ما صحّةُ حديثِ النورانيّةِ المنسوبِ إلى الإمامِ عليّ (ع)؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، بالنسبةِ لحديثِ النورانيّة، فإنّه عنوانٌ يقصدُ منهُ جهتان، إحداهُما ما رويَ في الحديثِ المشهورِ المعروفِ الذي رواهُ المجلسيّ وغيرُه مِن حديثِ سلمانَ وأبي ذرّ أنّهما سألا أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) عن النورانيّة فقال: ((... يا سلمانُ ويا جندب, قالا : لبّيكَ يا أميرَ المؤمنين صلواتُ اللهِ عليك . قالَ : كنتُ أنا ومحمّدٌ نوراً واحِداً مِن نورِ اللهِ عزّ وجل, فأمرَ اللهُ تباركَ وتعالى ذلكَ النورَ أن يشقَّ, فقالَ للنصفِ الآخر: كُن محمّداً . وقالَ للنّصفِ : كُن عليّاً.  فهذا الحديثُ معروفٌ بينَ الطائفةِ ولا إشكالَ فيه، بل رواهُ أيضاً كثيرٌ من أبناءِ العامّةِ كالحافظِ الكنجي الشافعيّ في (كفايةِ الطالبِ ص 260) في حديثٍ طويلٍ عن جابرٍ بنِ عبدِ الله قالَ : سألتُ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عن ميلادِ عليٍّ بنِ أبي طالب فقالَ : (لقد سألتَني عن خيرِ مولودٍ ولدَ في شبهِ المسيح (عليهِ السلام), إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى خلقَ عليّاً مِن نوري وخلقَني مِن نورِه وكلانا مِن نورٍ واحد). والخوارزميُّ الشافعي في (مناقبِ عليٍّ بنِ أبي طالب, ص 87 ). والعلّامةُ سبطُ بنُ الجوزي في (تذكرةِ الخواص ص 52 ). وابنُ أبي الحديدِ في (شرحِ النهج, 2/450). وغيرهم. والجهةُ الثانيةُ فإنّ حديثَ النورانيّة يقعُ أيضاً على الحديثِ الذي يُنسبُ إلى أميرِ المؤمنين (ع) والذي أوردَه العلّامةُ المجلسي، في بحارِ الأنوار، (ج26/ ص3)، إذ قالَ بابٌ: ( نادرٌ في معرفتِهم صلواتُ اللهِ عليهم بالنورانيّة وفيه ذكرُ جُملٍ مِن فضائلِهم عليهم السلام ). 1 - أقولُ : ذكرَ والدي رحمَه اللهُ أنّه رأى في كتابٍ عتيقٍ جمعَه بعضُ مُحدّثي أصحابنا في فضائلِ أميرِ المؤمنينَ ( عليهِ السلام ) هذا الخبرَ ، ووجدتهُ أيضاً في كتابٍ عتيقٍ مُشتملٍ على أخبارٍ كثيرة . قالَ : رويَ عن محمّدٍ بنِ صدقةَ أنّه قالَ : سألَ أبو ذرٍّ الغفاري سلمانَ الفارسي رضيَ اللهُ عنهما يا أبا عبدِ الله ما معرفةُ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام ) بالنورانيّة ؟ قالَ : يا جندب فامضِ بنا حتّى نسألهُ عن ذلكَ ، قالَ : فأتيناهُ فلم نجِده . قالَ : فانتظرناهُ حتّى جاء، قالَ صلواتُ اللهِ عليهِ : ما جاءَ بكُما ؟ قالا جئناكَ يا أميرَ المؤمنين نسألُك عن معرفتِك بالنورانيّة قالَ صلواتُ اللهِ عليه : مرحباً بكُما مِن وليّينِ مُتعاهدينِ لدينِه لستُما بمُقصّرين ، لعمري إنَّ ذلكَ الواجبَ على كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ ، ثمَّ قالَ صلواتُ اللهِ عليه : يا سلمانُ ويا جندب قالا : لبّيكَ يا أميرَ المؤمنين ، قالَ ( عليهِ السلام ) : إنّه لا يستكملُ أحدٌ الإيمانَ حتّى يعرفني كُنهَ معرفتي بالنورانيّة فإذا عرفني بهذهِ المعرفةِ فقد امتحنَ اللهُ قلبَه للإيمانِ وشرحَ صدرَه للإسلامِ وصارَ عارفاً مُستبصراً ، ومَن قصّرَ عن معرفةِ ذلكَ فهو شاكٌّ ومُرتاب ، يا سلمانُ ويا جُندب قالا : لبّيكَ يا أميرَ المؤمنين ، قالَ (عليهِ السلام ) : معرفتي بالنورانيّة معرفةُ اللهِ عزَّ وجلّ ومعرفةُ اللهِ عزّ وجلّ معرفتي بالنورانيّة وهوَ الدينُ الخالصُ الذي قالَ اللهُ تعالى : " وما أمروا إلّا ليعبدوا اللهَ مُخلصينَ له حنفاءَ ويقيموا الصلاةَ ويؤتوا الزكاةَ، وذلكَ دينُ القيّمة....إلخ. أقولُ: فهذا الحديثُ فيهِ إشكالٌ من جهةِ إسنادِه وبعضِ فقراتِ متنِه، وخيرُ مَن فصّلَ الكلامَ فيه العلّامةُ المجلسي في البحار في (ج26/ص17) حينَ قالَ: إنّما أفردتُ لهذه الأخبارِ باباً، لعدمِ صحّةِ أسانيدِها، وغرابةِ مضامينِها، فلا نحكمُ بصحّتِها، ولا ببطلانِها، ونردُّ علمَها إليهم (عليهم السّلام). ودمتُم سالِمين.