أقوال أهل العلم في الأحاديث غير الموثّقة سنداً، والأحاديث المرسلة

سؤال: السلام عليكم ورحمة الله 1- ماذا قال عُلماؤنا في الأحاديث غير الموثّقة سندًا؟ 2- وماذا قالوا في الأحاديث المرسلة من دون سند، وهل هي حجة أو يلزمها أحاديث أخرى تقوي بعضها بعضاً؟

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله

اعلم أخي السائل أنّ الأحاديث غير الموثّقة سنداً في عرف علمائنا الأعلام تسمّى بالأحاديث الضعيفة سنداً التي تقابل الأحاديث الصحيحة سنداً، وأمّا لماذا الأحاديث غير الموثّقة سنداً تُعَـدُّ من الأحاديث الضعيفة، وذلك لأنّ رواة الأحاديث عموماً لا يخلو حالهم من إحدى أمورٍ ثلاثة، فإمّا أنّهم موثّقون منصوصٌ على وثاقتهم من قبل نقّاد الحديث، وإمّا أنّهم ضعفاء منصوصٌ على ضعفهم، وإمّا أنّهم لم يرد في حقّهم جرحٌ ولا تعديل، فيسمّون بالرواة المجاهيل الذين سيكون حالهم حال الرواة الضعفاء ممّن ينظر في حديثهم إنْ كان له شاهد أو قرينة محتفّة به اعتبر به وإلّا فلا، وذلك لأنّ المعروف بين أهل العلم أنّ الحديث الضعيف منه المعتبر ومنه غير المعتبر:

فغير المعتبر منه هو ذلك الحديث الذي يكون مدار إسناده على راوٍ متّهم بوضع الحديث أو بالكذب أو متروك الحديث، أو يكون منكر الحديث يتفرّد عن ثقات المحدّثين بما ليس عليه شاهد أو قرينة، كما هو مبيّن في كتب علم الحديث كتدريب الراوي للسيوطيّ من العامّة وكتاب مقباس الهداية في علم الدراية للمامقانيّ من الخاصّة، في باب الحديث الضعيف، والموضوع والمتروك والمنكر.

وأمّا المعتبر من الحديث الضعيف فهو ذلك الحديث الذي يكون راويه مِـمّنْ وُصِفَ بأنّه مجهولٌ أو ضعيف الحديث، ولكنْ ضعفه لم يكن ناشئاً من تهمته بوضع الحديث أو بكونه كذّاباً أو نحو ذلك، وإنّما نشأ من كونه ممّن يخطئ في الحديث أو يسهو فيه أو يهم فيه أو نحو ذلك ممّا هو مبيّن في كتب علم الحديث، في باب الحديث الضعيف.

والشاهد على ذلك ما تراه في كتب كثيرٍ من تراجم العلماء، فلانٌ ضعيفٌ يعتبر به، وفلانٌ ضعيفٌ لا يعتبر به، أو فلانّ ضعيفٌ يُخرّج حديثه شاهداً كما في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانيّ من العامّة، وكتاب الضعفاء لابن الغضائريّ من الخاصّة.

فهذا الفئة من الرواة ممّن يتقوّى حديثهم إذا وجد لهم شاهدٌ من طريقٍ آخر، أو وجدت لهم قرينة معتبرة احتفّت بخبرهم، فأوجبت جابريّته واعتباره، وهو ما يسمّى في عرف الأصوليين بباب جابريّة الأحاديث.

وهكذا الحال فيما يتعلّق بالأحاديث المرسلة التي عدّها العلماء من قسم الأحاديث الضعيفة، إذْ نبّهوا هناك على استثناءٍ مهمٍّ في المقام حاصله أنّ الأحاديث المرسلة فيها المعتبر الصحيح وفيها غير المعتبر وغير الصحيح، فمثلاً إذا كان راوي الحديث المرسل من أمثال سعيد بن المسيّب، فبعض علماء العامّة كالشافعيّ مثلاً يعدّه صحيحاً بحجّة أنّ سعيد بن المسيّب لا يروي إلّا عن ثقة، وهكذا الحال في مدرسة أهل البيت في خصوص روايات ابن أبي عمير وصفوان والبزنطيّ، فقد ذهب قسم كبير من علمائنا إلى تصحيح مراسيل هؤلاء الثلاثة، مستندين في ذلك إلى ما ورد عن شيخ الطائفة الطوسيّ في العدة حين قال ما حاصله: بأنّ هؤلاء الثلاثة عرفوا بين أوساط الطائفة بأنّهم لا يرون إلّا عن ثقة، ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

وكذا الحال فيما يتعلّق بمراسيل الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه)، فقد ذهب جملة من علمائنا الأعلام إلى أنّ مراسيل الصدوق التي تكون بصيغة قال الصادق (ع) أو قال الباقر (ع) ونحو ذلك، فهي صحيحة ومعتبرة، معلّلين ذلك بأنّ صيغة (قال) هي نحوٍ من أنحاء الجزم التي يظهر فيها الصدوق (ره) أنّه جازمٌ بنسبة هذا الخبر إلى الصادق (ع) أو إلى غيره من أئمّتنا عليهم السلام، وإلّا فلا يحقّ له ذلك. وأمّا إذا كان الخبر المرسل بصيغة روي عن الإمام (ع) كذا وكذا، فلا يدلُّ على اعتباره، لأنّ صيغة (رُوي) هي من صيغ التمريض التي لا يستطيع العالم من خلالها أنْ ينسب الخبر إلى الإمام عليه السلام. [ينظر كتاب موجز في علمي الدراية والرجال للسبحانيّ ، ودروس في علم الدراية لأكرم بركات العامليّ، باب الحديث المرسل].

ودمتم سالمين.