنمرقة الوسطى هي الفضلى، يُقال: هذه هي الطريقة الوسطى، والخليقة الوسطى، أي: الفضلى، ومنه قوله تعالى: {قال أوسطهم} أي أفضلهم، فالنمرقة الوسطى هي أشرف النمارق وأحسنها.
ينظر شرح نهج البلاغة للمعتزليّ ج18 ص273، شرح أصول الكافي ج8 ص241.
4ـ أنّ المراد بالنمرقة الوسطى هي التي تُوضع في صدر المجالس، فيلحق بها ويتوجّه إليها مَن على الجانبين.
ينظر مرآة العقول ج8 ص54.
5ـ أنّ وصف النمارق بالوسطى باعتبار اتّصال سائر النمارق بها، فكأنّ الكلّ يعتمد عليها إمّا مباشرة أو بواسطة ما بجانبه. وأهل البيت (عليهم السلام) على الصراط الوسط العدل، يلحق بهم مَن قصّر، ويرجع إليهم مَن غلا وتجاوز.
ينظر تعليقة محمد عبده على نهج البلاغة ج4 ص26.
ولنذكر في المقام بعضَ كلمات العلماء في شرح هذا الحديث، فإنّها تتضمّن معانٍ لطيفة:
1ـ قال أبو الحسن البيهقيّ: (الحقّ وأهله متوسّطون، والباطل على الطرفين، فإنّ المبطل إمّا مقصّر وإمّا متجاوز، كما قال أمير المؤمنين - عليه السّلام -: « لا ترى الجاهل إلَّا مفرِطاً أو مفرّطاً »، فشبّهَ الحقّ بواسطة الأشياء. فمِن حقّ مَن تخلَّف عنه أن يبادر إليه فيلحق به، ومِن حقّ مَن تجاوزه أن يرجع إليه فيقف عنده، فلمّا كان أمير المؤمنين إمام الحقّ وجب على سائر الناس أن يقفوا عنده) [معارج نهج البلاغة ص419].
2ـ وقال ابن ميثم البحرانيّ: (النمرقة: وسادة صغيرة، واستعار لفظها له ولأهل بيته بصفة الوسطى، باعتبار كونهم أئمّةَ الحقّ، ومستنداً للخلق في تدبير معاشهم ومعادهم على وجه العدل المتوسّط بين طرفيّ الإفراط والتفريط، ومن حقّ الإمام الحقّ المتوسّط في الأمور أن يلحق به التالي - أي المفرّط المقصّر -، وأن يرجع إليه الغالي - أي المفرط المتجاوز لحدّ العدل -) [شرح نهج البلاغة ج5 ص297، اختيار مصباح السالكين ص604].
3ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزليّ: (والمعنى أنّ كلّ فضيلة فإنّها مجنّحة بطرفين معدودين من الرذائل.. والمراد أنّ آل محمّد - عليه السلام - هم الأمر المتوسّط بين الطرفين المذمومين، فكلّ مَن جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، وكلّ من قصر عنهم فالواجب أن يلحق بهم) [شرح نهج البلاغة ج18 ص273].
والحمد لله رب العالمين
اترك تعليق