ما مدى صحة الحديث المروي عن النبي (ص)" أطلبوا العلم ولو كان في الصين"، بالنظر لعدم وجود بلد اسمه الصين في السابق؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لا تخفى على أحدٍ أهميّةُ العلمِ وإكتسابِه في حياةِ الإنسانِ؛ إذ إنّه نورٌ يُضيءُ ظُلمةَ الجهلِ، وهو أصلُ الأشياءِ ومفتاحُ تحريرِ العقولِ منَ الأوهامِ والقيودِ، كما يُعدّ مُحرّكاً لمسيرتِه وسلوكِه في الحياةِ اليوميّةِ، ومُخلِّصاً له منَ الفسادِ، وهو ركيزةُ كلّ عبادةٍ؛ إذ لا يُمكنُ للعابدِ أن يتعبّدَ ويؤدّي شعائرَ دينِه دونَ فهمٍ وعلم. فمَن حظيَ بالعلمَ فقَد حظيَ بخيرِ الأمرِ وفلاحِه. ويصلُ العلمُ بالإنسانِ إلى مراتبِ الشّهداءِ على الحقِّ، وذلكَ مصداقاً لقولِه تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِمًا بِالقِسطِ)،[٨]، كما أنّ العُلماء باللهِ ودينِه يخشونَه حقّ خشيتَه، ويتحرّونَ حدودَه ويسعونَ لرضاه، َ قالَ تعالى: (إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ).[٩]، وقَد وردَ في فضلِ العلمِ رواياتٍ مشهورة، فمنها:
قولُ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله: إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً، وأورثوا العلمَ، فمَن أخذَ به أخذَ بحظٍّ وافرٍ).[الكافي لثقةِ الإسلامِ الشيخ الكلينيّ (ره) ج1/ص80)]،و[كتابُ جامعِ بيانِ العلم وفضلِه لابنِ عبد البرّ ج1/ص34].
وقالَ النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله: (إذا ماتَ الإنسانُ انقطع عملُه إلّا من ثلاثٍ؛ صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)[ ينظر: كتابُ بحار الأنوار للعلّامة المجلسيّ ، (ج ٢/ ص ٢٥)، ومسلمٌ في صحيحِه وأصحابُ السّنن]. وقالَ صلّى اللهُ عليه وآله: (مَن سلكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً، سهَّلَ اللهُ له طريقاً إلى الجنَّةِ).[ ينظر: كتابُ الكافي، للشّيخ الكلينيّ، ج1/ص ٨٢، وكتابُ الأمالي، للشيخِ الصّدوق، ص١١٦وكتابُ المصنّفِ لابنِ أبي شيبةَ الحافظ ج6/ص187].
ويرفعُ اللهُ -عزّ وجلّ- أصحابَ العلمِ في دُنياهم وأُخراهم؛ إذ يرفعُهم في دنياهم بينَ عبادِه لِما قاموا به، ويرفعُهم في الآخرةِ درجاتٍ لما قاموا بهِ مِن دعوةٍ إلى اللهِ ودينه، فقد قالَ تعالى: (...يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ).وغيرِ ذلكَ مِـمّا بيّنَه أهلُ العلمِ في هذا الموضعِ، فإذا إتّضحَ ذلكَ، فنقولُ: إنّ هذا الخبرَ: (إطلبوا العلمَ ولو بالصّين) لم يُروى في كتبِنا المُعتبرةِ من طُرقِ أهل البيت عليهم السّلام وإنّما الأصلُ في روايتِه أنّه واردٌ من طرقِ أبناءِ العامّةِ وجمهورُ علمائِهم يُضعّفونَه ويردّونَه كإبنِ الجوزيّ في كتابِه الموضوعاتِ (ج1/ص346)، والألبانيّ في السّلسلةِ الضّعيفةِ، رقمُ الحديث (416)، ولكنَّ بعضَهم يُحسّنُه كالسّيوطيّ في التعقّباتِ على إبنِ الجوزيّ إذ أوردَ له أكثرَ من طريقٍ. وأمّا علماؤنا الأبرارُ وخصوصاً المتأخرونَ منهم، فإنّهم يروونَ هذا الحديثَ في كتبِهم من بابِ الإستئناسِ به، لأنّهم لم يجدوا في متنِه ما يُنكَر وخصوصاً أنّه لم يُخالف القرآنَ العظيمَ ولا السنّةَ المُتواترةَ، وإنّما فيه حثٌّ على طلبِ العلمِ وتتبّعِه وإن كانَ مكانُ العلمِ بعيداً كبعدِ الصّينِ. ودمتُم سالمين.
اترك تعليق