هل نصَّ النبيّ على خلافة الرجلين في كتب الشيعة؟
السؤال: اعترف المفسر الشيعيُّ علي بن إبراهيم القُمّيّ في تفسيره بأنَّ الآية الكريمة {وَإِذْ أَسَرَّ النبيّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} تشير إلى أنَّ السرَّ الذي أبلغه النبيّ لحفصة هو «أنَّ أبا بكر وعمر سيتوليان الخلافة بعده»، أليس هذا دليلاً واضحاً بالنص على خلافتهما؟
لجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –أيدك الله- أنَّ هذا الكلام الذي ذكره المفسّر علي بن إبراهيم القُمّيّ لا يعتبر دليلاً على النص على خلافة أبي بكر وعمر، بل هو على العكس تماماً؛ وذلك لأنّ كلامه مأخوذٌ من بعض النصوص الواردة في بيان السرّ الذي أسرّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى بعض أزواجه، وهي أنّ القوم سيغصبون خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّ أبا بكر وعمر سيليان أمر الأمّة غصباً وجوراً.
وبهذا يتّضح أنّ هذا إخبارٌ من النبيّ (صلى الله عليه وآله) بما يتعلق بأحداثٍ مستقبليَّة، نظير ما جاء في مصادر العامة:
1ـ منها قوله (صلى الله عليه وآله): «يكون بعدي أئمةٌُ لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» [صحيح مسلم ج6 ص20].
2ـ ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): لأبي ذر «كيف أنت إذا كانت عليك أمراءٌ يؤخّرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها»؟[صحيح مسلم ج2 ص120].
3ـ ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): لكعب بن عجرة: «أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولستُ منهم، ولا يردوا علي حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون علي حوضي»[مسند أحمد ج22 ص332].
4ـ ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «إنَّه سيكون عليكم أمراءٌ يغشاهم غواشٍ من الناس، فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فانا برئٌ منه، وهو برئٌ مني» [مسند أبي يعلى ج ٢ ص ٤٠٤ وص ٤٦٥، مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٢٤ و٩٢].
5- ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): «سيكون عليكم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون ، من كره فقد بريء ، ومن أمسك فقد سلم» [مسند الشاميين للطبرانيّ ج1 ص371].
فهذه الأخبار كما تعلم ليس فيها نصٌّ على الخلافة بل تتعلق بتولي السلطة من قبل أشخاص لم يتّبعوا نهج النبيّ وهدي القرآن الكريم.
كما أنَّ الخبر يشير إلى أنَّ أبا بكر وعمر يليان أمر الأمة بعده وهما ظالمان فاجران غادران.
ثم لو كان هذا الخبر نصَّاً على خلافتهما حقّاً لكان على النبيّ (صلى الله عليه وآله) إعلانه، لا اسراره ويأمر حفصة بكتمانه [انظر: قاموس الرجال ج12 ص297].
بل لاحتج به أبو بكر نفسه يوم السقيفة؛ لأنَّه أدلُّ على تعيينه من قوله: الأئمة من قريش، وأقطع لقول عليٍّ: "أنا أحق بهذا الأمر منكم، أتأخذونه منا أهل البيت غصباً؟ لا تخرجوا سلطان محمدٍ من داره" كما ذكره ابن قتيبة وغيره [الصراط المستقيم ج3 ص100].
وقد ورد في مصادرنا -على ما رواه المفيد- (عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنَّ السرَّ الذي كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بعض أزواجه إخباره عائشة أنَّ الله أوحى إليه أنْ يستخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنَّه قد ضاق ذرعاً بذلك ، لعلمه بما في قلوب قريشٍ له من البغضاء والحسد والشنآن ، وأنَّه خائفٌ منهم فتنةً عاجلةً تضر بالدين ، وعاهدها أنْ تكتم ذلك ولا تبديه وتستره وتخفيه .
فنقضت عهد الله سبحانه عليها في ذلك، وأذاعت سرَّه إلى حفصة، وأمرتها أنْ تُعلم أباها ليعلمه صاحبه ، فيأخذ القوم لأنفسهم ويحتالوا في بعض ما يثبته رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) في حديثٍ طويلٍ له أسبابٌ مذكورةٌ ، ففعلت ذلك حفصة واتفق القوم على عقدٍ بينهم: إنْ مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يورّثوا أحداً من أهل بيته ولا يؤتوهم مقامه ، واجتهدوا في تأخرهم والتقدم عليهم، فأوحى الله إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله) ذلك ، وأعلمه ما صنع القوم وتعاهدوا عليه ، وأنَّ الأمر يُتمَِّ لهم محنةً من الله تعالى للخلق بهم؛ فأوقف النبيُّ (صلى الله عليه وآله) عائشة على ذلك ، وعرَّفها ما كان منها من إذاعة السر ، وطوى عنها الخبر بما علمه من تمام الأمر لهم ، لئلَّا تتعجل إلى المسرَّة به وتلقيه إلى أبيها ، فيتأكد طمع القوم فيما عزموا عليه ، وهو قوله تعالى : {عرف بعضه وأعرض عن بعض}، فالبعض الذي عرفه ما كان منها من إذاعة سره، والبعض الذي أعرض عنه، ذكر تمام الأمر لهم. وكان في الآية ما يؤذن بشك المرأة في نبوته صلى الله عليه وآله بقولها عند إخباره أباها بضيعها: {من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير }) [المسائل العكبريَّة ص79].
وقال الطوسيّ: (وروى أصحابنا أنَّه أسرَّ إلى عائشة بما يكون بعده من قيام من يقوم بالأمر ورفع عليٍّ (عليه السلام) عن مقامه فبشَّرت بذلك أباها فعاتبهم الله على ذلك) [التبيان في تفسير القرآن ج10 ص46].
وقال أبو الصلاح الحلبيّ: (ورووا عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: {وَإِذْ أَسَرَّ النبيّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا}، قال : أسر إليهما أمر القبطيَّة ، وأسر إليهما أنَّ أبا بكر وعمر يليان أمر الأمة من بعده ظالمين فاجرين غادرين) [تقريب المعارف ص248].
والمحصل من ذلك كلّه أنّ ما في التفسير لا يدلُّ على أنَّه نصٌّ على الخلافة، وإنَّما هو إخبارٌ عمَّا يقع في المستقبل من حوادث.
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولا وآخرا
اترك تعليق