عبادة الله تعالى لا أسماؤه
ورد في الحديث : من عبد الاسم دون المعنى فقد كفر. ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك . ومن عبد المعنى بحقيقة المعرفة فهو مؤمن حقاً . ما المراد من الإسم ؟ والمعنى ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
هذا الحديث ورد في العديد من رواياتنا المعتبرة ، وهي من المعارف الحقّة العالية ، وقبل بيان معناه نسرد بعض الروايات ، للإستعانة في فهم المعنى .
1 - روى الكليني بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من عبد الله بالتوهم فقد كفر ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حقا .
وفي حديث آخر : أولئك هم المؤمنون حقا .
2 – وروى الكليني بسند صحيح عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها : الله مما هو مشتق ؟ قال : فقال لي : يا هشام الله مشتق من إله والاله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام ؟ قال : فقلت : زدني قال : إن لله تسعة وتسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره ، يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره ؟ قلت : نعم ، قال : فقال : نفعك الله به وثبتك يا هشام ، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا .
3- وروى الكليني بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أو قلت له : جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد ؟ قال : فقال : إن من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئا بل اعبد الله الواحد الاحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء إن الأسماء صفات وصف بها نفسه . (الكافي : 1 / 87)
فنقول :
1 - إنّ لله تبارك وتعالى أسماء ، وهي سمات وعلامات تدلّ عليه وتُنبِئُ عنه ، كما أنّ أسمائنا تدل علينا ، فعندما يُرزق الانسان بمولود يضع له اسماً ، محمد مثلاً ، لتدل عليه وتكون علامة له ، فالإسم هو لفظة محمد ، والمسمى هو المولود نفسه ، وهو أيضاً المعنى ، فالإسم هو اللفظ ، والمعنى والمسمى هو نفس المولود .
وقد ورد في رواية هشام المتقدمة : (يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق.) بمعنى إنّ لفظة : الخبر ، إسم وعلامة ودلالة على الشيء المأكول في الواقع الخارجي ، وكذلك لفظة : الماء ، إسم وعلامة ودلالة على الشيء الذي نشربه في الخارج ، وكذلك الثوب اسم للشيء الذي نلبسه ، وهكذا لفظة النار اسم للشيء الذي يُحرق .
فالإسم يدل على حقيقة خارجية ، ويحكي عنها ، وهو علامة عليها ، تلك الحقيقة الخارجية هي المعنى والمسمى .
ولله تعالى اسماء كثيرة هي علامات تحكي عن الذات الإلهية ، وتدل على تلك الحقيقة والواقعية ، وتنبئُ عنها .
فالذات الإلهية هي معنى ومسمى تلك الأسماء .
إذن : فالإسم هي لفظة : الله الرحمن القادر العالم وهكذا ، والمعنى والمسمى هي الذات الإلهية .
سؤال : إذا كان الإسم هو اللفظ ، والمعنى والمسمى هو الحقيقة الخارجية ، فأين ذهب معنى اللفظ الذي هو مفهوم اللفظ ؟
الجواب : اللفظ ومفهومه كلاهما إسمٌ ، ومسمى الإسم ومعناه هو مصداقه الخارجي .
قال الفيض الكاشاني : ( إذ الاسم عبارة عن اللفظ والمفهوم منه ، والمسمى هو المعنى المقصود من اللفظ الذي هو مصداقه . ) (الوافي : 1 / 347)
2- إنّ الإسم غير المسمى والمعنى ، فإسمك غير ذاتك ، فهنا شيئان : الإسم والذات ، وكل منهما مختلف عن الآخر ، ولكن الإسم يدل ويحكي عن الذات ، ومرتبة وضع الإسم للذات متأخرة ، فهنا ذاتٌ متقدمة – وجوداً أو رتبة وتصوراً - وضع لها الإسم لاحقاً .
فالإسم محدَث مخلوق ، وذات الله قديمة ، واسم الله غير الله ، والعبادة إنما تكون لذات الله القديمة ، وليست لإسم الله المحدَث المخلوق ، فمن عبد إسم الله فهو كافر ، لم يعبد الله ، وإنما عبدَ مخلوقاً .
ومَن عبد ذات الله تعالى (= المسمى والمعنى) فقد عبد الله تعالى .
ومَن عبد الإسم والذات معاً ، فقد أشرك في عبادته ، ولم يعبد واحداً أحداً ، وإنما عبد إثنين (الإسم والذات) .
اترك تعليق