هَلْ كَانَ عَلِيٌّ (ع) يَتَفَاخَرُ بِنَفْسِهِ؟!!

حَسَن فَيْصَل: مَا الفَرْقُ بَيْنَ فَخْرِ عَلِيٍّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بِنَفْسِهِ وَ الغُرُوْرِ المُحَرَّمِ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ حَسَنٌ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

الفَخْرُ بِمَعْنَى أَنْ يَمْدَحَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَيَتَمَدَّحَ بِخِصَالِهِ لِغَرَضِ التَّبَاهِي وَالتَّرَفُّعِ عَلَى الآَخَرِيْنَ فَهَذَا مَذْمُوْمٌ وَهُوَ رَدِيْفُ الغُرُوْرِ بِهَذَا المَعْنَى ، وَهَذَا المَعْنَى لَمْ يَثْبُتْ صُدُوْرُهُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، بَلْ كَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَلَى دَرَجَةٍ كَبِيْرَةٍ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالانْقِيَادِ لِلشَّرِيْعَةِ بِشَكْلٍ قَلَّ نَظِيْرُهُ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَهُوَ القَائِلُ: (مَا تَكَبَّرَ إِلَّا حَقِيْرٌ) وَ  (مَا تَوَاضَعَ إِلَّا رَفِيْعٌ) [عُيُوْنُ الحِكَمِ وَالمَوَاعِظِ:475].

يَقُوْلُ أَحَدُ أَصْحَابِهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) وَهُوَ ضِرَارٌ بنُ ضَمْرَةَ: (كَانَ واللهِ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَوِيْلَ المَدَى ، شَدِيْدَ القِوَى ، كَثِيْرَ الفِكْرَةِ، غَزِيْرَ العِبْرَةِ ، يَقُوْلُ فَصْلَاً ، وَيَحْكُمُ عَدْلَاً، يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطَلِقُ الحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيْهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ، وَيَأْنَسُ بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ، وَكَانَ فِيْنَا كَأَحَدِنَا يُجِيْبُنَا إِذَا دَعَوْنَاهُ وَيُعْطِيْنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ ، وَنَحْنُ وَاللهِ مَعْ قُرْبِهِ لَا نُكَلِّمُهُ لِهَيْبَتِهِ، وَلَا نَدْنُو مِنْهُ تَعْظِيْمَاً لَهُ ، فَإِنْ تَبَسَّمَ فَعَنْ غَيْرِ أَشَرٍ وَلَا اِخْتِيَالٍ ، وَإِنْ نَطَقَ فَعَنِ الحِكْمَةِ وَفَصْلِ الخِطَابِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّيْنِ وَيُحِبُّ المَسَاكِيْنَ، وَلَا يَطْمَعُ الغَنِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلايَيأسُ الضَّعِيْفُ مِنْ حَقِّهِ، فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ ، وَقَدْ أَرْخَى اللَيْلُ سُدُوْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيْمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الحَزِيْنِ، وَيَقُوْلُ: يَا دُنْيَا، يَا دُنْيَا ، إِلَيْكِ عَنِّي أَبِي تَعَرَّضْتِ ؟ أَمْ لِي تَشَوَّقْتِ ؟ لَا حَانَ حِيْنُكِ ، هَيْهَاتَ ، غُرِّي غَيْرِي ، لَا حَاجَةَ لِي فِيْكِ ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثَاً لَا رَجْعَةَ فِيْهَا). [ خَصَائِصُ الأَئِمَّةِ ، لِلشَّرِيْفِ الرَّضِيِّ : 71 ، مُرُوْجُ الذَّهَبِ 2: 421].

وَذَاتَ يَوْمٍ كَانَ الإِمَامُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ (صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ) رَاكِبَاً فَالْتَفَتَ فَرَأَى أَنَّ جَمَاعَةً يَمْشُوْنَ خَلْفَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَكُمْ حَاجَةٌ؟! قَالُوا: لَا. فَقَالَ لَهُمْ: (إِنْصَرِفُوا فَإِنَّ مَشْيَ المَاشِي مَعِ الرَّاكِبِ مَفْسَدَةٌ لِلرَّاكِبِ وَمَذَلَّةُ لِلْمَاشِي). [ بِحَارُ الأَنْوَارِ41: 55].

وَقَدْ قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) فِيْمَا كَتَبَهُ لِأَحَدِ وُلَاتِهِ كَمَا فِي "نَهْجِ البَلَاغَةِ": (أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اِكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طَعَامِهِ بِقُرْصَيْهِ. أَلَا وِإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُوْنَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِيْنُوْنِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ. فَوَاللهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْرَاً، وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وِفْرَاً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْرَاً).[ نَهْجُ البَلَاغَةِ 3: 71].

وَكَانَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُوْلُ: (إِنَّ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ عِنْدِي مِنْ عِرَاقِ خَنْزِيْرٍ فِي يَدِ مَجْذُوْمٍ) [ نَهْجُ البَلَاغَةِ 4: 52].

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: (وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضِمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيْمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى. نَعُوْذُ بِاللهِ مِن سُبَاتِ العَقْلِ وَقُبْحِ الزَّلَلِ وَبِهِ نَسْتَعِيْنُ). [ نَهْجُ البَلَاغَةِ 2: 218].

فَأَيْنَ الفَخْرُ وَالتَّفَاخُرُ عِنْدَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)؟!!

نَعَمْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَهُ يَقُوْلُ فِيْ بَعْضِ الأَحْيَانِ : (سَلُوْنِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوْنِي) [ تَارِيْخُ مَدِيْنَةِ دِمَشْقَ 17 : 335] ، أَو يَقُوْلُ: (سَلُوْنِي عَنْ كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ  لَيْسَ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ، وَفِي سَهْلٍ أَمْ فِي جَبَلٍ ... ) [ الطَّبَقَاتُ الكُبْرَى 2: 338، وَجَامِعُ بَيَانِ العِلْمِ 1: 464 بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ]، أَوْ يَقُوْلُ: (وَاللهِ مَا نَزَلَتْ آَيَةٌ إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيْمَ نَزَلَتْ ، وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَعَلَى مَنْ نَزَلَتْ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُوْلَاً ، وَلِسَانَاً طَلْقَاً) [ حِلْيَةُ الأَوْلِيَاءِ 1: 68 ] أَوْ وَجَدْتَهُ يَقُوْلُ: (قَضَاءٌ قَضَاهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّ الأُمِّيَّ أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ) [مُسْنَدُ أَبِي يَعْلَى 1: 347] ، أَوْ يَقُوْلُ: (أَنَا أَخُو رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاِبْنُ عَمِّهِ لَا يَقُوْلُهَا أَحَدٌ بَعْدِي) [المَصْدَرُ السَّابِقُ]. فَهَذِهِ الكَلِمَاتُ وَنَحْوُهَا لَا يُرَادُ مِنْهَا الفَخْرُ وَالتَّفَاخُرُ وَالتَّبَاهِي، بَلْ يُرَادُ مِنْهَا لَفْتُ النَّظَرِ إِلَى الحَقِّ وَبَيَانُ المَنْزِلَةِ عِنْدَ تَشَابُهِ الأُمُوْرِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُوْلُ: (وَإِنِّي قَدْ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي وَأَنَا سَيِّدُ وُلْدِ آَدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آَدَمُ فَمَنْ دُوْنَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ) [مُسْنَدُ أَحْمَدٍ 1: 281]،  فَمِثْلُ هَذِهِ الكَلِمَاتِ تُطْلَقُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ لَا لِغَرَضِ التَّفَاخُرِ وَإِنَّمَا لِبَيَانِ المَنْزِلَةِ وَقُوَّةِ الحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ الإِنْسَانُ، وَفَرْقٌ كَبِيْرٌ بَيْنَ التَّفَاخُرِ الفَارِغِ وَالتَّبَاهِي الضَّيِّقِ لِمَدْحِ الأَنَا وَبَيْنَ تِبْيَانِ الحَقَائِقِ لِغَرَضِ لَفْتِ النَّظَرِ إِلَى الحَقِّ وَرِجَالِهِ. 

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.