مخالفة علي (ع) للقرآن والسنة

داود العمري/ : أخطأ علي رضي الله عنه في بعض الفتاوى، ولا نبغي تجريحه ولا الطعن به وإنما ردا لحجة هؤلاء الرافضة، مقتبسين ذلك من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية في رده على ابن المطهر، إذ قال _ (المنتقى) (ص363 - 364) _: (فقد قضى علي في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين مع صحة خبر سبيعة ولكنه لم يبلغه، وقضى في المفوضة أن مهرها يسقط بالموت مع قضاء الرسول عليه في بروع بأن لها مهر نسائها، وأراد أن ينكح ابنة أبي جهل حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع عن ذلك, وبعد هذا فهل يقول الرافضة ان علياً معصوم من الخطأ؟

: اللجنة العلمية

لا يهمنا ما تنقلونه عن ابن تيمية في حق علي (عليه السلام) فقد شهد علماء المسلمين من أهل السنة ببغضه ومعاداته لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)،  فقد ذكر ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة ج2 ص 144) أن بعض علماء المسلمين ينسب ابن تيمية للنفاق لما بدر منه من كلمات مهينة ومشينة في حق علي (عليه السلام) . .

وهو تطبيق منهم لما ورد في صحيح مسلم أنه لا يبغض علياً (عليه السلام) إلا منافق ولا يحبه إلا مؤمن..

ومع ذاك سنجيبكم بالتفصيل حول  ما نقلتموه من قضايا تدعون أن علياً (عليه السلام) خالف فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونقول لكم  قبل ذلك:

الأولى بكم أو بابن تيمية أن تجعلوا الأحاديث الصحيحة الواردة في حق علي (عليه السلام) وفضله هي الحاكمة على غيرها من الأحاديث والنقولات المختلف في شأنها,  فحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  أقضاكم علي أو أقضاهم علي، حديث صحيح شهد  بصحته علماء الحديث قديماً وحديثاً (راجعوا صحيح الجامع للألباني: 868).

ومن كان أعلم الناس في القضاء فهو أعلم الصحابة بلا منازع؛ لأن القضاء يحتاج إلى كل علم وأعلمهم فيه أعلمهم بكل العلوم. 

 أما القضية الأولى المدعى أن علياً (عليه السلام) خالف فيها  رسول الله (صلى الله وآله وسلّم)، وهي قوله (عليه السلام) بأن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها هي أبعد الأجلين وهذا  خلاف الحديث الوارد عن أبي هريرة في صحيح البخاري في حق سبيعة الأسلمية أن رسول الله  زوجها بعد قتل زوجها حين وضعت حملها، وعليه تكون عدة الحامل المتوفى عنها زوجها هي وضع الحمل لا أبعد الأجلين حسب الحديث المذكور. 

 نقول: الحديث الوارد في صحيح البخاري مخالف للقرآن الكريم،  فقد ورد في القرآن الكريم آيتان الأولى  تشير إلى عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا), والثانية تشير إلى عدة المطلقة الحامل، وهي قوله تعالى: (واولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن).

وحديث البخاري موافق للآية الثانية فقط ومخالف لصريح الآية الأولى، والحديث المخالف لصريح القرآن ينبغي ضربه عرض الجدار كائناً ما كان، والمناسب هنا هو العمل بالجمع بين الآيتين الكريمتين والأخذ بأبعد الاجلين، هذا ما تقتضيه  الصناعة العلمية والفقهية.

فحكم علي (عليه السلام) في المسألة،  وكذلك هو حكم ابن عباس حبر الأمة، موافق للقرآن الكريم.

أما القضية الثانية وهي مهر المفوضة التي توفى عنها زوجها، أي المرأة التي تزوجت ولم يسم لها مهراً وفوضت الأمر إلى زوجها أو وليها، فقد حكم (عليه السلام) بأنه لها الإرث ولا شيء لها في المهر بينما ذهب بعض علماء أهل السنة إلى أن لها مهر المثل استناداً إلى حديث معقل بن سنان الأشجعي القائل بأن رسول الله قضى لبروع بنت واشق وهي لم يفرض لها صداق وقد توفى عنها زوجها بأن لها مهر المثل.

 نقول: المنقول عن علي (عليه السلام) أنه ردّ حديث معقل بن سنان الأشجعي, وقال فيه: ( حديث إعرابي يبول على عقبيه ولا أقبل شهادة الأعرابي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

  وفي رواية هذا الحديث اضطراباً الأمر الذي دعا الشافعي إلى عدم الأخذ به والحكم في المسألة كما حكم علي (عليه السلام)، وجهة الإضطراب أنه تارة يُقال: أن راوي هذا الحديث هو معقل بن سنان، وأخرى يُقال: معقل بن يسار، وثالثة يقال: راويه رجل من أشجع، ورابعة: ناس من أشجع، ومن هنا تردد الشافعي في الأخذ به (انظر: كتاب الأم للشافعي ج 7 ص 172، ومختصر المزني في فروع الشافعية ج1 ص 181). فهو ليس حديثاً مقطوع الصدور حتى يُقال إن علياً (عليه السلام) خالف فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). 

 وبما حكم به علي (عليه السلام) في المسألة, حكم ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت, وقالوا لا صداق لها ولها الميراث وعليها العدة. (راجع المصدر السابق)

أما موضوع تعرضه (عليه السلام) لخطبة ابنة أبي جهل الأمر الذي أغضب البضعة الزهراء (عليها السلام) وذهبت إلى أبيها رسول الله غاضبة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تجتمع ابنة عدو الله مع ابنة رسول الله. 

 نقول هذه الرواية لا حجة فيها على الشيعة, لأنها من روايات أهل السنة أولاً، ولأنه تفوح منها رائحة الوضع بشكل واضح ثانياً, ويكفينا هنا أن نذكر ثلاثة من رواتها وهم : (أبو هريرة, وعبد الله  بن الزبير, والمسور بن مخرمة)، وكل هؤلاء من المنحرفين عن علي (عليه السلام).

  أما ابو هريرة فانحرافه عن علي (عليه السلام) وميوله إلى معاوية أشهر من أن يُذكر, وكذبه في الأحاديث على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشهر من أن يخفى, وضرب عمر له بالدرة بسبب كذبه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  معلوم مشهور (انظر: شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي ج4 ص 67، تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص 7 ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 2 ص 121).  

أما عبد الله  بن الزبير  فعداوته لعلي (عليه السلام) قد بلغت به حداً أنه ترك الصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أربعين جمعة حتى لا يذكر آل محمد معه, وكان يقول:  إنه لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها (انظر: مروج الذهب للمسعودي ج3 ص 73، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص 62).

 وهو الذي جاء لخالته عائشة بخمسين رجلاً يشهدون زوراً بأن المكان الذي هي فيه ليس بماء الحوأب حتى تواصل طريقها في حربها لعلي (عليه السلام)، وكانت أول شهادة زور في الإسلام (انظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة، والمعيار والموازنة للإسكافي ص 56).

أما المسور بن مخرمة, فحديث عروة الذي ذكره الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ج3 ص 151، وفي (تاريخ الإسلام) ج5 ص 246, والذي قال فيه: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه.(انتهى) 

يكفينا أن نعرف من خلاله واقع الرجل وميوله لخصوم علي (عليه السلام) إلى درجة الصلاة عليهم.

فحديث هذا رواته مرفوض جملة وتفصيلاً عندنا, ولا حجية فيه علينا أبداً.

   أما عصمة علي (عليه السلام), فيكفي لإثباتها آية التطهير التي صرحت بأن الله أذهب كل رجس عن أهل البيت وطهرهم تطهيراً، وكذلك حديث الثقلين الوارد بالطرق الصحيحة عند أهل السنة والوارد فيه بأن القرآن الكريم والعترة لن يفترقا حتى يردا  الحوض، وهذا دليل واضح على العصمة, لأن الذي لا يفارق القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه طرفة عين ابداً لهو معصوم حقاً، والحمد لله رب  العالمين.