أعْلَمُ الصَّحابَةِ عليٌّ (ع).
أحْمدُ عبَّاس حَمزَة الخَاقَانِي/: السَّلامُ علَيكُم ورَحمةُ اللهِ وبرَكَاتُه. هل هُناكَ مِن أهلِ الخِلَافِ مَن قَالَ بالإجمَاعِ على إعلَميَّةِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عليٍّ (عليْه السَّلامُ) على سَائِرِ الصَّحابَةِ والمُنافِقِينَ؟
الأخُ أحْمدُ المُحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكُم ورَحمةُ اللهِ وبَركَاتُه.
جَاءَ في كِتَابِ "المَواقِفِ" للإيجِي ج 3 ص 627 ما نَصُّه:
(وعليٌّ أعلَمُ الصَّحابَةِ لأنَّه كَانَ في غَايَةِ الذَّكاءِ والحِرْصِ على التَّعلُّمِ، ومُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ أعلَمُ النَّاسِ وأحرَصُهُم على إرشَادِه، وكَانَ في صِغَرِه في حِجْرِه وفي كِبَرِه ختنا لَه يَدخُلُ عليْه كُلَّ وَقْتٍ، وذلكَ يَقتَضِي بُلُوغَه في العِلْمِ كُلَّ مَبلَغٍ. وأمَّا أبو بَكرٍ فَاتَّصلَ بخِدْمَتِه في كِبَرِه وكَانَ يَصِلُ إليْه في اليَومِ مرَّةً أو مرَّتيَنِ.
ولقَولِه صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ (أقضَاكُم عليٌّ) والقَضَاءُ يَحتَاجُ إلى جَمِيعِ العُلُومِ فلا يُعارِضُه نحوُ (أفرَضُكُم زَيدٌ وأقرَؤُكُم أبِي).
ولقَولِه تَعَالى ((وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)) (الحاقة:12) وأكَثرُ المُفسِّرِينَ على أنَّه عليٌّ.
ولأنَّه نَهَى عُمرَ عن رَجْمِ مَن وُلِدَتْ لسَتَّةِ أشهُرٍ، وعن رَجْمِ الحَامِلةِ، فقَالَ عُمرُ: لولا عليٌّ لهَلكَ عُمرُ.
ولقَولِ عليٍّ (لو كُسِرَتْ لي الوَسادَةُ ثم جَلسْتُ علَيْها لقَضَيتُ بَينَ أهلِ التَّورَاةِ بتَورَاتِهِم، وبَينَ أهلِ الإنجِيلِ بإنجِيلِهِم، وبَينَ أهلِ الزَّبُورِ بزَبُورِهِم، وبَينَ أهلِ الفُرقَانِ بفُرقَانِهِم، واللهِ ما مِن آيةٍ نَزلَتْ في بَرٍّ أو بَحرٍ أو سَهْلٍ أو جَبَلٍ أو سَماءٍ أو أرْضٍ أو لَيلٍ أو نَهَارٍ إلَّا وأنَا أعلَمُ فِيمَن نَزلَتْ وفي أيِّ شَيءٍ نَزلَتْ).
ولأنَّ عَليّاً ذَكرَ في خُطبَتِه مِن أسرَارِ التَّوحِيدِ والعَدْلِ والنُّبوَّةِ والقّضَاءِ والقَدَرِ ما لم يَقعْ مِثلُه في كَلَامِ الصَّحابَةِ.
ولأنَّ جَمِيعَ الفِرَقِ يَنتَسِبُونَ إليْه في الأُصُولِ والفُرُوعِ، وكذا المُتصوِّفَةُ في عِلْمِ تَصفِيَةِ البَاطِنِ، وابنُ عبَّاسٍ رَئِيسُ المُفسِّرِينَ تِلمِيذُه.
وكَانَ في الفِقْهِ والفَصاحَةِ في الدَّرجَةِ القُصوَى، وعِلْمُ النَّحوِ إنَّما ظَهرَ منْه وهو الَّذي أمَرَ أبا الأسوَدِ الدُّؤَلِي بتَدوِينِه، وكَذا عِلْمُ الشَّجاعَةِ ومُمارَسةُ الأسلِحَةِ، وكَذا عِلْمُ الفُتوَّةِ والأخلَاقِ). انتَهى.
فهذِهِ شَهادُةٌ من عَالِمٍ كَبِيرٍ مِن عُلمَاءِ أهلِ السُّنةِ وهو الأيجِي يَشهَدُ بأعلَميَّةِ عليٍّ (عليْه السَّلام) على الصَّحابَةِ، وقد جَاءَ مِن الأدِلَّةِ والشَّواهِدِ الكَافِيةِ لإثبَاتِ مُدَّعاهُ وخَاصَّةً حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْه وآلِه وسلَّمَ): (وأقضَاهُم عليٌّ)، الَّذي صَحَّحهُ الألبَانيُّ في "صَحِيحِ ابنِ مَاجةَ" ج9 ص 34 تحتَ رَقم (151)، وفي "صَحِيحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ" ج1 ص 211تحتَ رَقم (868)، وفي "سِلسِلَةِ الأحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ " تحتَ رَقم 1224.
وهو ما شَهِدَ به أيضاً عُمرُ بنُ الخطَّابِ حِينَ قَالَ - كمَا يَذكُرُ ذلكَ البُخارِيُّ في صَحِيحِه ج5 ص 149 كِتَابُ تَفسِيرِ القُرآنِ -: (وأقضَانَا عليٌّ).
قَالَ المنَّاوِيُّ في "فَيضِ القَدِيرِ"ج1 ص 588: ((وأقضَاهُم عليٌّ) أي أعرَفَهُم بالقَضَاءِ بأحكَامِ الشَّرعِ. قَالَ السَّمهُودِيُّ: ومَعلُومٌ أنَّ العِلْمَ هو مَادَّةُ القَضَاءِ. قَالَ الزَّمخشَريُّ: سَافَرَ رَجلٌ مع صَحْبٍ له فَلم يَرجِعْ حِينَ رَجَعُوا فاتَّهمَهُم أهلُهُ، فَرفَعُوهُم إلى شُرَيحٍ، فَسَألهُم البَيِّنةَ على قَتلِه، فارْتفَعُوا إلى عليٍّ فأخبَرُوهُ بقَولِ شُرَيحٍ فقَالَ:
أورَدَهَا سَعدٌ وسَعدٌ مُشتَمِلُ * ما هكَذا يا سَعدُ تُورِدُ الإبِلُ ثم قَالَ: إنَّ أصلَ السَّقيِ التَّشريِعُ. ثم فرَّقَ بَينَهُم وسَألَهُم. فاخْتلَفُوا ثم أقرُّوا بقَتلَهِ فَقتَلَهُم به.
وأخبَارُه في هَذا البَابِ مع عُمرَ وغَيرِه لا تَكَادُ تُحصَى. قَالُوا: وكمَا أنَّه أقضَى الصَّحْبِ في العِلْمِ الظَّاهِرِ فهُو أفقَهُهُم بالعِلْمِ البَاطِنِ. قَالَ الحَكِيمُ التِّرمِذِيُّ في قَولِ المُصطَفَى صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم لعِليٍّ: إلبَسْ الحِلَّةَ التي خَبَّأتُها لك. هي عِندَنا حِلَّةُ التَّوحِيدِ، فإنَّ الغَالِبَ على عليٍّ التَّقدُّمُ في عِلْمِ التَّوحِيدِ، وبه كَانَ يَبرُزُ على عَامَّةِ أصحَابِ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم. إلى هُنا كَلَامُه). انتَهى.
وجَاءَ في "المقَاصِدِ الحَسنَةِ" للسَّخاوِي، تَحقِيقُ الحَافِظِ عَبدِ اللهِ الصَّدِّيق الغمارِي في بَيَانِ حَدِيثِ (أقضَاكُم عليٌّ) تحتَ رَقم 139: (قَضَاءُ عليٍّ وعِلمُهُ وشَجَاعَتُه مِن المُتوَاتِرَاتِ، فلَيسَ مِن الصَّحابَةِ مَن يَفُوقُه في ذلكَ). انتَهى.
ودُمتُم سَالِمينَ.
اترك تعليق