لماذا ظنَّ نبيُّ اللهِ داود (ع) أنّه فُتِنَ في قضيّةِ التحكيمِ بينَ الخصمين في مسألةِ النعاجِ

طبقاً لقولِه تعالى:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسعٌ وَتِسعُونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكفِلنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الخِطَابِ، قَالَ لَقَد ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبغِي بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُم وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص:23-24]. لماذا ظنَّ نبيُّ اللهِ داود (ع) أنّه فُتِنَ في قضيّةِ التحكيمِ بينَ الخصمين في مسألةِ النعاجِ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

اعلم أخي السّائل أنَّ علماءَ الطائفةِ المُحقّةِ قد أجابوا عن سؤالِك هذا استناداً إلى ما وصلَ إليهم عن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام، وحاصلُ جوابِهم ما يلي: إنَّ معنى الآيةِ أنَّ داود - عليهِ السّلام - لمّا ظنّ أنّ ما خلقَ اللهُ خلقاً هوَ أعلمُ منه ، فبعثَ اللَّهُ الملكينِ ، فابتلاهُ بالحُكمِ بينهما . فعجّلَ داودُ على المُدّعى عليه ، ولم يسأل المُدّعي البيّنةَ على ذلك . فكانَت هذه خطيئةُ رسمِ حُكمه ، أي : رسمُ حكمِه المأمور بالحُكمِ بهذا الطَّريق . وكانَ خطيئةً، أي : تجاوزاً عمّا هو المتعارفُ في الحُكمِ لغيرِه . فاستغفرَ لخطورةِ ذلكَ الظَّنّ - وإن لم يكُن سيّئةً - للانقطاعِ إلى اللَّه ، والتّذلَّلِ لما ترفّعَ بها الظَّنُّ المُنافي للخشوعِ التّامّ المناسبِ بحالِ الأنبياءِ [تفسيرُ كنزِ الدقائقِ وبحرِ الغرائب، ج ١١، الشيخُ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي، ص ٢١٨]. 

ويؤيّد ذلكَ ما رواهُ الشيخُ الصّدوق (ره) في الأمالي (ص150) قال: حدّثنا أحمدُ بنُ زياد ( رضيَ اللهُ عنه ) ، قالَ : حدّثنا عليٌّ بنُ إبراهيم بنِ 

هاشم ، قالَ : حدّثنا القاسمُ بنُ محمّدٍ البرمكي ، قالَ : حدّثنا أبو الصّلتِ الهروي ، قالَ : لمّا جمعَ المأمونُ لعليٍّ بنِ موسى الرّضا ( عليهِ السلام ) أهلَ المقالاتِ مِن أهلِ الإسلامِ والدياناتِ منَ اليهودِ والنصارى والمجوسِ والصّابئيَن وسائرِ أهلِ المقالاتِ ، فلم يقُم أحدٌ إلّا وقد ألزمَه حُجّتَه كأنّه قد ألقمَ حجراً ، قامَ إليهِ عليٌّ بنُ محمّدٍ بنِ الجهم ، فقالَ له : يابنَ رسولِ اللهِ ، أتقولُ بعِصمةِ الأنبياء ؟ قالَ : بلى . قالَ : فما تعملُ في قولِ اللهِ عزّ وجل : ( وعصى آدمُ ربَّه فغوى )، وقولِه عزّ وجل : ( وذا النونِ إذ ذهبَ مُغاضباً ... إلى أن قالَ الرّضا (ع): وأمّا داودُ ، فما يقولُ مَن قبلكم فيه ؟ فقالَ عليٌّ بنُ الجهم : يقولونَ : إنَّ داودَ كانَ في محرابِه يُصلّي ، إذ تصوّرَ لهُ إبليسُ على صورةِ طيرٍ أحسنَ ما يكونُ منَ الطيور، فقطعَ صلاتَه وقامَ ليأخذَ الطيرَ ، فخرجَ الطيرُ إلى الدارِ ، فخرجَ في أثرِه ، فطارَ الطيرُ إلى السطحِ ، فصعدَ في طلبِه ، فسقطَ الطيرُ في دارِ أوريا بنِ حنان ، فاطّلعَ داودُ في أثرِ الطير ، فإذا بامرأةِ أوريا تغتسلُ ، فلمّا نظرَ إليها هواها ، وكانَ أوريا قد أخرجَه في بعضِ غزواتِه ، فكتبَ إلى صاحبِه : أن قدّم أوريا أمامَ الحرب ، فقدمَ فظفرَ أوريا بالمُشركينَ ، 

فصعبَ ذلكَ على داودُ ، فكتبَ إليهِ ثانيةً : أن قدّمهُ أمامَ التابوتِ ، فقُتلَ أوريا ( رحمَه الله ) ، وتزوّجَ داودُ بامرأتِه . قالَ : فضربَ الرّضا (عليهِ السلام) بيدِه على جبهتِه ، وقالَ : إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون ، لقد نسبتُم نبيّاً مِن أنبياءِ اللهِ إلى التهاوِن بصلاتِه ، حتّى خرجَ في أثرِ الطيرِ ، ثمّ بالفاحشةِ ، ثمّ بالقتلِ ! فقالَ : يا بنَ رسولِ الله ، فما كانَت خطيئتُه ؟ فقالَ : ويحَك ، إنّ داودَ إنّما ظنَّ أن ما خلقَ اللهُ عزّ وجلّ خلقاً هوَ أعلمُ منه ، فبعثَ اللهُ عزّ وجلّ إليهِ الملكينِ فتسوّرا المحرابَ ، فقالا : ( خصمانِ بغى بعضُنا على بعضٍ فاحكُم بينَنا بالحقِّ ولا تشطُط واهدِنا إلى سواءِ الصراط * إنّ هذا أخي لهُ تسعٌ وتسعونَ نعجةً ولي نعجةٌ واحدة ٌفقالَ أكفلنيها وعزّني في الخطابِ ) فعجّلَ داودُ ( عليهِ السلام ) على المُدّعى عليه ، فقالَ : ( لقد ظلمَك بسؤالِ نعجتِك إلى نعاجِه )، ولم يسأل المُدّعي البيّنةَ على ذلكَ ، ولم يقبَل على المُدّعى عليه فيقولُ : ما تقولُ ؟ فكانَ هذا خطيئةُ حُكمِه ، لا ما ذهبتُم إليه ، ألا تسمعُ قولَ اللهِ عزّ وجلّ يقول : ( يا داودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرضِ فاحكُم بينَ الناسِ بالحقّ )... إلى آخرِ الآية ؟. ودمتُم سالِمين.