الزيادة اللفظيّة في بعض موارد كتاب مفاتيح الجنان
ورد في أحد نسخ مفاتيح الجنان ط/2 .. 1422 الناشر انوار الهدى .. عن العلامة المجلسي أن أية الكرسي على التنزيل على رواية علي بن ابراهيم الكليني كما يلي ( الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما السموات وما بينهما وماتحت الثرى عالم الغيب والسعادة الرحمن الرحيم من ذا الذي ... إلى آخر الآية الكريمة ) >استفسار من أحد الإخوة حول سبب وجود مثل هذه الروايات التي تدل تحريف القرآن الكريم في كتاب مهم مثل مفاتيح الجنان مع العلم أن كثير من الطبعات تخلو من ذكرها .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل كُلِّ شيءٍ لا بُدَّ أنْ نعرف المقصود بالتحريف لغةً واصطلاحاً، لكي نستطيع أنْ نفهم المراد من هذه الزيادة الواردة في هذا الخبر، فنقول وبالله التوفيق:
التحريف لغةً
قال ابن منظور في كتابه (لسان العرب) في مادّة (حرف): الحرف في الأصل : الطرف والجانب. وقال الراغب الأصفهانيّ في كتابه (مفردات ألفاظ القرآن) في الصفحة 228: حرف الشيء: طرفه ...، وتحريف الشيء: إمالته، كتحريف القلم ، وتحريف الكلام. وقال الزمخشريّ في كتابه (الكشّاف 3: 146) في تفسير قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ)) [الحج 22: 11]. قال: أي على طرفٍ من الدين، لا في وسطه وقلبه، وهذا مثلٌ، لكونهم على قلقٍ واضطرابٍ في دينهم، لا على سكونٍ وطمأنينة.
وأمّا التحريف في الاصطلاح فله عدّة معانٍ ، نذكر المهمِّ منها:
1- التحريف المعنويُّ، ويشتمل على نوعين :أحدهما: يراد به حمل اللفظ على معانٍ بعيدة عنه ، لا علاقة له بظاهره، مع مخالفته للمشهور من تفسيره، وهذا النوع واقع في القرآن، وذلك عن طريق تأويله من غير علم، وهو محرّم بالإجماع، إذْ ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنّه قال: (مَنْ قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار)، كما في كتاب (التبيان للطوسيّ 1: 24)، و(كتاب الإتقان للسيوطيّ 4: 210).والثاني: يُراد به حمل اللفظ على معانٍ بعيدة عنه، لأسباب مذهبيّة وعقديّة ونحوهما مِـمّا ورثه من الآباء والأجداد، تجعل منه يُكابر ويراوغ في قبول الحقّ الذي اطّلع عليه، فحالُ مَنْ يسلك مثل هذا السلوك في تفسير آيات الكتاب العزيز كحال مَنْ كانوا يسمعون كلام الله تعالى ثُمَّ يُحرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوه.
2- التحريف اللفظيُّ، من جهة الزيادة والنقصان في بعض آياته وسوره، أو في بعض كلماته أو في بعض حروفه، وفيما يلي بيان ذلك:
أ ـ التحريف بالزيادة: بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل. والتحريف بهذا المعنى باطلٌ بإجماع المسلمين، لأنّه يفضي إلى أنّ بعض ما بين الدفّتين ليس من القرآن، وهو مِـمّا ينافي آيات التحدّي والإعجاز، كقوله تعالى: ((قُل لئنِ اجتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ عَلَى أن يأتُوا بمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)) [الإسراء 17: 88].
ب ـ التحريف بالنقص: بمعنى أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل على نبيّنا محمّد (صلّى اله عليه وآله)، بأنْ يكون قد ضاع بعض القرآن على الناس إمّا عمداً، وإمّا نسياناً، وقد يكون ما ضاع كلمة أو آية أو سورة، والتحريف بهذا المعنى هو مثارُ جدلٍ بين أهل العلم، إذْ ادّعى بعضهم وقوعه في القرآن الكريم استناداً إلى أحاديث هي في مجملها إمّا ضعيفة السند وغير حجّة، وإمّا هي مؤوّلة على وجهٍ يُخْرِجها عن إفادة ذلك التحريف، مع العلم بأنّ تلكم الأحاديث التي يُفهم منها التحريف إنّما هي أحاديثٌ وأخبارٌ مدسوسةٌ وباطلةٌ، قد أعرض عنها محقّقو المسلمين على مرّ العصور.
ج ـ تحريف الكلمات، وهو إمَّا أن يكون في أصل المصحف، وهو باطل بالإجماع، وإمَّا أن تكون زيادة واضحة مُعلَّمٌ عليها بعلامة معيّنة لبيان فهم المراد من ذلك اللفظ، وهو جائز بالاتفاق.
د ـ تحريف الحروف أو الحركات، وهذا راجع إلى القراءات القرآنية، وهو باطل إلّا في ألفاظ قليلة كقراءة قوله تعالى: ((وَامْسَحُواْ بِرُؤُسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ)) [المائدة 5: 6]. بكسر لفظة (الأرجل) ونصبها، وغيرها مِـمّا لم يخالف أُصول العربية وقراءة جمهور المسلمين، وورد به أثرٌ صحيح.ومَنْ أراد المزيد من الإيضاح في هذه المسأل،, فبوسعه الرجوع إلى كتاب (البيان في تفسير القرآن للسيّد الخوئيّ قدس).
فإذا عرفت ذلك فننبّه في هذا المقام على أمرين لا بُدَّ من أخذهما في الاعتبار، أحدهما: أنّ المراد من بعض عبارات التحريف الواردة في بعض الأخبار إنّما هو التحريف المعنويّ الذي يحمل اللفظ على معانٍ بعيدة عمّا يُراد به لأسبابٍ عقديّة أو مذهبيّة أو نحوهما كما تقدّم بيانه، والثاني: أنّ مجيء بعض الكلمات في نصوص الآيات زيادة على ما هو المتعارف عليه في القرآن العظيم لا يقصد به التحريف اللفظيّ الذي تقدّم بيانه آنفاً، وإنّما يُعَـدُّ من الإضافات التفسيريّة الشائعة بين أهل العلم التي كانت تقرأ على لسان بعض الصحابة نظير ما ورد من الزيادات اللفظيّة في الآيات الواردة في شأن أمير المؤمنين عليه السلام كما في قوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال ) ، إذْ ورد في بعض الأخبار عن الصحابيّ ابن مسعود أنّه كان يقرأ هذه الآية هكذا: وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ.[ينظر: كتاب (إكمال الكمال، لابن ماكولا، ج7/ص ٦٧)، وكتاب(الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطيّ، ج ٥/ص ١٩٢)، إذْ قال: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود أنّه كان يقرأ هذا الحرف، وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ.وهكذا الحال مع قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)، إذْ ورد في بعض الأخبار أنّها كانت تقرأ هكذا: « يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك في عليّ »، ولذا تهجّم بعض المخالفين علينا ؛ ورمانا بالتزامنا بتحريف القرآن ، مع أنّا لا نقول بذلك ، بل المراد تفسير القرآن به من ناحية الرسول الأعظم.[ينظر : كتاب أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة للشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، (كتاب النكاح)، ج ٢/ ص ٥٠١]، وغير ذلك من الموارد المعروفة بين أهل العل، وعليه سواءٌ أحذفت تلك الجملة من كتاب مفاتيح الجنان أم بقيت فهذا هو توجيهها.ودمتم سالمين.
اترك تعليق